عايشت بكل أحاسيسي ثورة الشباب المصري بعد ثلاثون عاما من الإستبداد وإنعدام الحريات ثورته مطالبا بحقوقه في العدالة الإجتماعية والعيش بكرامه.. ثم حقوقه السياسية في أن يختار النظام الذي يريده والذي يلتزم بتحقيق آماله في الحياة الكريمة وفي مستقبل أفضل يتناسب مع عظمته في التاريخ.. وما قدّمه للحضارة الإنسانية..

لم أستطع الكتابة سابقا لأن عواطفي وأحاسيسي التي تدفقت في شراييني تؤكد إفتخاري بأصولي قد تعمي موضوعيتي وحرصي على أن إنسانيتي لا يجب أن ترتبط إلا بضميري وحرصي على عالمية الحقوق وعلى نشر ثقافة وروح السلام العالمي..بما يخدم مصلحتنا جميعا.

من هذا المنطلق وحده أكتب اليوم عن ثورة مصر الرائعة التي فجّرت ينابيع الغضب الشعبي العربي الذي بقي مستكينا لعقود ما بين أنظمة قمعية مستبدة وفاسدة سرقت امواله.. وبين فقهاء دين استغلوا ضعفه ليروجوا لدين مختلف لا ينتمي إلى الإنسانية بصلة..

إن أبعاد الثورة المصرية لن تكون قاصرة على مصر والمصريون.. ولكنها ستكون المقياس.. والنور الذي سيقود بقية دول المنطقة لتجسيد الحلم العربي للإنعتاق والخروج إلى فضاءات الحرية.. وستكون الفيصل الحاسم في مدى ترابط آمال وأحلام الشعوب شرقا وغربا في التطلع للعيش بأمن وسلام..

الثورة المصرية ستحدد موقع المنطقة العربية في العالم فيما إذا كانت هذه المنطقه ستكون عاملا إيجابيا وفاعلا في نشر ثقافة السلام.. بناء على عالمية الحقوق الإنسانية والمسئولية في بناء عالم جديد تتطلع شعوبه إلى العيش بكرامة وبأمان التي نحن في أمس الحاجة إليها لضمان مستقبل أفضل للمنطقة العربية كلها.

لقد أكد شباب الثورة على مشروعية مطالبهم.. وعلى حضارة ثورتهم بتمسكهم بثورة سلمية من أجل التغيير.. وأثبتوا عقلانيتهم ونضجهم حين تمسكوا بالمناداة بالتغيير إلى دولة مدنية تكفل حقوق جميع مواطنيها..

.وتصميمهم على تغيير المواد الدستورية التي تمنح الحاكم صلاحيات دستورية لا حد لها.. وبالتأكيد سمعت كما سمع غيري عن المواد المقترحه للتغيير.. وربما خطوة تجميد الدستور هي أهم الخطوات للعمل على تغيير مواد بذاتها كما في المادة الثانية.. وأيضا المواد المتعلقه بحقوق المرأة.. وهو ما آمل أن يعمل شباب الثورة بتصميم مماثل مع المشرع على التخلص من كل المواد الدستورية السابقه التي تهدف إلى التمييز بين المواطنين.. والتمييز بين الجنسين.. وأن تكون جميع مواد الدستور القادم متسقه مع الحقوق العالمية للإنسان في سياق تقديس الكرامة الإنسانية للجميع..

إن الإنتصار للعقل في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ مصر والتي كانت ومازالت قلب المنطقة العربية تتطلب من جميع الصحفيين والعاملين في كل مناحي الحياة وقفة ضمير حقيقية في تنافس حر وخلآّق ومبدع بآراء متعددة للعمل على ما هو الأفضل لمصر وللمنطقة وليس ماهو الأكثر تقديسا.. فليس أكثر تقديسا على الأرض من الإنسان وحريته وحقوقة.. وهذا يعني التغيير الجذري الذي يتبنى تغيير راديكالي في مفاهيم الحرية والعدالة الإجتماعية والمساواة للخروج من عباءة الخوف التي لبسناها لقرون طويلة..

إن ترسيخ طابع محايد لهذه الثورة يتطلب تربية حرية محايدة.. حرية مسؤوله وليس حرية هوجاء.. حريه فكريه محايدة وغير متصلبة تسمح بإحترام فكر وتقاليد الآخر حتى وإن إختلفت معها.. وفي الحقيقة هي تتطلب زمنيا وقتيا أطول مما تستطيع الثورة المصرية تحقيقه عاجلآ لكونها المؤسس الأول للديمقراطية.. و تبدأ بالمطلب الأول.. وهو العمل على بناء علاقة جديده بالدين وبالتدّين.. تؤكد فيها أنها علاقه فردية للشخص مع إلهه.. وعلى المجتمع إحترامها وعدم المساس بها على أن لا تخرج هذه الحرية لقمع حرية الآخرين في التدين وفي إقامة الشعائر.. وأن لا يتعارض مع مبادئ التّعدّديّة وحقوق الإنسان بالمساواة والحرّيّة.. وأن القيم الراسخه لبناء المجتمعات هي القيم التي تستمد قوتها من الضمير...

الخروج من ثقافة الإمتلاء الفارغ بالنفس..والإعتقاد بأن المسلم هو الأفضل والأشرف.. وأن الآخر ليس سوى كافر أو ضال والإعتراف بأننا بشر مثل بقية الخلق وأن تراثنا أيضا لا يخلو من الأخطاء التي تجذرت في وعينا على أنها حقائق مقدسه لا يجوز الخوض فيها..والتأكيد على أن ما يتعارض مع الحقوق الإنسانية العالمية كالمساواة والحرية يتعارض مع مبادىء كل الأديان.

عصرنه الإسلام وتحديثه وذلك بـ:

الخروج من ثقافة الكره وتحليل قتل الكافر والمرتد ورجم الزانية.. لأن هذه ثقافة همجية لا تنتمي إلى إنسانية أي من الأديان.. ونمت بفعل منابر دينية دأبت على الدعاء على الآخر وعلى حرمان المرأة من حقوقها الإنسانية.

الخروج من ثقافة تقديس العمل الإرهابي وإعتباره أمرا إلهيا وواجبا مقدسا لا يملك معه المسلم سوى الطاعة... بل التأكيد على إدانته ورفضة من الجميع..

الترويج وخلق وعي جديد أعمق للوطنيه المحددة بالجغرافيا لتحل محل وطنية الدين.. أي ربط الوطن بالديانة فقط.. على أن لا تتعارض هذه الوطنيه مع حقوق الآخرين في البلد المجاور في الأمن وفي العالم أجمع..

نشر وترويج ثقافة الإعلام الإيجابي الذي يستطيع من تلقاء نفسه التعامل مع ما يتعارض مع المصلحة العامه.. عدم بث أي بيانات أو أخبار تحث على التحريض العلني أو المبطن ضد الآخر.. خاصة بيانات وأخبار القاعده التي تعمل على تحريض علني ومبطن للمسلمين يسّخّر الدين لنشر مذهب متطرف إرهابي وغير آدمي ويعمل بدأب على استنطاق نصوص دينية في غير معناها السليم.

قصر عمل المؤسسات الدينيه على التعاطي مع الشعوب على الأمور الدينية فقط.. وعلى الإفتاء بالأمور المتعلقة بالعبادات فقط.. وعدم إعطاءهم المنابر الإعلامية كبوق للترويج لأفكارهم السياسية وإشغال الرأي العام بقضايا الخلافات الفقهية بين المسلمين وترويج المذهبية والطائفية التي احتلت حيزا نفسيا سلبيا ضد المواطن في المجتمعات العربية..

إعادة كتابة التاريخ الحقيقي الديني والسياسي للمنطقة العربية. وإقصاء رجال الدين من التدخل في كتابة هذه المناهج أو التحكم بمسيرتها التي تتوخى الصدق والموضوعية فقط لكتابة تاريخ قادر على خلق وعي سياسي يحد من قدرة الدين في الربط بينه وبين السلبيات لإعطاء الشخص القدره على أن يكون موضوعيا وحرا في تفكيرة..
وأن تعمل هذه المناهج على تشجيع الهوية العالمية التي تعترف ببقية الأديان وبحقوق جميع البشر وإحترام عقائدهم بدون شرط إنتمائهم لدين معيّن...

ما سبق هو الخطوات الضرورية الأولى لتجذير الفكر الديمقراطي.. وهو ما أكدة شباب الثورة حين أكدوا على خيارهم السياسي بالدولة المدنية.. وبالتالي فإن الفترة الإنتقالية المطلوبه قبل الإنتخابات ستؤكد للشعب المصري والعربي أي من هذه الأحزاب قادره على تجاوز العقبه الأولى والأساسيه لخلق فكر ديمقراطي حر.. نعم الغالبية العظمى من هذه الدول تدين بالإسلام.. ولكننا لا نستطيع إنكار أن هناك مواطنون من ديانات اخرى يجب أن ينالوا حقهم في المساواة والحرية والعدل.. فهل يستطيع أي حزب ديني الخروج من عباءة الدين لتحقيق هذه الآمال..؟؟؟

إن موقف جميع الأحزب المتنافسه على القيادة من كل البنود السابقة إضافة إلى مواقفها من حقوق المرأة كاملة غير منقوصة ولا ترتبط بتأويلات او تفسيرات فقهية.. هو ما سيؤكد حقيقة مصداقيتها في تحقيق طموحات الشعوب العربية.. ومصداقيتها الدولية..


ndash; باحثة وناشطة في حقوق الإنسان