كان صعباً عليّ أن أرى رئيساً مصرياً سابقاً في الثالثة والثمانين من العمر، وبطلاً من أبطال حرب أكتوبر 1973، ممدّداً على سرير نقّال في قفص الاتّهام في المحكمة فيما انحنى ابنه لتقبيله. وأنا واثق من أن الشعور نفسه يراود مصريين كثراً حتى أولئك الذين سُرّوا برحيله. لكن من جهة أخرى، هذه المحاكمة التاريخية هي محطة ضرورية في العملية الانتقالية شرط أن تتم بحسب الأصول وتصل إلى خواتيمها.

الغريب في الأمر هو أن المتّهمين ndash; حسني مبارك وابنَيه علاء وجمال ووزير الداخلية السابق حبيب العادلي ndash; بدوا أكثر كرامة ووقاراً من المحامين المحتشدين في قاعة المحكمة، ومعظمهم جاؤوا لتسجيل دعاوى مدنية بالنيابة عن موكّليهم.

لم تَنقُل هذه المشاهد التي سادها الضجيج وعدم الانضباط صورة جيّدة عن العدالة المصرية إلى مليارات المشاهدين، وشكّلت لسوء الحظ مادّة دسمة لمنتقدي العرب، شأنهم في ذلك شأن موشيه دايان الذي نُقِل عنه ذات مرّة قوله quot;إذا كان العرب عاجزين عن ترتيب أحذيتهم أمام المساجد عندما يدخلون للصلاة، وهذا هو الحد الأدنى، فهم ميؤوس منهم إذاً...quot;.

والأهم من ذلك، يجب أن تكون المحاكمة عادلة خلافاً للمحكمة الصورية في العراق التي أرسلت صدام حسين إلى حبل المشنقة، فتخطّ بذلك مسار العدالة النزيهة في مصر بعد الثورة.

يجب أن تصدر الأحكام عن قضاة نزيهين بالاستناد إلى أدلّة دامغة. أخشى أن يتحوّل مثول مبارك أمام المحكمة محاكمة سياسية استعراضية، فيركب القضاة الموجة الثورية أو يتعرّضون للضغوط لاسترضاء الحشود في الشارع. إذا حدث ذلك، يجب أن يمثُل مبارك والآخرون أمام محكمة دولية.

أريد أن أرى مصر قويّة ومستقرّة وموحَّدة في ظل نظام سياسي تعدّدي، وأن يتمكّن البلد العربي الأكبر من إعادة تأكيد دوره كلاعب إقليمي أساسي. لكنني أخشى أن يُلحِق هاجس الانتقام وتأجيج الحساسيات المذهبية الأذى بتلك الأهداف.

مخطئ من يُفسِّر مخاوفي المشروعة بأنها تعاطف مع النظام القديم. فعلى سبيل المثال، كان مقالي بعنوان quot;يجب أن لا تبقى مصر فريسة للأهواءquot; من المقالات التي نوقِشت الأسبوع الماضي في برنامج 7 Days على محطة quot;بي بي سيquot;، ولا سيما تأكيدي بأن أشخاصاً مجهولين يدّعون أنهم يعرفون كل شيء يظهرون على الشبكات العربية ويزعمون أنهم يملكون تفويضاً للتلكّم باسم الشعب المصري. أنا أعتبر أن لا أحد يملك ذلك الحق قبل إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية في أواخر الخريف المقبل.

أحد ضيوف البي بي سي كان الصحافي المصري عبدالله حمودة المقيم في لندن، وقد علّق على الفقرة المأخوذة من مقالي الآنف الذكر بالقول quot;ينظر كل طرف إلى ما يجري في مصر من وجهة نظره أو من وجهة مصلحته...quot;. سعى مقدّم البرنامج إلى استيضاح كلامه هذا فسأله quot;أتقصد هناك مصالح في الصحف كتابيا، تقصد عندما لا تذكر الصحف الخليجية ما يحصل؟ أتعكس مصالحهم هناك؟quot;

فأجاب السيد حمودة quot;بالتأكيد، ما جاء على لسان رجل الأعمال خلف الحبتور يعكس موقف رجال الأعمال الخليجين الذين دخلوا مصر في عهد النظام السابق والميزات التي حصلو عليها وقدرتهم على التعاون مع كيان الفساد الذي كان يسيطر على مقاليد الأمورquot;.

وأضاف quot;وللأسف الشديد، حقق الكثير منهم مصالح بهذا الشكل وكنت أتمنى أن لا يتحدث رجل أعمال له مصالح في بلاد كثيرة، مثل خلف الحبتور، بهذه اللهجة، لأن ما يجري في مصر كان ضروريا، وكان يتعين على الناس أن يروه من وجهة نظر الشعب المصري وما يريده الشعب المصري وليس ما يريدونه همquot;.

تصويباً للحقائق، لم ألتقِ قط الرئيس السابق مبارك أو أي فرد من عائلته أو أياً من الأشخاص المتّهمين. ولم أحظَ يوماً بمعاملة خاصة أو أحصل على أي امتياز من المسؤولين خلال زياراتي إلى مصر، ولا أملك أي مصالح تجارية هناك.

يبدو لي أن السيد حمودة نصّب نفسه في فئة الخبراء المزعومين الذين يعتقدون أنهم يعرفون ما يريده الشعب المصري، والذين لا يبدون استعداداً حتى للإصغاء إلى النصائح التي يسديها أصدقاء مصر البعيدون عن النار مما يتيح لهم أن يُظهروا موضوعية أكبر في آرائهم.

في الواقع، الأهم هو ما يحتاج إليه المصريون وليس ما يريدونه، وهي الحاجات نفسها للشعوب في كل مكان، ولا سيما القدرة على رفع رؤوسهم عالياً. الحقيقة هي أن المصريين منقسمون بشدّة. تريد الحركة الشبابية ديمقراطية على الطريقة الغربية تديرها حكومة مدنية من دون إشراف عسكري. أما الأقباط فيريدون زيادة تمثيلهم السياسي والحصول على حق بناء الكنائس. ويريد العلمانيون والحداثيون مجتمعاً مفتوحاً وحكومة لا دور للدين فيها.

ثم هناك المنظّمات الإسلامية مثل quot;الإخوان المسلمينquot; الذين فعلوا كل ما بوسعهم لإخفاء أهدافهم الحقيقية في أعقاب الثورة، فوعدوا بعدم تقديم مرشّح للرئاسة أو بعدم التنافس على أكثر من 30 في المئة من المقاعد البرلمانية، فيما أطلقوا في الوقت نفسه حملة في العلاقات العامة لإظهار وجههم المعتدل والشامل الجديد. لكن الحقيقة بانت شيئاً فشيئاً. فقد شكّل quot;الإخوان المسلمونquot; ائتلافاً مع مجموعات إسلامية متطرّفة وأنتجوا أحزاباً جديدة برئاسة قياديين مخلصين quot;سابقينquot; في الجماعة يسعون خلف الرئاسة.

وقد سقط القناع عن وجه quot;الإخوان المسلمينquot; يوم الجمعة 29 يوليو عندما طالبوا إلى جانب إسلاميين آخرين بإنشاء دولة إسلامية خاضعة للشريعة، وراحوا يهتفون quot;إسلامية، إسلامية، لا نريد دولة ليبراليةquot;، وحمل بعضهم صوراً لبن لادن.

بما أن الغالبية الكبرى من المصريين مسلمون، من الطبيعي أن تأخذ الدولة المبادئ الإسلامية في الاعتبار، بيد أن هؤلاء المتعصّبين يريدون جمهورية إسلامية سنّية على غرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشيعية، الأمر الذي من شأنه أن يتسبّب بعزلة مصر على الساحة الدولية، ويُحدث كارثة اقتصادية، ويقضي على الحرّيات الشخصية. إذا حدث ذلك، غالب الظن أن القيادة المصرية ستتطلّع إلى طهران بحثاً عن الدعم السياسي والاقتصادي، وتقع تحت سيطرة آيات الله كما حصل في العراق وسوريا ولبنان.

لقد ظهر quot;الإخوان المسلمونquot; وأخيراً على حقيقتهم، وآمل أن يعي المصريون مدى خطورتهم. بدأت وفود إيرانية تزور مصر بانتظام لإجراء مباحثات مع النخب السياسية والدينية.

مصر بحاجة ماسّة إلى قائد حازم ومتمسّك بالمبادئ، وفي الانتظار، يجب أن يتوقّف الجيش عن الخضوع لأهواء المتظاهرين الذين يتسكّعون في الشوارع من دون أن تكون لديهم أي رؤية فعلية، وينبغي عليه أن يُحدّد خطوطاً حمراء للإسلاميين ويمنع عليهم تجاوزها.

فمثلما أطاح الجيش بالملك فاروق عام 1952 واستبسل في الدفاع عن مصر في وجه العدوان الخارجي، يجب أن يبادر إلى التحرّك الآن كي لا تغرق سفينته وتجرفنا نحن الباقين معها. يخوض المصريون معركة حياتهم، وإذا كانوا عاجزين عن رؤية ذلك، من واجب أشخاص مثلي، أنا العربي الأبي الذي لطالما أحبّ مصر، أن يساعدهم كي يفتحوا عيونهم ويكونوا متيقّظين.


خلف الحبتور رجل أعمال ورئيس مجلس إدارة مجموعة الحبتور. وهي شركة مقرّها دبي ذات امتداد واسع في المنطقة والعالم من خلال عملها في مجالات عدّة أبرزها الإنشاءات والفنادق والتعليم والسيارات والعقارات.
www.habtoor.com