تتهاوى ممالك الإرهاب واحدة تلو الأخرى وما سقوط القذافي بالأمس إلا حلقة من سلسلة انهيار الاستبداد في عالم تبدلت فيه أشكال القمع والعنف ولم يعد يتسع لحكام لا يغادرون عروشهم إلا بحكم الوفاة، ولا مكان فيه لاستيلاد ممالكهم بتوريث أبنائهم، لأن أفكارهم توفيت منذ نصف قرن فيما ولادة الوعي مستمرة. بيد أن الخوف كل الخوف أن تمارس الحكومات الوليدة استبدادها فلا تغدو سوى إلباس الماضي لثوبٍ مستقبلي !

مروة كريدية

ولا شك في أن اللحظة التي يعيشها العرب مناسبة لإعادة قراءة إشكالية quot;العروبة quot; مثلا وغيرها من الشعارات التي شنف بها القذافي وغيره مسامعنا طيلة نصف قرن وكأن أطروحات القرن الماضي نص كتاب مقدس يتم إسقاطه على واقعنا، فتُجرّ الأحداث برجالاتها وأبطالها وكأنها أقدارٌ لا مناص منها.

التساؤل يدور إذن حول ردّة الفعل الفكرية هذه واستحضار روحها ورموزها quot;النهضويةquot; التي تبلورت في الآونة الأخيرة، على شكل حلول طُرحت في ظل الفشل الذريع للأنظمة و تَحوّل مزاج الجماهير نحو مزيد من quot;الأصولية quot;.

وإذا كانت مسؤولية المفكر أبعد من أن تكون مجرد التزام فكري، فإن مسوغّات العودة إلى الإرث النهضوي تحت ذريعة مستقبلية، تُعد أحد أهم الأخطاء البنيوية التي يرتكبها quot;القوميين الجددquot; من الثوار، فكون الإنسان شُلت حركته وعجز عن التفكير باستقلالية تامة عن الماضي، فإن هذا يخرجه من دائرة quot;المفكر الرؤيوي quot; الباني للمستقبل.

من الجدير والمهم إذن أن نتساءل عن طبيعة مرحلة ما بعد انهيار الأنظمة، وهل نريد استبدال quot;استبداد نظام quot; بآخر، وهنا أتساءل مجدداً عن علاقة الفكر المطروح بظروفه وزمنه: أليست الطروحات نهضوية كانت أم غيرها هي بنت واقعها وحضرتها ؟؟ وهل عملية استجلاب نصوص quot;نهضوي القرن التاسع عشر والعشرينquot; إلى آنتنا يُعد نهضة؟؟؟ أليس استحضار quot;نهضةquot; ماضية واستجلابها هو quot; انهيار quot; ونكوصٌ وتراجع؟؟

في عالم يتغير ويتبدل ويتجه نحو مزيد من الانفتاح تبدو الشعارات الفئوية كلها بما فيها quot;القومية quot; وquot;الوطنيةquot; شعارات بائدة في عصر يجب ألا يرضى فيه الإنسان بأقل من الكون حدودا ومن الانسانية هوية له؛ فإنّ ما قدمه رجال quot;النهضةquot; كان quot;تقدميًّا quot; أو quot; حداثيًّا quot; في ذلك الوقت وذاك الواقع، فهل من الضروري أن يَصلح لتجربَة حاضرة اختلفت شروطها وإشراطاتها، فمسألة نجاح اجتراح الحلول يرتبط قبل كلّ شيء بالآنة ومستوى الواقع الذي ينتمي له.

وهل يمكن أن نبقى إلى ما لا نهاية أسرى quot;أسلافنا quot;؟ quot;سواء كانت quot;سلفية دينية quot; أو سلفية quot;نهضوية quot;؟؟ فالنهوض الحقيقي يكون بمغادرة الماضي إلى غير رجعة، والذات الحضارية لا تكون إلا واحدة موحدة مع آنتها متجاوزة لشتى أنواع التعلقات الماضية.

لقد اضمحلت مكونات ايديولوجيا القومية العربية لانها تمحورت حول الإيمان بأن العرب كلهم من محيطهم إلى خليجهم يشكلون لَبِنَة حضارية تفترض جغرافيتها إقامة منظومة تشكل وحدة سياسية في نهاية المطاف، فهو مصطلح جيوبوليتيكي - دوغمائي.
وتكمن نقاط نهاية الأيديولوجية القومية في أنها quot; تقوم على تفسيرٍ لاحق لواقعٍ كان موجودًا بالسابق، فهي تشكل شرحا quot; تراثياquot; لواقع فرضته الطبيعة الجغرافية الموجودة أصلا كما أن العلاقة quot;التراثيةquot; بين العروبة والإسلام، والتي أدت إلى وحدة سياسية سبقت قيام الكيانات القومية أدت إلى مزيد منquot; الأنوية الحضاريةquot;، ووضعت الشعوب وراء متراس quot;العصبياتquot; !
إذن فالقومية هي تفسير quot;عنصريquot; يستبعد quot;الآخر ممن لا ينتمي إلى quot;القوميةquot; نفسها!

لقد أحدثت الثورات تصدعا وانهيارا في ثلاجات الأنظمة عندما خرجت من جمود الفكر القومي إلى السعي نحو الحرية أولا، لقد نجحت الثورات عندما جعلت حقوق الإنسان أولا وقبل كل شيء. لأن الحوار والوحدة تستوجب quot;ذواتًا حرة quot; وقواعد تتجاوز إكراهات الصور النمطية، وأنظمة القيم الخاصة بكل نطاق جغرافي تاريخي موصوف باسم الحضارة.
فالتحرر من الأثقال الماضية هي أولى الخطوات وعندما يصبح الإنسان الحر هو المورد الأول نكون قد أنجزنا المرحلة الأعقد في علاقاتنا مع بعضنا البعض.
إننا كشعوب تسربلنا بالتراث والماضي الأليم،فوقعنا في عنف دام مستديم، وما الثورة إلا التغلب على حالة البؤس السياسي الحاضرة المتمثلة بغياب حرية الإنسان عند كل الدول الموصوفة بأنها عربية والشرارة انطلقت عندما ثارت الشعوب على حكام يستولدون أنفسهم، ويستنسخون أنظمتهم، ويستخلفون أبنائهم ويعيدون إنتاج نكباتهم عبر أحزابهم أو قبيلتهم أو عشيرتهم أو طوائفهم ومذاهبهم.

http://www.facebook.com/marwa.kreidieh1
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com/