أرسل لي أخ فاضل من ثلوج كندا صورة للرئيس السوري في المسجد الأموي، تحف به طائفة من الشيوخ والصوفية ومفتي الجمهورية، وشيوخ السوء بعمائم وطواقي وطرابيش عثمانية، كما تحف الملائكة عرش الرحمن فخروا له ساجدين، فمنهم من يبكي، ومنهم من يقبل يديه يلتمس البركات، وثالث منافق يهتف بالدم بالروح نفديك يا سيد البرية؟
هنا قفز إلى ذهني كم هي عناصر الإعاقة في تحرير الشعب السوري المنكوب المقرود؟ كما تذكرت شعار الشيوعية الدين أفيون الشعوب؟
نعم يمكن للدين أن يكون محررا موقظا للشعوب بفكر انقلابي تحرري ويمكن أن تكون مهمته كما كتب عالم الاجتماع الوردي كتابا بعنوان وعاظ السلاطين ومخدري الملايين من رجال الدين الأفَّاكين؟
هل أدلكم على من تنزل الشياطين؟
سؤال ما زال يلح علي بدون أن أعثر على إجابة؟
كيف يمكن رؤية هذا التناقض بين رياض الترك (الشيوعي) الذي نام في زنزانة انفرادية سبع عشرة عاماً من أجل أفكاره في الحرية، ويعتبر حسب لوغاريتم رجال الدين هرطيقا، وواعظ السلطان الذي أقسم أن ابن الطاغية الذي مات يطير في الجنة بجناحين؟
لقد كانت الكنيسة يوما تبيع تذاكر لدخول الجنة، وتعالج السعال الديكي بلبن الحمير، وتحرق الساحرات والكتب والقطط في الساحات العامة؟
وفي آشور كان الكهنة يتقنون الكتابة، ولكنها كانت حرفة للتضليل أكثر من بث الوعي.
واليوم يجتمع ثلاثي من (الكهنوت) و(الجبت) و(الطاغوت) في تجهيل المواطن العربي بالكتابة والفضائيات.
واجتماع ثلاثة لا يعني ثلاثة بل أكثر من ثلاثة. وكل له سلاحه الخاص. فالـ (الكهنوت) يغتال العقل بالوهم، و(الجبت) يغيب الوعي تحت غبار الكلمات، و(الطاغوت) يستعبد الناس بالقوة.
وهكذا يؤكل المواطن بالطول والعرض، فلا يبق منه مواطنا، بل مسكينا ويتيما وأسيرا، في سجن كبير اسمه الوطن.
(الكهنوت) هم وعاظ السلاطين ورجال الدين حيث لا رجال دين في الدين. ومفتي الجمهورية لا يختلف عن كهنة آمون في شيء سوى الاسم؟
أما (الجبت) فهم مثقفو السلطة المتأهبين لطلي مساحيق التجميل لوحش قاضم قارض، وتقديمه للجماهير أنه ملكة جمال العالم.
أما (الطاغوت) فهم رجال المخابرات والجندرما والحرس الجمهوري المسلحون حتى الأظفار والأنياب الجاهزون للقتل تحت إمرة فرعون.
وكلاً من (الكهنوت) والكاهن، والجبت والمثقف، والطاغوت والمخابرات متفاهمون متعاونون.
وفي التاريخ كان فرعون وسيد الكهنة يخرجان على جمهور مخدر؛ فيوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، أن فرعون من نسل الإله فتخر له الجباه ساجدين.
وفي البيان الذي أصدره الشيوعيون في مطلع القرن الفائت، تم التعبير بشكل فاضح، عن حقائق مغيبة، على شكل طبقات، فكل له وظيفته في سيمفونية التعذيب:
ـ السلطة تحكم بالسيف والسلسال والساطور. وهي في قمة الهرم.. على شكل ملائكي بملابس ملكية جدا وعطور مخملية..
ـ ووعاظ السلاطين يحللون الظلم بنصوص نزلت ضد الظلم، بلحى وقلانس وطرابيش وعمامات مختلفا ألوانها بيض وجدد حمر وغرابيب سود؟
ـ ومثقفو السلطة يخدرون الوعي، مقابل ثمن يقبضونه ومراكز يمنحونها. فمنهم وزير للسخافة والإفساد القومي ومنهم للتضليل الاشتراكي وآخر من شكله أزواج لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار.
ـ وعساكر وضباط وجندرما ومخابرات، مسلحون بالطبنجة والغدارة والخنجر والعصارة، مدربون على القتل والاغتيال، والتعذيب لدرجة القتل، من ملة الحجاج، يقتلون محافظة على النوم العام. في فروع تسع عشرة جهنمية من مخابرات جوية وبحرية وتحت أرضية وفضائية. لاشيء يعمل في البلد غير جهازهم، يسبقون دقة ناسا وإحصائيات الترند، يحصون دبيب كل نملة وطنين كل نحلة، ولا تأخذهم سنة ولا نوم..
ـ وفي أسفل الطبقات عمال وفلاحون يطعمون كل الطبقات الملكية على ظهورهم طبقا عن طبق.
(واعظ السلطان) يصدر الفتوى على المقياس، حسبما أصدرها رجال الحزب والزعيم الملهم.
وعلى المواطن دخول عصر المعلومات من ثقب أمني يتسع لدماغ قملة ودبيب نملة.
ومن يكتب يجب أن يقول قولا لا يوقظ نائما ولا يزعج مستيقظا.
ومن عاش في ظل النظام العربي؛ فيجب أن يفتح كتاب النبات فيحفظ (وظائف النبات) جيدا فهذا أسلم للعاقبة؛ فالنبات يتنفس ويتكاثر. ويمكن للمواطن العربي أن يتنفس وينجب أولادا للعبودية.
وفي عصر السلطان العثماني عبد الحميد كان من حرك العوام ضد جمال الدين الأفغاني (أبو الهدى الصيادي) مفتي الديار العثمانية.
وفي عهد نابليون الثالث فتح سجن في غوايانا الفرنسية أخذ اسم جزيرة الشيطان، وبقي السجن يعمل بكامل الطاقة، بعد أن مات نابليون الثالث بدهر فهذه هي مهزلة التاريخ، أن من يفتح ملفات الشيطان لا تغلق بعد موته.
وإذا دخلت الديكتاتورية بلدا فمات الديكتاتور فابنه جاهز وحفيده من بعده أجهز؟
وعن سجن تزمامارت في المغرب كتب (محمد الرايس) كتابه (تذكرة ذهاب وإياب إلى الجحيم). حيث مات نصف المساجين في قبور حقيقة ألف موتة قبل الموت لدغا بالعقارب أو اختناقا بالبراز أو طيفا من الجنون.
وحدث أفظع منه في سجن تدمر الصحراوي في سوريا حيث دفن في الرمال أكثر من خمسة عشر ألف جثة تم طحن عظامهم إخفاء لأثر الجريمة بعد أن رأى الناس مقابر صدام الجماعية.
ولولا جمعيات حقوق الإنسان ما خرج الشيحا ـ بعد أن ضرب الرقم القياسي في السجون العربية فمكث أكثر من ثلاثين عاماً ـ ولبقي حتى تتعفن عظامه في السجن، ولكن قدر الأنظمة الشمولية أنها ضد قوانين الحياة محكومة بالموت ولو بعد حين. فتسقط ويكون لسقوطها دوي عظيم لأنها كلمة خبيثة.
أفرج عن عماد الشيحة من سجن صيدنايا في دمشق بعد أن نام في الحبس 31 سنة.
خرج الرجل بعد نومة الكهف في حلل الأموات وهن العظم منه واشتعل الرأس شيبا.
وهي شهادة على تفاهة الإنسان في بلاد العربان.
ومن خرج من السجن دخل في سجن أكبر.
ومن كان في السجن فكر في الإفراج عنه، ومن كان خارج السجن خاف منه فعاش في مظلة الرعب كل حياته يراه عن اليمين والشمائل سجدا له وهم داخرون.
وليس صحبة مثل صحبة الحبوس.
والسجن في العادة ملتقى الأحرار.
وأنا شخصيا حظيت بشرف الاستضافة في هذه المدرسة اليوسفية أربع مرات.
ومن يكتب يجب أن يقول قولا لا يوقظ نائما ولا يزعج مستيقظاً، فلا يرحب في مجتمعات العبودية بمقلقي النوم العام.
والسجن يجب أن يكون مكان التوبة النصوح.
ومن خرج عليه مراجعة الدوائر الأمنية مثل فروض الصلوات للتأكد من خلو دماغه من جراثيم المعارضة.
ونحن في العالم العربي نحب ضرب الأرقام القياسية في العديد من أمورنا سواء سنوات حبس المعارضين، أو نسخ الدستور بما يناسب عمر سلطان المسلمين وشمس الواعظين، أو الجلوس في سدة الحكم مثل البابا بدون فاتيكان، أو إحياء التثليث في مجتمع يدعي الوحدانية؛ ففي مطار كل عاصمة عربية تطالعك ثلاث صور للآب والابن والروح القدس بحجم الأهرام يؤخذ ثمنها من جيب مواطن مفلس.
والقرآن يخبرنا أن فرعون واجه (حجة) موسى بالتهديد بالسجن فقال:quot;لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونينquot;.
والسجن له (فلسفة) و(وظيفة) و(يمكن كسره) بتفجيره من الداخل فلا يمكن اعتقال ربع الأمة أو عشرها من أجل (الرأي) ولكن بيننا وبين هذا الفهم مسافة سنة ضوئية ونرى حل المشاكل بقتل الحاكم وهو يرى نقعنا في السجن مثل المخلل؟
فأما (فلسفته) فهي نشر الرعب، والسجن ليس المقصود منه الأفراد بل من حولهم فيسجن كل المجتمع بالرعب. الفرد مطوق بقضبان من حديد والأمة بقضبان من الرعب وعيون المخابرات التي تحصي دبيب كل نملة وطنين كل نحلة ولا تأخذها سنة ولا نوم.
وأفظع ما في الأنظمة الشمولية مثقفو السلطة المتأهبين لطلي مساحيق التجميل لوحش برزت أسنانه وطالت مخالبه وجحظت مقلتيه كأنه رؤوس الشياطين.
وعندما يعتقل مواطن دخل على الإنترنت فقرأ مقالتين ونصف، وأرسلها إلى شخصين ونصف، فيحكم سجن سنتين ونصف، يقضي منها ثمانين يوما في أقبية تذكر بجحيم دانتي فكاد أن يموت ؟ فهو إيعاز لكل إنسان في المنطقة أنه سيصيبك ما أصابه؛ فيجب أن لا يدخل مواطن عصر المعلومات إلا من ثقب أمني على القياس، يتسع لدماغ نملة أو قملة أو برغوث؟.
ومن عاش في ظل النظام العربي فيجب أن يفتح كتب النبات فيحفظ (وظائف النبات) جيدا فهذا أسلم للعاقبة؛ فالنبات يتنفس ويتكاثر ويمكن للمواطن العربي أن يخلف بشرا يعبدون الجبت والطاغوت: الطاغوت الذي يغتال الحرية بالقوة، والجبت اغتيال العقل بالوهم.
الأول ينفذه الطاغية مع رجال المخابرات والحرس الجمهوري.
والثاني رجل الدين وواعظ السلطان.
وكلاً من الجبت والطاغوت متفاهمان متعاونان، وفي التاريخ كان فرعون وسيد الكهنة يخرجان على جمهور مخدر فيوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا أن فرعون من نسل الإله فيخر الشعب له ساجدين. وفي يوم كان محمد إقبال يقول: يا رب إن هذا الكون الذي خلقته لم يعجبني فكان الجواب اهدمه وابن أفضل منه.
(مثقف السلطة) يؤكد أن الاعتقالات مؤشر صحة للأمة، كما صرح بذلك الرفيق النعسان، لأنه دليل المقاومة؛ فلولا العافية في الأمة والاعتراض لما كان هناك سجون واعتقالات؟
وهذا يفيد أن كندا عقيمة سياسيا، لأنه لا يوجد سجون ومعتقلو رأي.
وهذا المثل يذكر بنكتة المجنون الذي سئل عن الجسر لماذا صنع فأجاب: من أجل أن يمر النهر من تحته؟
ومناقشة مثقفو السلطة عقيمة، ويذكر بالحوار الذي جرى بين المجرم الصربي (رادوفان كاراديتش) ومراسل مجلة (الشبيجل) الألمانية ـ الذي ضبطته العدالة الأرضية مختفيا بلحية ساحر ومهنة طبيب للكآبة؟ ـ فعندما سألوه عن اغتصاب خمسين ألف امرأة على يد الصرب قال: من فعلها هم المسلمون؟
قالوا: فما بال القبور الجماعية؟
قال: هي جثث الصرب؟
وهو يعرف أن الجثث لا تتكلم؟
وفي معركة صفين ارتج معسكر معاوية بخبر مقتل عمار لوجود حديث يفيد أن عمار تقتله الفئة الباغية؛ فأنهى معاوية الجدل بسرعة، وقال: من قتله هو من أخرجه للقتل؟
ورياض الترك الذي خرج من مدفنه بعد دفن الطاغية، يرى أن النظام الشمولي الذي اشرف على بنائه مجرمون محترفون؛ quot;نظام غير قابل للإصلاحquot;؟!.
وأن ما يحكم النظام الشمولي quot;توازن الضعفquot; فالحكومة ضعيفة عاجزة. والمعارضة مفككة. وكل تغيير وزاري هو (تقليع) موظف انتفخت جيوبه بالرشوة، إلى موظف جديد فارغ الجيب.
وأن النظام الشمولي ظاهره الرحمة وباطنه العذاب. فهو يلعن أمريكا جهرا بقدر ما يتعاون معها سرا...
والشعب ينتظر الخلاص بالدعاء واللعنات، مثل من يريد إطفاء حريق بانتظار سحابة صيف عابرة..
والمهم أن تبقى العصابة في الحكم بأي ثمن ولأطول فترة.
خرج جحا يوما على الناس بالسواد قالوا له خيرا من مات؟
قال: البارحة مات والد ابني تقبل الله عزاءكم؟
هل يقفز العصيان المدني إلى سوريا
(دراسة في أبجديات الديكتاتورية)
(طلاس) وزير الدفاع السوري الأسبق مصاب بأرق هذه الأيام، وفي المقابلة التي أجرتها معه (سوزانه كوليبل Susanne Koelble) من مجلة المرآة الألمانية (در شبيجل عدد 8\ 2005م ص 112 ـ 114) روى لها أنه يتعرض لنوبات شنيعة من الكوابيس. وحينما يقارن المرء بين (كوريا) و(سوريا) فليس هناك في الواقع أكثر من تغيير حرف.
ويعترف الرفيق (طلاس) للصحيفة الألمانية أنه quot;لا يتذكر تماماً عدد (التواقيع) على أحكام الإعدامات التي كانت تنفذ في الثمانينيات؟ قال الرفيق (طلاس) قد تكون آلافاً مؤلفة، وعدد المشنوقين بلغ ربما 150 شخصاً في الأسبوع الواحد وفي دمشق لوحدها؟
كان الجنرال يتحدث بصوت خفيض مع ضحكة ساخرة ويعقب: كما ترين أن ما حدث كان أمرا لا بد منه. فحافظنا على استقرار البلد فلم يعاني من انقلاب لفترة 34 سنة؟ ثم يلتفت إلى الصحفية وهو يروي لها (أبجديات الدكتاتورية) على حد تعبير الصحفيةquot; لقد وصلنا إلى السلطة بقوة السلاح ومن أراد انتزاعها منا عليه أن يجرب حظه بقوة السلاحquot; وquot;من أراد أن يحكم فعليه إدخال الرعب إلى قلوب الناس؟quot;.
ومن الجدير ذكره أن (طارق عزيز) العراقي قال نفس الجملة قبل أن تعصف به ضربات (الصدمة) و(الدهشة). فيصبح سلفا ومثلاً للآخرين.
إن هذا التقرير الذي أوردته المجلة الألمانية، وإظهاره إلى السطح هذه الأيام يوحي (بشيء) في الظروف التي تمر بها المنطقة فهي تمور، بعد انفجار العصيان المدني في تونس ومصر والحبل على الجرار باتجاه الرفاق؟
ومن يقرأه يصاب بمزيج من الدهشة والحزن، يرويها رجل دلف إلى الشيخوخة وهن منه العظم، واشتعل الرأس شيبا، بكلمات باردة، في ممارسة فظاعات، لا مبرر لها سوى الاحتفاظ بسلطة زائلة، ولكنه يصلح نموذجاً لدراسة أثر المناخ الثقافي في خلق مزاج الإجرام، وطلاس هو في صدر كل واحد منا ينتظر فقط فرصة الانقضاض.
تقول (سوزانه كوليبل) كان الرجل جالساً على كنبة مريحة وخلفه لوحتان بأقلام طباشيرية لروضة جميلة اشتراها من مزاد علني في بريطانيا، وكانت للفنان (أدولف هتلر)؟ ومن تصدرت مجلسه لوحات النازية دليلا وهادياً كانت أفكار النازية قدوته، وهتلر وضح طريقة معاملة خصومه في كتابه (كفاحي) على نحو واضح:
(البتر الكامل).
تقول الصحفية الألمانية: إنه خلال العقود الأربعة الفائتة تم سحق كل معارضة فأصبحوا بين مشرد ومسجون ومقتول.
وحينما سئل الجنرال الذي ملك وزارة الدفاع 32 سنة وتقاعد محملا بالذنوب والآثام والخطايا العظام؟ عن السماح للمعارضة كان جوابه:
هكذا بدأنا نحن الأمر من قبل، وهكذا تبدأ الأشياء، ويجب أن تقمع كل معارضة في مهدها ومنذ البداية، والعلاج الوحيد هو (البتر Amputation)؟
وحين سألته عن الحرية الموعودة التفت (طلاس) إليها وقال ؟ quot;لا تصدقي السياسيين ، فكلهم كذابون، ويجب أن يكونوا كذابين، ولو لم يكونوا كذلك ما بقي أحدهم منهم في السلطةquot;
قالت له الصحفية الألمانية: كيف تصف زميل الدراسة (رياض الترك) ـ وكان الاثنان في مدرسة الهاشمية في حمص ـ قال: كان ناشف الرأس عنيدا شيوعياً متعصباً ولكن اعترف أن الرجل كان مستقيماquot; وحينما سألت الصحفية (رياض الترك) بالعكس عن رأيه في الجنرال (طلاس) كان جوابه: quot;كان منذ تلك الأيام يحب أن يكون الزعيم دوما في المظاهرات وكل ما سعى إليه وحققه كان من خلال القمع والقوةquot;
والتاريخ يروي أن كلاهما وصل لما يريد، فأما(رياض الترك) فيعيش في شقة متواضعة ومن من أراد الزعامة والمنصب فقد وصل إلى هدفه، فسكن فيلا فخمة، تتدلى من سقوفها ثريات الكريستال، يتناثر على أرضها أفخم السجاد العجمي زرابي مبثوثة، ومعارج عليها يظهرون، ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا، وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين. ومن يعش عن ذك الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين.
وكل هذا المتاع من عرض الحياة الدنيا بناه من خلال قتل الناس فشارك في مسح نصف مدينة حماة وموجات الاعتقال الضارية لليساريين. أما رياض الترك (العنيد) فقد آثر أن ينام في قبو بارد في زنزانة مظلمة في فرع أمني لمدة 17 سنة لم ير فيها الضوء.
كل ذلك من أجل (الكلمة)؟!.
قالت الصحفية الألمانية لطلاس بحسرة:
ولكن ما ذنب زميل دراستك حتى يعاقب بهذا الشكل؟ قال: كانت تعليمات الرئيس الشخصية هكذا؟
ثم رفع الجنرال يديه إلى السماء بشيء من الحيرة فقال: كان يكفيه أن يكتب رسالة اعتذار إلى الرئيس القائد فيطلق سراحه؟
وهو ما لم يفعله رياض الترك (العنيد)؟
قالت الصحفية للجنرال: وما ذا تقول في الإصلاحات؟
قال: حسنا ولكن يجب أن تتم بحذر زائد وبتدرج وتحت المراقبة وبيد الناس الذين يسيطرون على البلد؟
وتعقب الصحفية الألمانية في تقريرها: أن من جملة من يملك البلد (رامي مخلوف) وهو من العائلة المالكة الذي أصبح إمبراطور (التلفون الجوال) أو أولاد عبد الحليم خدام الذين أصبحوا مع أولاد الجنرال يملكون مفاتيح المال والسياسة.
إنها قراءة متعمقة في أبجديات الديكتاتورية وبتعبير الصحفية الألمانية (سوزانه كليبول) (جدول ضرب الديكتاتورية Diktatur Einmaleins der ) تقول الصحفية: وإذا سحقت المعارضة سحقاً فكانت هباء منبثاً فهل الضغط الخارجي هو السبيل الوحيد لتغيير الأوضاع بعد أن لم يبق معارضة ومعارضون؟
إن أوضاعاً من هذا النوع تخلق إنساناً مريضا يثير الشفقة من نموذج الجنرال (طلاس) الذي يتأسف على أصدقاء الطفولة وقد أمسى مصيرهم خلف القضبان، أو على حبل المشنقة، أو جثثا افترسهم المرض والسرطان في أقبية المخابرات، فلا يعرف النوم وأرواح الموتى من عالم أنوبيس السفلي تصعد عليه كل ليلة تريد خنقه في فراشه صارخة بأي ذنب قتلت؟
والرجل حاول إصلاح خطئه مع الترك فأرسل له بعد أن أفرج عنه جبلا من الحلويات مع التحيات القلبية، ولكن الترك رفض الاثنين. وقال الرسول للترك أن طلاس يقول لك إنني أحبك فكان جواب رياض الترك quot;قولوا له إنني احتقرهquot;.
الأنظمة تموت وسبحان الحي الذي لا يموت، وتوينبي حينما حاول تفسير سرعة انسياح الإسلام في الشرق الأوسط في القرن السابع للميلاد، يعزيها إلى حطام الإمبراطوريات التي تقاتلت وتفانت فلم يبق أمام القوة الإسلامية الوليدة سوى كنس مخلفات هذه الأنقاض، والله أعلم حيث يجعل رسالته زمانا ومكانا. وجثة سليمان شبعت موتا ولكن ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين.
والأنظمة لها (عمر) فإذا جاء أجلهم فلا يتأخرون ساعة ولا يستقدمون، وحسب (ابن خلدون) فإن عمر الدول ثلاث أجيال وكان يمكن أن يعمر الاتحاد السوفيتي حتى اليوم لولا غلطة جورباتشوف ؛ فالأنظمة الشمولية مثل البالون (ينفس) كله بوخزة أبرة، وحين يأتي الأجل فتستمر الدولة فلعدم وجود الطالب أكثر من طاقة الحيوية، و(شبنجلر) اعتبر أن روما ماتت في معركة زاما مع دفن قرطاجنة، فمات القاتل والمقتول كحضارة، واستمرت روما كمجرم. والحضارة الفرعونية ماتت في نصف طريقها حين تحول التحدي من الطبيعة إلى النفس فسقطت مع تحدي موسى. وحزب البعث مات منذ وصوله إلى الحكم ومن بقي فهي مافيات ومخابرات.
بكلمة مختصرة بثلاث كلمات: أسد وعصابة وغابة؟
هل يمكن أن ينتقل العصيان المدني إلى سوريا فتحتشد الجماهير في ساحة المرجة بدون تخريب وتكسير ودماء وعلى نحو سلمي فيسقطوا الحكومة ويطالبوا بتفكيك جهاز الرعب وقطع أطراف تنين الأجهزة الأمنية؟
يبدو أن الأنظمة الثورية في البلاد العربية أنها شاخت وماتت، وquot;عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون؟quot;
وحينما ينجح التوانسة والمصريون بهذه السهولة فلاجتماع أمور: التخمر الداخلي وتشيخ النظام ونضج الشعوب وانتقال نموذج أوكرانيا وصربيا وجورجيا إلى العربان من خلال الانفوميديا المتطورة، ولو تدخلت المخابرات السورية فحصدت الناس بالرصاص إذا لانتقلت أخبارهم بطير أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل؟؟
وما حدث في تونس ومصر زلزال قذف باللافا ولن يبق الزلزال بدون شقوق وحمم؟ فهي نسمات ربيع جديد على الشرق الأوسط..
ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا يدوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا.
يبدو أن وضع العالم العربي نضج بما فيه الكفاية، أو هكذا يخيل لنا فقد نكون حالمين، فالقذافي يترنح ويبحث من جديد في قرآنه الأخضر عن آخر حلول مشاكل الجنس البشري؟
وبوتفليقة الجزائري يرفع يديه إيذانا بإنهاء الطوارئ وهو ومن معه لعنة الطوارئ.
وملك اليمن يشمر عن ساقيه للسجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم من الذل وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون؟
وفي البحرين يقتلون الناس فيخرج أضعاف أضعافهم ليس للإصلاح بل إنهاء عصر الملكية مذكرين بالثورة الفرنسية وروبسبير؟
ورفاق البعث لا ينامون وأيديهم على الزناد تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت رعبا وهلعا فهم في حيرتهم مبلسين، وترتفع لافتة في دمشق تقول جاك الدور يا دكتور؟
وضربة كف لشاب في الحريقة في دمشق دفعت الجموع إلى التراكم والاحتشاد وهي تهتف حرامية حرامية؟
مع ذلك يمكن للرفاق الثوريين من جديد أن يلبسوا عباءة القديسين، ويحجوا لواشنطن بدل موسكو، فهي تغيير كلمة بكلمة، كما قلنا أن الفرق بين كوريا وسوريا حرف واحد، والمهم الديمومة على الكراسي فهذه هي (الديموكراسي) الديمقراطية؟؟؟؟؟