كنتُ قد كتبتُ أكثر من مقالة في ايلاف، قلت فيها أن (السُنَّة) أنسب من غيرهم من الطوائف المسلمة لقيادة العالم الاسلامي، وذلك بشكل عام، وليس في كل بلد أو نظام على حدة، أتحدث عن أمة مسلمة، وليس عن شعب مسلم هنا أو هناك، وذلك ليس لفضيلة عقدية أو إنسانية أو عقلية على غيرهم من الطوائف المسلمة، بل لظروف موضوعية، منها أنهم هم الغالبية، وجغرافية العالم الاسلامي السني اكبر من غيرها، ولتجربتهم التاريخية الطويلة في الحكم، وربما هناك اسباب موضوعية أخرى، وكنت قد ذكرت في الاثناء، إن ذلك يستوجب شروطا هي الأخرى موضوعية، بل جوهرية، وفي مقدمتها أن يتعامل العالَم السني مع الشيعة طائفةً مشاركةً في المصير والمستقبل والريادة والقيادة، فالشيعة يشكلون الطائفة المسلمة الثانية، وجغرافيتهم تشكل هلالا اقتصاديا وبشريا في وسط العالم الاسلامي، ولهم تاريخ جهادي مشهود له بالقوة والسطوع، كما أنهم عانوا طيلة تاريخ طويل من اضطهاد وعنت الدولة الاموية والعباسية والعثمانية، كذلك في ظل بعض ما يسمى بمرحلة الحكومات الوطنية...
اليوم اريد أن اسلط الضوء على بعض نقاط الضعف التي يعاني منها ـ في منظوري طبعا ـ الجسم السني والتي تحول دون إمضاء هذا التصور على ارض الواقع...
نقطة الضعف الاولى حسب تصوري هذا التاليه غير المقصود لصحيح البخاري ومسلم وغيرهما من الصحاح وهي ستة، فالقول بان كل ماجاء في هذه المجاميع الروائية السنية صحيح فضلا عن كونه غير عقلاني، يحجم طاقة التفكير، ويمنع من الانفتاح على العالم، بما في ذلك بقية الطوائف المسلمة، العالم السني تنتظره انتفاضة فكرية على هذا الجمود الذي يكاد يكون عقائديا...
نقطة الضعف الثانية هي ظاهرة التكفير... التكفير تقريبا ظاهرة سنية، لا يعني هذا ان الشيعة بريئون من هذه الظاهرة، ولكن حجم الظاهرة وترسخها لدى الشيعة أقل منها لدى السنة، والملفت للنظر إن احزاب التكفير وجماعات الحذف نجدها في الوسط السني أكثر مما نجدها في الوسط الشيعي، بل تكاد المقايسة معدومة، والملفت للنظر أيضا، هو أن تكون ظاهرة التكفير بين السنة والسنة مشهدا لا يمكن إنكاره... لقد نشات ظاهرة التكفير المتبادل داخل الجسم السني حتى في السجون والاحزاب !
نقطة الضعف الثالثة هو التماهي ـ تقريبا ـ بين الوسط السني الشعبي والحكام، حكام العالم السني، ولهذا التماهي جذوره التاريخية بطبيعة الحال، بل جذوره العقدية، الآن وقد بدأت جماهير العالم السني تتمرد وتثور على بعض حكامها، فإنما هي بداية جيدة لحالة جيدة بإذن الله تبارك وتعالى.
نقطة الضعف الرابعة تبرير التاريخ، تاريخ المسملين مهما كانت هويته وهناته ومصائبه ومظلمه وتناقضاته، خاصة التاريخ الذي ينتمي إلى العالم السني نفسه، فهناك دفاع مستميت بشكل عام عن هذا التاريخ، لقد بلغ الدفاع من الاسفاف والسذاجة أن يوصف يزيد بن معاوية بانه خليفة شرعي، وإن الحسين قُتِل بسيف جده، وفي مقدمة مصاديق نقطة الضعف هذه الدفاع عن الصحابة جميعهم، والنأي عن نقدهم موضوعيا، لقد ولد هذا الموقف جمودا في التعامل مع التاريخ، فإذا كان خير القرون هو قرن النبي الكريم، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، فما بال القرن الذين نعيش فيه اليوم؟
إن العالم السني مدعو إلى ثورة جذرية في النظر الى التاريخ، لقد كانت هناك بدايات ولكنها خجولة، تخاف، وفيما إذا بدا العالم السني ينقد التاريخ، ويُخضِع مصادره الام للتجريح والتشريح، ويسقط عصمة الصحابة من الاعتبار ـ وإن كانت عصمة محدودة شئنا أم ابينا، فكل ما يرويه الصاحبي صحيح ــ فسوف ينتفح على عالم ارحب، وينفتح عليه عالم أرحب....
ونقطة خامسة أيضا، إنها نقطة جارحة، مدمرة، وربما يشارك السنة فيها غيرهم من المسلمين، حديث الفرقة الناجية النحس، هذا الحديث الذي تسبب في بحور من الدم في تاريخ الاسلام، وهو مجرد حديث ربما مكذوب حتى وإن رواها جمعٌ عن جمعٍ عن جمعْ كما يسطِّر لنا علم الحديث الخرافي في كثير من مفاصله، بل هو مكذوب حتما، فإن خُلُقَ رسول الله ازكى من هذا الإمضاء القاسي الظالم، وحقا لعيد جديد بالنسبة للمسلمين يوم يعلنون إن هذا الحديث كذب وزور، إن حديث الفرقة الناجية كارثة حضارية، وسيبقى نارا تشعل الفتن، وأني لاضعه على راس الاسباب التي تكمن وراء مشاكل هذه الامة التعسة البائسة، ولو أن علماء السنة زيفوا هذا الحديث، واعلنوا براءة رسول الله منه لحققوا حضورا زائدا على حضورهم، ولتقدموا خطوات عملاقة على طريق قيادة العالم الاسلامي كله.
ولا أريد التحدث هنا عن المقايسة الخاطئة التي يقع بها الجمهورالسني في كثير من الأحيان، حيث يقيس هذا الجمهور موقفه من الشيعة عموما على موقفه من حكام محسوبين على الشيعة، لا اتحدث عن ذلك لانه رغم إنه حقيقة واقعة ومتكررة بل وحاكمة للاسف الشديد، فإنها في الوقت ذاته يمكن إدراجها في نقاط ضعف يعاني منها الجسم الشيعي بشكل عام، ولكني اسجلها هنا للتذكير بالمنهجية الخاطئة في التعامل مع الطوائف خاصة على صعيد قوامها البشري...
إن سنة العالم الاسلامي مدعوون حقا للنظر بهذه النقاط التي اعتبرها حساسة، ومفصلية كي يتسنى لهم قيادة العالم الاسلامي، أمة، وأرضا، بل وحتى ثقافة ربما... لا اتكلم عن حكام ولا امراء ولا رجال دين متعصبين، بل اتحدث عن أمة، عن فكر، عن عقول متنورة....
وربي من وراء القصد