قرأت تصريحا للسيد حيدر الملا فى إحدى الصحف المحلية جاء فيه (حرفيا): اعتبر النائب عن القائمة العراقية حيدر الملا أنّ quot; 90 بالمئة من أعضاء مجلس النواب فاسدونquot;.
وقال في تصريح لوكالة كل العراق[أين] ا ليوم إنّquot; هناك فساد مالي يمارسه [ 90 ] بالمئة من أعضاء مجلس النواب من خلال سرقة رواتب الحمايات المخصصة لهمquot;.

وأضاف الملا أنّquot; هذا الفساد يتمثل في سرقة رواتب الحمايات والذي من المفترض أن يكون عددهم [30] عنصراً إلا أنّه في الحقيقة لا يتواجد منهم الا خمسة أشخاص على أكثر التقادير أو في أحيان أخرى يكون هناك [30] عنصر حماية لكن الراتب يكون ليس كما هو مقرر quot;.
وبين أنّ quot;قسماً من أعضاء مجلس النواب يختزل راتب الحمايات الى النصف أو أقل من ذلك للأشخاص المعينين معه والذين لا يتجاوزون خمسة أشخاص ويسحب المبالغ المتبقية لنفسه quot;.
وأكد أنّquot; هذا العمل يعتبر وجهاً من أوجه الفساد الخطيرةquot;.

ظننت أننى أحلم، فإننى قد تعودت أن أقرأ فى كل صباح تقريبا تصريحا للملا أو غيره من العراقية لا يخلوا من تهجم على الحكومة التى تحتضن 13 وزيرا من القائمة العراقية، أما أن يفضح أحبابه فى القائمة فقد كان فوق تصوري!!.

دعونا الآن نجرى عملية حسابية سهلة : عدد أعضاء مجلس النواب العراقي حاليا هو 325 عضوا، فإن 90 بالمئة تعادل 293 عضوا فاسدا، و 10 بالمئة تعادل 32 عضوا غير فاسد بحسب تصريح الملا. علما بأن عدد النواب عن العراقية هو 90 نائبا فيكون عدد الفاسدين منهم 68 على الأقل. وانى أتساءل أي خير يرجى لبلد 90 بالمائة من أعضاء برلمانه فاسدين؟

حاول الملا اليوم أن يتقي غضب مجموعته عليه بتبرير كلامه السابق على طريقة أن فلانا من الناس ليس حراميا وإنما سارق!!. ذكرت ذلك صحيفة السومرية بعددها الصادر في (5/8/2011) وقالت: (وأوضح الملا أن quot;راتب عضو مجلس النواب بعد الاستقطاع يبلغ نحو 12 مليون دينار، إلا أن إيداع رواتب الحمايات والتي هي بحدود 22 مليون دينار تعطي انطباعا أن النائب يستلم بحدود 34 مليون دينارquot;، مبينا أن quot;كل نائب يسجل أسماء نحو30 عنصر حماية، ليتسلم كل عنصر بحدود 800 ألف دينار فيكون مجموع رواتب الحمايات 22 مليون دينار شهرياquot;.

ولفت الملا إلى أن quot;هناك العديد من الشكاوى قدمت منذ الشهر الأول لدى هيئة النزاهة بأن بعض النواب يستلم رواتب الحمايات ولا يقوم بتسليمها إلى عناصر الحمايات كاملة أو أن يسجل أن لديه 30 عنصر حماية فيما هو في الواقع ليس لديه سوى خمسة عناصر أو حتى أقلquot;.

لنحول ارقام المبالغ من الدينار العراقي الى الدولار الأمريكي (كل دولار أمريكي= 1270 دينار عراقي) فنحصل على مايلى: (الخطأ والسهو مرجوع للطرفين!!!)

راتب النائب يساوي 9400 دولار شهريا + 19000 دولار رواتب أفراد الحماية فيكون المجموع 28400 دولار وهو ما يتقاضاه النائب وحمايته، والمجموع السنوي= 340800 دولار، فيكون مجموع ما يتقاضاه ال 325 نائبا وحمايتهم فى السنة اكثر من 110 ملايين دولار سنويا. وهذا هو الراتب الاسمي ومخصصات الحماية فقط بحسب ما جاء فى تصريح الملا. وفى موضع آخر ذكر: أن قيمة الراتب الشهري والمنافع الاجتماعية لكل من أعضاء الرئاسات الثلاث تصل القيمة الى 80 مليون دينار (تساوى 63 الف دولار). فاذا كان لكل رئيس 3 نواب فيكون مجموع عدد الاعضاء 12 عضوا يستلمون شهريا 75600 دولار ويعادل 9 ملايين دولار سنويا. والمعروف أن هناك إضافات فوق الرواتب نطلق عليها فى العراق اسم (براني) وبطبيعة الحال فان غير الفاسد لا يحصل ولا يستلم هذا (البراني). واذا ما تشكل مجلس السياسات ndash;لا سمح الله- فسيكلف الخزينة 10 ملايين دولارا اخرى على الأقل، ويذكرنى هذا بقولنا فى العراق (سفرة الله) التى يأكل منها الشارد والوارد، حيث أصبحت خزينة العراق سفرة للبعض وليست لكل العراقيين. (والسفرة -بضم السين- هى الاناء الواسع الذى توضع فيه الأطعمة وخاصة فى شهر رمضان فى الجوامع وبيوت الموسرين فيأكل منها من يشاء بدون تحديد أو تمييز.)

والمضحك المبكي أنه فقط الآن بدأ التفكير ب(ترشيق) مجلس الوزراء، ومع ذلك سيستلم معالى الوزير (المرشوق) 80 فى المائة من راتبه الأصلي، وربما يضيفون اليه بدل خدمات ومكافآت على ما قدمه من إنجازات عظيمة خلال البضعة أشهر التى قضاها بدون عمل، واطلق عليه البعض (وزير فخري) مثل الشهادات الفخرية العديدة التى منحها صدام لنفسه وولديه وبعض المقربين اليه.

وليس مجلس الوزراء وحده المترهل وبحاجة الى ترشيق، فهناك الكثير من الدوائر الحكومية تحتاج الى تقليص عدد منتسبيها بعد توفير الأعمال النافعة لهم، وربما نحتاج الى لجنة نزاهة لهذا الغرض.

ماذا قدم لنا البرلمان حتى اليوم؟ أصبح منبر خطابة لبعض الأعضاء، وأكثر الباقين لا يدرون بما يدور حولهم، وإذا ما تكلم أحد العقلاء فيهم فانهم يعرضون عنه لسببين، الأول: انهم لايفهمون ما يقول وخاصة اذا ما تكلم بالعربية الفصحى، والثاني: أفكارهم مشغولة بما كسبوه من ثروات وما يأملون بالحصول عليه فى قادم الأيام.
وإذا ما طلب منهم الحضور للمداولة لمنحهم أراض على ضفاف دجلة مثلا تراهم يتسابقون لحضور الجلسة، أما إذا كان الغرض للبحث عن أسباب استشراء الفساد وتشخيص الفاسدين المفسدين أو غيره من المشاكل التى تهم العراقيين، فإن النصاب لا يكتمل إلا نادرا.

كنت قد كتبت ونحن على أبواب الانتخابات لعام 2010 وقلت : (لا أظن أن المجلس الجديد سيكون أحسن من سابقه)، ولكننى الآن أجدنى كنت مخطأ فإن المجلس الجديد أسوأ من سابقه، فقد قل فيه عدد الأعضاء الجيدين وزاد عدد السيئين فأصبحت نسبتهم كما ذكر السيد حيدر الملا يشكلون 90 بالمئة. وهذه أحد الأمور التى لا يمكننا فيها انتقاد المالكي، لأننا نحن الذين انتخبنا أعضاء المجلس الجديد. هل سنتعظ فى المرة القادمة؟ لا أظن.