(1)

تعرفت على صديقي quot;مرقص عبد المسيحquot; مِن حوالي سبع سنوات مَضت. كان وقت أن تعرفت عليه متزوج قبلها بعام. صديقي مرقص وُلِدَ في عائلة مصرية مسيحية تقليدية في صعيد مصر، تَربى وترعرع في أحضان الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، وبحُكم تعاليم مدارس الأحد في بلدته الريفية ولأن أغلبية المسيحيين الأرثوذكس أكثر مِن المسيحيين البروتستانت في بلدته وهو طفل صغير، كان يَكره هؤلاء البروتستانت ويَضربهم بالطوب، ظناً منه أن هذه الكائنات ثعالب خاطفة للرعية الأرثوذكسية كما كانوا يُعلمونه ذلك وهو طفل: أن العقيدة القويمة هي في الكنيسة الأم الصحيحة الأرثوذكسية التي تَسلمت التعاليم مِن مرقس رسول السيد المسيح شخصياً ومِن تسليم الآباء يَداً بيد، مِن جيل إلى جيل حتى وصلنا إلى الوقت الحالي.

واصل صديقي تربيته المسيحية الأرثوذكسية وكرهه وغضبه على المسيحيين البروتستانت في قريته الكبيرة، حتى هاجر إلى إحدى المحافظات الساحلية الكبيرة بحكم عمل والده، وهناك أكمل تعليمه العالي وما بعد العالي في إحدى مجالات الطب. لم ينس صديقي شقاوة الطفولة والتعاليم التي غُرست أن المسيحيين البروتستانت في مصر جاءوا غُزاة مِن الغرب كما كان يقول له كثير مِن مدرسي quot;مدارس الأحدquot;، وبعض الكهنة والقساوسة في الصِغر. لكنه الآن وقد أصبح يَدرس للحصول على شهادة الدكتوراه في مجال طبي متفرد، فهو لم يَعد ذلك quot;الخروفquot; أو quot;الحمل الصغيرquot; الذي يُمكن أن تخطفه quot;الثعالب البروتستانتية.

ذهب إليهم مِن باب حب الإستطلاع ومعرفة الآخر، وربما بعقلية التعلم أو مجادلة المختلف عن رأيه الأرثوذكسي القويم، كلها إفتراضات وضعها لنفسه ووضعها القساوسة البروتستانت في الكنائس التي استقبلت زياراته المتكررة في أكثر مِن كنيسة بروتستانتية في هذه المحافظة الساحلية.

(2)

لكن ما الحقيقة مِن وراء زيارات صديقي quot;مرقصquot; المسيحي الأرثوذكسي المتدين إلى الكنائس المسيحية البروتستانتية؟

الحقيقة، إن صديقي مرقص الذي تعرفت عليه مِن سبع سنوات ولم يكن قد مضى عليه إلا عام واحد من الزواج وصلت علاقته بينه وبين زوجته مِن تنافر سلوكي ومعيشي وعدم قبول ومشاحنات في علاقتهم الخاصة في غرفة النوم إلى طريق مسدود.

كان صديقي شخصاً متديناً، كانت زوجته إنسانة رائعة ومتدينة. لم يكن ينقصهما مِن أسباب الحياة السعيدة إلا أن ينسجما معاً في غرفة النوم في ممارسة لعلاقة خاصة سامية إنسانية ذات أبعاد جسدية وإجتماعية وروحية. علاقة خاصة يتناغم فيها الطرفان يستمتعان معاً يطيران معاً مُحلقين في أفاق الجسد الواحد في جسمين منفصلين متصلين يُرفرف عليهما طائر الحب يُغلف تماسكهما وترابطهما شريط وردي مِن السعادة والسرور الإنساني الواحد الذي يبتغيه كل رجل طبيعي وكل إمرأة طبيعية مِن علاقة الزواج.

ذهب صديقي المسيحي الأرثوذكسي المتدين إلى كنائس مسيحية بروتستانتية كثيرة في المحافظة الساحلية بحثاً عن quot;شهادة عضويةquot; مِن إحدى هذه الكنائس البروتستانتية لكي يقدمها في المحكمة مِن أجل رفع قضية طلاق لأن العِشرة بين زوجته وبينه وصلت لمرحلة قاسية مِن النفور وعدم المَقدرة على أن يعيشا معاً. كان الحل الأصعب هو أن يحصل على quot;شهادة عضويةquot; في إحدى الكنائس البروتستانتية، وبالتالي بِناء على تغيير quot;ملتهquot; يستطيع أن يحصل على الطلاق مِن المحكمة. يمكن أن تقول إنها صورة مِن التحايل على حالة التدين أو العلاقة الجماعية في الارتباط بين الكنيسة والشعب، لكن لم يكن أمام صديقي أي مدخل متاح آخر في ظل تعنت الإجراءات القانونية في المحكمة أمام طلاق المسيحيين المصريين.

بعد سنوات مِن البحث والدوران على كثير مِن الكنائس المسيحية البروتستانتية، ومِن قسيس إلى آخر، ومِن مشير بروتستانتي إلى آخر، ومِن قسيس هنا إلى قسيس في كنيسة أخرى، ذهب إلى عشرات القساوسة البروتستانت، كل واحد منهم يسأل ويستمع إلى قصة صديقي مِن البداية وقبل البداية، ويتحدث صديقي ويواجه الأسئلة الحساسة مع هذا وذاك، ويعيد نفس القصص المريرة في علاقته مع زوجته، إلى أن يصل إلى الطلب الأهم وهو أنه يريد أن يكون عضوا في هذه الكنيسة أو تلك مِن أجل الحصول على quot;شهادة عضويةquot; لتقديمها في المحكمة. قصة مريرة أن تُكرر طلبك في حق إنساني في أن تعيش مثل بقية البشر الطبيعيين الذين يعيشون الحياة الطبيعية زوج وزجة يجتمعا معاً ليحققا سعادتهما الإنسانية الخاصة.

ولكن هيهات، مِن خديعة إلى أخرى. هذا أحدهم يخدعه، بأن يطلب منه أن يستمر أكثر مِن سنة في التردد المتواصل على الكنيسة لكي يختبروا إيمانه، وعليه أن يحضر الإجتماعات العامة يوم الأحد مساء والإجتماعات الخاصة بالتسبيح والأسرة ودراسة الكتاب المقدس، على الأقل ثلاثة أو أربعة إجتماعات كل أسبوع. ويا للأسف تتأجل quot;حفلة العضويةquot; في إحدى السنين، ويتم الإعتذار له في سنة أخرى. وصديقي يَعيش على الوهم، أو على الأمل الخادع في quot;شهادة عضويةquot; كنسية لكي يعيش حياته. لكي يمارس إنسانيته، التي كاد أن ينساها.

يتنقل صديقي مِن كنيسة بروتستانتية إلى كنيسة بروتستانتية أخرى على أمل الحصول على الحلم الغائب، أو الطائر، أو المتعلق في سحابة quot;شهادة العضويةquot;، ولكن هيهات مِن quot;خدعةquot; إلى quot;تأجيلquot; إلى quot;وهمquot;، وإتفق أغلب القساوسة المسيحيين البروتستانت أن السيد المسيح يُحبه، وأن السماء تَهتم به وأمنياتهم بحياة سعيدة له ومستقبل مُشرق. بجانب بعض مِن الأدعية الخاصة والصلوات الحارة أن ينعم الله عليه بحل سماوي ينهي عذابه الإنساني، ويُرجع له حقه الإنساني في أن يعيش حياة طبيعية.

(3)

للأسف، بعد سنوات مِن البحث والبحث المرير والدوران على كثير مِن الكنائس البروتستانتية في هذه المحافظة الساحلية، إضطر صديقي أن يَهرب مِن أسرة زوجته ومِن نظرات المحيطين به ومِن زوجته وعلاقتهما معا، ونفورهما وصراعاتهم المتواصلة. هرب صديقي إلى العاصمة الواسعة الكبيرة التي لا يَدري الجار مَن يسكن بجانبه.

ولم يريد أن يكرر صديقي تجاربه المريرة والأليمة في الدوران والبحث المضني عن كنيسة بروتستانتية لكي تعطيه quot;شهادة عضويةquot;، لأنه سمع كثيراً عن المبالغ الضخمة لمَن يُتاجر بمثل هذه الشهادات، وأحيانا كثيرة تكون هذه الشهادات مزورة، أو مزيفة. يريد صديقي أن يعيش إنسانيته. لكن للأسف. لا يستطيع أن يرتبط بشكل رسمي لأنه مازال مرتبطا.

وهنا كانت الفكرة الجديدة هي أن يذهب إلى مشيخة الأزهر الشريف ويقدم طلبا ليعلن فيه أنه يريد أن يصبح مسلماً. قال لي صديقي إنه في داخله لا يريد أن يترك السيد المسيح، لايريد أن يُنكر العقيدة المسيحية، هو فقط بعد هذا البحث المرير بين المجلس الإكليريكي وبين الدوران على الكنائس البروتستانتية دون أن يقدموا له حلاً إنسانياً يريحه أو يقدموا له كوباً مِن الماء في صحراء هذه العلاقة الزوجية الحارقة، كل الأطراف قدمت له سراباً مِن الماء، ويضيع العمر يا ولدي.

صديقي قدم لي فكرته، أنّ ذهابه إلى مشيخة الأزهر الشريف ما هي إلا خطوة قوية في سبيل طلب ورقة لإنهاء صراعاته، هي ورقة روتينية لإعادة إنسانيته التي سُلبت منه. عقيدته وإيمانه ومسيحيته ستظل في قلبه، سيزداد إيماناً بأن السيد المسيح لم يأت ليطبق قوانين وشرائع تحافظ على الوصايا على حساب إنسانية الإنسان.

صديقي لا يزال يفكر: سيذهب إلى مشيخة الأزهر الشريف وهو متمسك بأن السيد المسيح لم يأت بشريعة تذبح إنسانية الإنسان، لكنه أتى بروح التضحية، أتى السيد المسيح بثورة لكي يعيد الحياة الأفضل للإنسان الذي ذبحه كهنة اليهود قديما بشرائع ووصايا جافة.

جاء السيد المسيح، ليُعلن مَن منكم بلا خطيئة فليرم الخاطئ بأول حجر ويترك المعذب في زواجه بلا إنفصال أو زواج ثاني. جاء السيد المسيح ليقول: جئت لتكون لكم حياة وليكون لكم أفضل.

صديقي يفكر: هل يذهب ليعلن إسلامه و يحصل على ورقة إدارية في مشيخة الأزهر، ويحتفظ بإيمانه القلبي والعقلي بعيداً عن الأوراق والإداريات وقوانين وشرائع بعيدة عن رحمة وإنسانية الإنسان يسوع المسيح؟

من فضلكم ساعدونا.

[email protected]