من غرائب الامور في كردستان العراق، الهجمة الاستثمارية الهائلة التي نزلت على الاقليم من شتى الاتجاهات والاطراف الكردية والعراقية والاقليمية والدولية، وبدون اي رقابة برلمانية أومتابعة حكومية أو مراقبة رئاسية، واستثمارات الأراضي والعقارات صارت من المجالات الرئيسية للثراء الفاحش السريع بعيدا عن أية مشروعية وتحولت الى احد الأركان الرئيسية للفساد المالي والحكومي والحزبي والتجاري والاقتصادي المتفشي في الاقليم، وبسبب كثرة التلاعبات الحاصلة في هذا القطاع من قبل المسؤولين والمقربين منهم وتفجر براكين دهاليزه دفع برئيس الاقليم الى التدخل المباشر للتحقيق فيها.

وبسبب الفساد والجمع بين السلطة والثروة بأساليب غير شرعية ظهرت وجوه غير مالوفة على الساحة الكردستانية من الاغنياء الفاحشين والمارقين بلمحة البصر وتكومت لديهم مئات الملايين من الدولارات لديهم بقدرة قادر ويقال لدى البعض منهم مليارات من العملة الامريكية، وهؤلاء القوم يقومون بممارسات غريبة وغير مألوفة في المجتمع من مظاهر الترف وحياة من الرفاهية الخيالية التي لا يمكن تخيلها حتى في قصص وحكايات الملوك والامبراطوريات والدكتاتوريات التي سادت مماليك الشرق وامبراطوريات الغرب.

والغريب ان البعض من هؤلاء ممن ظهر على الساحة بسرعة البرق يتصرف كأنه رئيس لدولة داخل دولة، تحيط به حاشية من المستشارين وبطانة من المسؤولين والتابعين والخدم والحشم والحماية، ويخاطب حسب رغبة كل منهم من قبل حاشيته بالمعالي أوصاحب السعادة أوالمفدى وكأن الاقليم تحكم فيه ملوكا ورؤساء غير الرئيس البرزاني.

والأكثر استغرابا، صار البعض منهم يكرم وكأنه رئيس دولة، وقبل فترة كرم امبراطور تجاري بوشاح وسيف عربي وصور كأنه رئيس مكرم بطوله وفخامته وسعادته، ولتركيز الهالة عليه يقوم بين فترة واخرى بتوزيع الهبات والمنح والمكرمات على هذا وذاك فاتحا شبكة باسم الاعمال الخيرية لتوزيع الأموال والمستلزمات هنا وهناك مع متابعة اعلامية مصورة لكل خطوة يقوم بها، وكأنه ملك أو امبراطور في اقليم ما زال محروم عليه ان يدخل رئيسه في أروقة الامم المتحدة كرئيس لفيدرالية كردستان.

وكما هو الواقع في بغداد التي تحتضن دويلات عديدة ومتنوعة بألوانها وأعلامها وأصنافها وبرؤسائها وحاشياتها وبطاناتها داخل الدولة العراقية الهشة، فان الواقع نفسه تجده في كردستان بوجود دول ومماليك وامبراطوريات موزعة من قبل هذا وذاك، بعضها تعود للاحزاب والمسؤولين والعوائل الحاكمة وبعضها تعود لتجار فاسدين وأصحاب اموال مارقين وبفسحة مطلقة من الحرية والامتيازات واسباب الرفاهية المفرطة قد لا نجد مثيل لها في عواصم الدول الاوربية.

والمشكلة ان مراجع الاموال لهؤلاء الحفنة لا تنطبق عليها معايير الشفافية الدولية مطلقا لأنها غير معروفة مصادرها بتاتا، ولا تتوفر معلومات رسمية عنها، و اغلب التقارير الاعلامية تشير الى انها آتية من نهب وسرقة أموال وميزانية وممتلكات الدولة، والبعض يشير الى وجود شبكة من المسؤولين والمتنفذين تقوم بغسيل لاموال مستحصلة بطرق غير مشروعة في الخارج وبمبالغ خيالية تأتي من الخارج وتدحل الى العراق واقليم كردستان باسم الاستثمار بعد الاتفاق مع أصحاب السلطة على أساس الشراكة او ضمان حصة معتبرة لهم.

المهم ان الواقع السائد في اقليم كردستان المتسم بفساد غير محدود على الاطلاق كما هو الحال في بغداد، صنع اشباها للرؤساء والملوك بدرجة الرئيس أوالامبراطور أو الملك المفدى أو الحاكم المطلق، وكأن الارض التي يقفون عليها ضيعة لهم، وان الناس صاروا عبيدا واسيرا لهم، وكأن واقع الحال يقول قد فرضت العبودية من جديد لاذلال الناس في أرض كردستان الطيبة التي لم يقدر النظام البائد على اذلال شعبها بكل ما أوتي من جبروت وقوة ومال واستبداد، بينما اليوم نجد البعض من ابنائها يذل من قبل حفنة فاسدة من الاغنياء والاثرياء المارقين الذين ملأوا الاقليم العزيز على الكرد والعراقيين بفسادهم وجشعهم وسطوتهم وبأساليب لا يعمل بها حتى الشيطان الرجيم.

وهنا لابد من القول، اذا استمر الحال على ما هو عليه، فلا مناص من الاقرار بوجود حفنة من الرؤساء والملوك المارقين يتربعون على عروش من الامبراطوريات المالية والتجارية والاقتصادية والعقارية في الاقليم، والتي لا يدري بها الشعب الكردستاني من أين أتت ومن أين جاءت ومن أين جمعت ومن أين كسبت ومن أين هطلت أموال خزائنها على أصحابها، حفنة لا تخاف الله ولا تأبه لروح الانسان، ومماليكهم وافعالهم وممارساتهم وتجارتهم بنيت من فساد، وهم يتحكمون بكل صغيرة وكبيرة، ويمتلكون اغلب مقتدرات الاقليم، ولهم كل الحرية في التصرف أمام انظار الرئاسة والحكومة والبرلمان، وما كشف عن بعض جوانب الفساد في قطاع استثمار الأراضي والعقارات في الفترة الاخيرة ما هو الا نقطة من بحر غُرِقَ بها الاقليم، والانسان الكردي البسيط يدري حق المعرفة ان ما خفي كان أعظم، ويدرك تمام الادراك ان من له اليد الطولى في كردستان ليس برئيس واحد وانما عدد من الرؤساء والملوك من الاثرياء والاغنياء الفاسدين.

كاتب صحفي - بغداد
[email protected]