quot;عندما يصير الزمن إلى خلود سوف نراك من جديد لأنك صائر إلى هناك حيث الكل في واحدquot; (نشيد الموتى ndash; مصر الفرعونية)

بهذه المقدمة بدأ توفيق الحكيم روايته quot;عودة الروحquot; وهى تؤرخ لفترة ذهبية فى تاريخ مصر أثناء ثورة 1919، حيث كان الشعور الوطنى وشعور الوحدة الوطنية فى أوجهه.
والمصريون لديهم شعور عميق quot;بأن يكون الكل فى واحدquot; وسعد زغلول كان يمثل هذا quot;الواحدquot; الذى يتوحد المصريون وراءه، وهذا quot;الواحدquot; يمثل قيمة دينية عميقة لدى المصريين حتى قبل الأديان السماوية، فهو الفرعون والعادل والقوى والأمين على مصالحهم ويلتفون حوله، وبعد إنهيار الدولة المصرية الفرعونية بعد ثلاثة آلاف عام من الحضارة المستمرة مر على مصر العديد من المستعمرين والغزاة حتى جاءهم فى العصر الحديث quot;سعد زغلولquot; عام 1919 ليتحدى الإنجليز، ثم بدأ المصريون فى البحث عن quot;واحدquot; آخر يحل محل سعد زغلول ولم ينتظروا أكثر من 33 سنة حتى جاءهم جمال عبد الناصر، والذى خرج من بينهم، فعبدوه حتى هزيمته الفادحة فى 1967 فشعروا بأنه لم يعد القوى الذى يحميهم ولم يعودوا يعتبرونه الأمين الذي يحمي مصالحهم.
ولم يجد المصريون هذا quot;الواحدquot; لا فى quot;الساداتquot; ولا فى quot;مباركquot;، ولم يمانع المصريون فى أن يجدوا هذا quot;الواحدquot;، حتى لو لم يكن مصريا، فللحظة توهموا أنه ممكن أن يكون صدام حسين أو حسن نصر الله. ولكن مؤخرا يبدو أنه وجدوا quot;الواحدquot; فى شخص رجب طيب أوردغان، ولم يكن أوردغان أى quot;واحدquot; ولكنه نجح فى الخروج بتركيا من عنق دول العالم الثالث إلى مجال الدول المتقدمة فى خلال سنوات بسيطة فى عمر الشعوب. ولم تقتصر زعامة أوردغان على تركيا فهو يعارض إسرائيل (كده وكده)!! ويطرد السفير الإسرائيلى ويرسل سفن مساعدة إلى غزة، وعلاوة على ذلك يرأس حزبا إسلاميا، وأخيرا جاء إلى مصر ليطمئن على الثورة ويطمئن على مصر.
ولقد زاد الأخوان والسلفيون فى الدعاية لأوردغان وحزبه quot;حزب العدالة والتنميةquot; لدرجة أنهم أطلقوا على حزبهم إسما مشابها لحزب أوردغان quot;حزب الحرية والعدالةquot;، وأشاعوا فى طول مصر وعرضها أنهم إذا حكموا مصر فإنهم سوف يجعلون من مصر تركيا أخرى وينهضون بها من محور التخلف إلى محور التقدم الذى دخلته تركيا تحت حكم أوردغان.
وإستقبل الإخوان المسلمون أوردغان فى مطارالقاهرة إستقبال الأبطال والفاتحين، وبهتافات مثل quot;إسلامية ... إسلاميةquot; و quot;مصر وتركيا إيد واحدةquot; ... وفجأة وبدون سابق إنذار أعلن أوردغان فى القاهرة بأنه رئيس مسلم لبلد علمانى، وبأنها ليست إسلامية ..إسلامية ولكنها علمانية ...علمانية، ومدنية ... مدنية، وفجأة إكتشف الأخوان أن مصر وتركيا مش إيد واحدة! . ...
وعلى الفور بدأ هجوما ضاريا من الأخوان والسلفيين على أوردغان، حتى قبل أن يغادر القاهرة، وحتى قبل أن تبرد القهوة التركي التى شربها مع الأخوان، وسمعنا تصريحات ضد أوردغان من نوع التصريحات التى كنا نسمعها ضد كاندليسا رايس وهيلارى كلينتون :quot;لا نريد أن يتدخل أحد فى شئونناquot;، quot;مش عاوزين حد يعلمنا الديموقراطيةquot;، quot;العلمانية هى دعوة غربية للبعد عن الإسلامquot;، quot;من حكم بغير الله فقد كفرquot;، quot;مصر ليست تركيا، ولكل بلد ظروفهquot;، وفجأة تغير موقف الأخوان 180 درجة فبعد أن كانت مصر تريد تكرار تجربة تركيا الناجحة، سمعنا أننا غير تركيا!! ولقد كشف أوردغان (بقصد أو بدون قصد) أوراق الأخوان و إنتهازية الأخوان حتى أمام شباب الأخوان وباقى شباب الثورة.
وعندما رحب السلفيون والإخوان بأوردغان فى مطار القاهرة، لم يكن هذا حبا فى خضار أوزرقة عيونه ولكنهم كانوا يعولون على هذه الزيارة للتأكيد على الدولة الدينية ، وبمقدار ما كانت خيبتهم فى تصريحاته عن علمانية الدولة، كانت مفاجأة سارة لكل العلمانيين الذين يجب عليهم أن يخرجوا الآن من جحورهم (بعد أن شهد شاهد من أهلها) بأنه لا تعارض بين العلمانية والدين، ويجب عليهم أن يعيدوا شعار quot;مدنية ... مدنيةquot; إلى الحياة مرة أخرى، وشعار quot;الجيش والشعب إيد واحدةquot; ولا مانع من شعار quot;مصر وتركيا إيد واحدةquot; ويجب على الثوار مسلمين كانوا أم مسيحيين بالتوقف عن مهاجمة الجيش المصرى لأنه بصراحة الضمانة الوحيدة لمدنية وعلمانية الدولة، مثله مثل الجيش التركى، والذى حمى علمانية الدولة منذ أيام كمال أتاتورك quot;أبو تركيا الحديثةquot;.
ويجب التوقف عن المليونيات الساذجة التى توقف حال البلد، والبدء فى الإستعداد للإنتخابات لأن حكم مصر سيتم الفوز به عبر صناديق الإنتخابات وليس عبر ميدان التحرير، ويجب البدء فى إحترام الشرطة تمهيدا لعودة هيبة الدولة، فبدون عودة هيبة الدولة، لن يكون هناك إنتخابات ولا دستور ولا أى شئ، بل ستنزلق البلد بإتجاه الصومال.
...
ولقد تخيلت مدى إحباط السلفيون والأخوان بعد زيارة أوردغان، وتخيلت أنه قد تم عقد إجتماع أعلى مستوى بين الأخوان والسلفيين وحضر الإجتماع من جانب الأخوان المرشد العام، وعصام العريان ومن جانب السلفيين عبود الزمر وعبد المنعم الشحات
المرشد: إحنا مجتمعين النهاردة عشان نشوف حل للمصيبة إللى حطنا فيها أوردغان
عصام العريان: ده فضيلتك مش حيقوى علينا العلمانيين والعيال بتوع 25 يناير بس، لكن حيقوى علينا الجيش، شفت الجيش قابله أزاى؟
الشحات: يعنى كان لازم يادكتور عصام تعمله الهليلة دى فى المطار؟ أنا كنت شاكك فى الراجل ده عشان كده بعثت عدد قليل من جماعتنا
عصام العريان: أنا ما كنتش فاكره كده خالص، ده راجل إسلامي ورئيس حزب إسلامي ومراته ست محجبة، وكل الناس كانت ورانا على أساس أننا حنعمل من مصر تركيا أخرى
المرشد: أنا كنت فاكر إن زيارته دى حتكون آخر مسمار فى نعش العلمانية فى مصر، لكن زيارته عملت العكس تماما وأحيا آمال العلمانيين، ودلوقت كلهم يخرجوا من الجحور بعد إنكسارهم فى الجمعة بتاعتنا إحنا والسلفيين.
الشحات: أنا ما أقبلش أننا نكون زى تركيا أو غيرها، إحنا هدفنا الأمة الإسلامية أمة موحدة من المغرب لأندونيسيا بتعداد فوق المليار مسلم وبمساحة خمس الكرة الأر ضية، وإحنا بنرفض الأوطان وكان عنده حق فضيلة المرشد السابق لما قال quot;طظ فى مصرquot;، وأنا كمان بأقول وquot;طظ فى تركياquot;
عبود الزمر: ودلوقت الجيش موقفه إيه من إللى حصل؟
المرشد: ده دورك بقى يأخ عبود تكلم لنا أصحابك فى الجيش بصفتك ضابط سابق فى الجيش.
عصام العريان: أنا شايف أننا لا بد نقوم فورا بحملة دعاية ضد أودجان ونكشف عن علاقته بإسرائيل مع التركيز على حلف الناتو إللى بيموت المسلمين فى أفغانستان وباكستان وإللى تركيا عضو اساسى فيه.
المرشد: وبعدين إزاى أوردغان يقابل تحديدا البرادعى وعمرو موسى؟
الشحات: هو حر يقابل إللى هو عاوزه، إحنا المهم عندنا نركز على الإنتخابات الجاية، ولا بد نضغط على المجلس العسكرى، عشان يعملوا الإنتخابات بأسرع ما يمكن، قبل ما العلمانيين يلموا نفسهم، لأنهم لو كسبونا تبقى فضيحة.
المرشد: على مهلكوا ياجماعة، أنا أعتقد أننا إحنا فى المعارضة ممكن نكون أقوى من الحكومة
عصام العريان: أنا موافق فضيلة المرشد، مشاكل مصر كبيرة جدا وخاصة مشكلة البطالة والفساد، وبعدين لو أخذنا الحكم وفشلنا فى حل تلك المشاكل المتراكمة، حتبقى دى ضربة قاصمة للإسلام السياسي، ويمكن ما ننجحش أبدا فى أى إنتخابات بعد كده.
عبود الزمر: إنت قلبك أبيض قوى يادكتور عصام، إنت فاكر إننا إذا مسكنا الحكم حيكون فيه إنتخابات ثانية فى مصر!!
[email protected]