مع كل حدث تثبت لنا سوريا quot;البعثquot; أنها بحاجة إلى دروس تقوية في فهم متطلبات التعاطي مع السياسة بمتغيراتها المتوالية، تتغير الأحداث وموزاين القوى والتحالفات والمصالح وسياسة حزب البعث في سوريا ثابته لاتتغير، تتغير خارطة العالم الجيوسياسية وتسقط محاور وتندمج معسكرات وسياسة حزب البعث في سوريا ثابته لاتتغير، تسقط نظريات سياسية وأقتصادية وتنشأ نظريات أخرى وسياسة حزب البعث في سوريا ثابتة لاتتغير. سياسة تقوم على أن كل أدوات الدولة من الرئيس إلى الشبيح وما بينهما من تشريعات وقوانين ومؤسسات بالأمكان صناعتها في غرف المخابرات، فالرئيس وعرش الرئيس وحتى لقب عائلة الرئيس تصنعه المخابرات، أمن المجتمع والدولة تصنعه المخابرات، ثقافة المجتمع والدولة تصنعها المخابرات، عقيدة الجيش والأمن تصنعها المخابرات، توجهات مؤسسات الدولة الأقتصادية والمالية تصنعها المخابرات، مقررات التعليم ومناهجها تقرها المخابرات، علاقات سوريا الدولية والأقليمية تحكمها المخابرات، تنصيب المراجع الدينية والروحانية يتم في غرف المخابرات، صناعة الأدب والفنون تصنعها المخابرات، تاريخ الدولة القديم والحديث تعيد صياغته المخابرات، تصاريح البناء والمشاريع التنموية تعطيها المخابرات بل حتى أن تصاريح النوادي الليلية تصدرعن المخابرات وبعض النوادي الليلية يملكها ضباط المخابرات، بمعنى أوضح أن الدولة بمؤسساتها العسكرية والثقافية والأجتماعية والأقتصادية والتعليمية والصحية أنصهرت أو صُهرت في مؤسسة واحدة هي المخابرات. تعاطي دولة البعث مع أحداث الثورة الحالية بكل مفاهيمها الأمنية والأعلامية يقوم على أبجديات مثل quot;معلمquot; و quot;عنصرquot; و quot;مخبرquot; و quot;رفيقquot; و quot;زٌلمquot; و quot;شبيحةquot;. وهذه المفاهيم التي ترتكز عليها الدولة هي التي لن تسمح بأي أصلاح للنظام في سوريا، فالأصلاح معناه شيء واحد فقط هو سقوط القبضة المخابراتية والتي ستؤدي حكماً إلى سقوط النظام الذي بناه الأب المحنك ركن ركن، باب باب، عتله عتله، رف رف، مخبر مخبر، جامع جامع، هسام هسام، على الرغم مع أن هذا النظام قد سقط فكراً مع سقوط أول تماثيل الرئيس الأب في درعا. بالأمس فقط قرر البعث quot;بعثquot; قضية الجولان من مرقدها بعد هدوء لم تعكر صفوه الالعاب النارية، وقد أستنتج أن أتخاذ القرارعلى عجل تم في أضيق غرف quot;الفرعquot; على أعتبار أن المعطيات تشير إلى أن دراسة أبعاد القرار لم تتعدى مساحة فكرية ضيقة جداً، وهذه المرة لم يمهد للقرار أو الرسالة كالعادة عن طريق quot;الزُلمquot; الأعلامية في فرع بيروت فالحدث جدي ويحتاج إلى ماهو أكبر من أدوات التهريج والشتائم، لهذا جاء خطاب التكليف المختوم كالتالي: (من بيت خالتي إلى ولد الخال لأبلاغ الرسالة مع التحية والبوسطجي يكون النيويورك تايمز الأمريكية). وبلا شك فجميع السوريون يعون جيداً ماذا يعني بيت خالتي ويعرفون جيداً منهو ولد الخال، وطبعاً هذه المرة وفي كل مرة وفي كل تحرك مخباراتي سوري لتصدير الأزمات أو تصفية الحسابات أو شراء الوقت يكون العنصر الفلسطيني هو الوقود وحطب الجحيم فمن أبوعدس إلى أحداث هضبة الجولان الأخيرة مروراً بنهر البارد وأنقلاب حماس وأحداث درعا وحتى أحداث جنوب لبنان العنصر الفلسطيني هو ورقة جوكر اللعبة. قرار تحريك جبهة الجولان لم يكن عبر بقايا الدبابات والمدفعية التي خرجت منها قبل أربعين عام والتي دكت درعا وبانياس وتلكلخ بل تم تنفيذه بواسطة صدور فلسطينية عارية أثقلتها أحلام العودة وخذلتها طاولات قمار الممانعة. هذا القرار يذكرنا بقصف صدام حسين لأسرائيل أبان حرب تحرير الكويت بأسم تحرير فلسطين في محاولة يائسة وقتها للهروب إلى الأمام ولتصدير كارثة حرب أوقعه فيها فكر غرف المخابرات فكان أن أنعكس تدبيره عليه تدميراً فالدول التي عول آنذاك عليها والتي كانت تتمنع من أدانته الصريحة لحساباتها الخاصة في الحرب الباردة سرعان ما تخلت عنه تحت ضغوط شعبيه وأعلامية وانفض من حولة الحلفاء والأعوان وحتى الأبواق في عمان وصنعاء والقاهرة، الأن النظام السوري وبنفس السيناريو يكرر نفس الخطأ في أستدرار العواطف القومية التي لم تخذل يوماً عدواً ولم تنصر ولياً، إلا أن المؤكد أن النظام السوري أراد من كل ذلك أياصل رسالة بأستعداده وضع المفاوضات السرية مع أسرائيل علانيةً على الطاولة ومباشرة بعد تخلي الوسيط التركي وسقوط ورقة حماس وتعثر تشكيل حكومة لبنان العتيدة وأنشغال ولي أيران في أجراءات الحجرعلى أحمدي نجاد وعلى أن تكون المفاوضات العلنية مفضية إلى صفقة مقايضة رأس البعث برأس الجولان وبيع أربعون عاماً أخرى من الهدوء على الحدود الشمالية.

الرياض