في 14 فبراير، في يوم الحب، حكمت سوريا بالسجن مدة خمس سنوات على الفتاة الرائعة طلّ الملوحي، لأنها كانت تكتب مدوّنة. كانت هذه هدية الحب من سوريا لبناتها.

كان الرجل العربي في الجاهلية يئد المرأة تحت التراب. والآن صار الرجل العربي في العصر التقدمي يسجن المرأة وراء القضبان.

اليوم كلنا طلّ الملوحي!

إذا كان ذنب طلّ الملوحي أنها تكتب فهذا ذنبي. إذا كان ذنب طل الملوحي أنها تقرأ فهذا ذنبي. إذا كان ذنب طل الملوحي التواصل مع العالم فهذا ذنبي. أعترف أعترف أعترف أمام كل المؤسسة الذكورية العربية بأسحلتها ومخابراتها وسجونها بكل هذه الذنوب. أعترف بها بكل فخر، لأن (نون والقلم وما يسطرون) هي شعاري. ونون النسوة وسطوري التي أحملها في جيوبي هي هويتي التي اخترتها لنفسي، والتي بها فعلا ما نحن بمجنونين، لأن الكتابة هي التي توصلنا للعقل وللحرية وللحوار الهادئ والمساواة. وإذا كان أبو جهل يغتاظ أن المسكينة سمية صارت تتعلم وتختار بنفسها ما تؤمن به فهذه مشكلته. أما أنا فسعيدة بأن الحرف حررني، ولن أعود أبدا وراء قضبان الجاهلية العربية. وأؤكد لكم بأني لن أنافس أحداً منكم بالعضلات، لأنه إن كان الأمر بالعضلات فالفيل أقوى منا جميعا، ولكن سيقف قلمي شامخا، وستجلس مفاتيح كمبيوتري بهدوء تعزف سميفونياتها في وجه الظلم والظلام.

وسنحاوركم بالحرف والكلمة. وسنكتب، وسنقرأ وسنتواصل مع العالم. إذا كان هذا ذنبنا ففخر لنا. نعترف جميعا بأننا طل الملوحي. نعترف جميعا بأننا نحب القلم، والدفتر، والكمبيوتر. نعترف بأننا نحب استدارات وزوايا الحرف العربي، نعشقها، نعانقها وننسج من خيوطها أجمل القصص والأغاني. ألستم أنتم من جعلنا في سوريا نحب باسم ورباب ومازن وميسون في كتبنا الابتدائية؟ ألستم أنتم من جعلنا نقع في حب لغتنا حتى صار كل العرب يغبطوننا على قدراتنا البهلوانية في النحو والتعبير والقصائد القبانية؟ فلماذا تعاقبوننا الآن؟ ألأننا نكتب ونقرأ؟

ما هو ذنب طلّ الملوحي؟ ما هي المعلومة التي سربتها؟ نريد أن نعرف تفاصيل محاكمتها؟

الأستاذة بثينة شعبان، أين أنت؟ أبحث عنك بين أسطر الضمير، ووراء بوابات الأمومة، وداخل دروج العلوم والأدب. أبحث عنك في كواليس قصر فرعون، لعلك، ولعلك تكونين مثل آسية امرأة فرعون. فهي عندما رأت ما يفعله فرعون فكرت باستقلالية، وقالت نجّني من عمل فرعون، ثم قررت أن تترك فرعون وتنضم للشعب. إنها نموذج المرأة المستقلة سياسيا والتي لا تتبع قومها أو سياسات القصر. quot;وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنّة ونجّني من فرعون وعمله ونجّني من القوم الظالمين.quot;

يا أستاذة بثينة، وأيتها السيدة أسماء الأخرس، وكل النساء القريبات والحميمات من السلطة السورية، لقد آن الأوان أن تفكرن باستقلالية. إنّ الحكم على كاتبة شابّة هو حكم عليكن جميعاً، حكم علينا جميعا نحن النساء السوريات. وحكم على أي إنسان يخط حرفا.

ألم نترًّبى في سوريا نحن جيل الفتيات أن نكون متعلمات مثقفات قارئات كاتبات، نتواصل مع العالم وندعم كل قضايا المظلومين؟ ولقد لبًّينا هذا النداء، فكيف تقبلن أن تكون طلّ الملوحي، طالبة الثانوية، موؤدة في سجن مظلم؟ كيف تجلسن؟ كيف تشربن القهوة؟ كيف تبتسمن لأولادكن وبناتكن بينما تجلس ابنتكن الأخرى وراء القضبان؟ أستاذة بثينة، بالله عليك، ألست فخورة بطلّ الملوحي وبنا نحن الجيل الجديد من النساء العربيات؟ ألست مسرورة مما ترين؟ كم كنا نحب مقالاتك وكتبك، إلى أن قررت أن تدخلي في قصر فرعون. عودي، أخرجي لنا مرة أخرى، يا أستاذة بثينة، واكتبي معنا باللون الوردي أحلامنا عن الحرية والمساواة والديمقراطية. نريدك أن تكوني معنا. عودي إلى الصفحة معنا ولا تهجرينا. واتركي وراءك لغة الرشاشات وصراخ القمع، وعودي معنا إلى لغة العقل والقلب.

أستاذة بثينة، لا تخذلي الفتاة العربية. إن طلّ الملوحي هي النموذج الذي أردتيه لنا، فكيف تنامين وأنت تعلمين أن بناتك يسجنًّ بسبب الكتابة. إن صمتك يجعلك مسؤولة. اغسلي عار جابر عصفور الذي قبل الوزارة قبل أيام في مصر، وكوني المرأة السورية التي تعيد للمثقف العربي وجهه النزيه. المثقفة التي لا تنبطح أمام السلطة. كوني معنا مثل آسيا التي خرجت من قصر فرعون وانضمت للشعب المتجه لبحر الحرية. لا تقبلي أن تكون الفتاة العربية رهينة الذكورة العسكرية بدون أن تقيمي الدنيا وتقعديها؟ اصدقي بنات قومك وقولي لكل الرجال كفانا وأداً للمرأة، وللحرية، وللحكمة، وللرحمة، وللكلمة، وللديمقراطية، ولكل الباقيات الفاضلات المتبوعات بتاء التأنيث ونون النسوة.