في سياق المحاولات الحثيثة بين العلماء للتوصل إلى النظرية الجامعة والموحدة أو الشاملة في الفيزياء الكونية، ظهرت نظرية أنيقة لكنها معقدة و لم تستهوي أفئدة العلماء أو تستحوذ على اهتمامهم ولم تحظى بإجماعهم، أي لم يكن يوجد حولها إجماع علمي عكس ما حدث لنظرية النسبية العامة لآينشتين، وقد عرفت هذه النظرية الأنيقة بنظرية الأوتار بعدة صيغ تجاوز الخمسة ومن ثم تطورت بصيغة متقدمة جديدة عرفت بنظرية الأوتار الفائقة في نهاية ستينات القرن المنصرم theacute;orie des super cordes، حيث شهدت هذه الأخيرة انتشاراً واعترافاً علمياً أوسع منذ العام 1984. فقبل هذه النظرية كان العلماء يعتقدون بأن كل جسيم أولي في الكون particule eacute;leacute;mentaire يحتل نقطة وحيدة في المكان أو الفضاء espace بينما تقول نظرية الأوتار أن الأشياء الأساسية objets de base ليست جسيمات محددة المعالم بل أشياء ذات بعد dimension يشابه أو يماثل analogue بعد الطول dimension de longueur على سبيل المثال باعتباره جزء من وتر لا متناهي في الرقة infiniment mince وإن لهذه الأوتار نهايتين مفتوحتين cordes ouvertes أو مربوطتين لتشكلان حلقة boucle مغلقة حيث عرفت بالأوتار المغلقة cordes fermeacute;es. فالجسيم الكلاسيكي يحتل نقطة في المكان في كل لحظة بينما يحتل الوتر في كل لحظة خطاً ligne في المكان أو الفضاء المكاني espace. وكل قطعتين من الوتر يمكن أن يجتمعا لتشكيل وتر واحد، فالأوتار المفتوحة تلتقي من الأطراف بينما تلتقي الأوتار المغلقة بالتشابك مثل فردتي البنطلون. وكذلك، وبنفس الطريقة، يمكن لقطعة منعزلة من الوتر أن تنشطر أو تنقسم se diviseacute;e إلى وترين. ومن هنا تبدو الجسيمات المرصودة في مسرعات أو معجلات الجسيمات العملاقة، على نحو غير مباشر، وحسب نظرية الأوتار، وكأنها تنوعات مختلفة لتردد الموجات على الوتر على غرار وتر آلة الكمان، أو ترددات خيوط الطائرات الورقية، بيد أن هذه الأوتار من الصغر بمكان، حيث لا يمكن لأي جهاز من أجهزة القياس الفيزيائية المتوفرة حالياً أن يرصد شكلها وتكوينها بصورة مباشرة. ففي نظرية الأوتار نجد أن بعث eacute;mission أو امتصاص absorption جسيم من قبل جسيم آخر يقابله انقسام أو انشطار وتوحد أو تلاحم وترين.

في سنة 1974 قام جويل شيرك joel scherk من المدرسة الوطنية العليا في باريس eacute;cole normale supeacute;rieure de paris وجون شفارز john Schwarz من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، معاً بنشر مقال علمي أظهرا فيه أن بإمكان نظرية الأوتار وصف القوة الثقالية force gravitationnelle بشرط أن يكون توتر أو ضغط الوتر حوالي 1039 طن وفق الحسابات الرياضية لهما. وإن توقعات أو تنبؤات les preacute;dictions نظرية الأوتار تتوافق correspondaient بالضبط وبدقة مع توقعات وتنبؤات نظرية النسبية العامة la relativiteacute; geacute;neacute;rale في المستويات والأحجام العادية أو الطبيعية taille ordinaires. ولكن سلوكيات النظريتين تختلفان في المستويات والمسافات اللامتناهية في الصغر بحدود 1033 من السنتمتر. بيد أنه وللأسف لم يهتم أحد بما توصل إليه هذا الباحثان من نتائج، خاصة بعد وفاة شيرك بحادث مؤلم بصورة مبكرة وبقي شفارز وحده وقام برفع قيمة توترات أو ضغوط الأوتار كثيراً وأصبح المدافع الوحيد آنذاك عن نظرية الأوتار. ثم اصطدمت نظرية الأوتار بعقبة عويصة، فهي لا تصلح إلا في زمكان espace-temps ذو عشرة أبعاد أو 26 بعداً بدلاً من أبعادنا الأربعة التقليدية أي الطول والعرض والارتفاع والزمن هنا سيصبح من المستحيل على القارئ العادي غير المتخصص أن يتخيل أو يدرك هذه الأبعاد الإضافية إلا في أفلام وروايات الخيال العلمي Science Fiction فتقبل فكرة وجود هذه الأبعاد يعني إمكانية خرق القيود التي تفرضها نظرية النسبية العامة التي تمنع السفر بسرعة تفوق سرعة الضوء أو السفر عبر الزمن. وقد سادت فكرة تبسيطية بفضل الخيال العلمي مفادها أننا يمكننا أن نسلك أو نتخذ طريقاً مختصراً raccourci عبر تلك الأبعاد الإضافية غير المنظورة. بعبارة أخرى يعتقد منظرو نظرية الأوتار بوجود عشرة أبعاد محدبة أو منحنية جداً ولكن لا يمكننا مشاهدتها أو رصدها.

يقول لنا المبدأ الأنثروبي principe anthropique أننا نرى الكون المرئي كما هو عليه اليوم لأننا موجودون حقاً فيه وبإمكاننا المراقبة والرصد والمشاهدة والتقدير والقياس، وأن هناك مقاربتين مبينتين eacute;nonceacute;s هما الضعيفة والقوية، حيث تقول الأولى أن الكون كبير جداً ولا متناهي في كبره وحجمه مكانياً وزمانياً spatialement et temporellement، وإن الشروط الضرورية اللازمة لنشأة وتطور الحياة الذكية العاقلة والمتطورة توجد في مناطق محدودة من الزمكان الكوني أي توجد في مكان ما وفي زمن ما وإن الكائنات التي تعيش هناك لا تندهش من كون الرقعة التي يقطنونها في الكون تتوفر فيها الشروط اللازمة لوجودهم لأنهم موجودون بالفعل أياً كان نوع وجودهم. كما هو الحال مع رجل ثري يعيش في حي ثري منقطع عما حوله ولم يخرج منه أبداً ومعزول عن الآخرين لذلك لا يمكنه أن يتصور كيف هو شكل وحال الفقر. فيما يقول المبدأ الأنثروبي الثاني وهو القوي بوجود عدة أكوان مختلفة أو عدة مناطق متعايشة coexistent داخل كون واحد، ولكل واحد منها تركيبته الأساسية الخاصة configuration initiale وربما لكل واحد منها قوانينه الخاصة به ses propres lois وإن الشروط الضرورية لنشوء وتطور الأشكال العضوية المركبة organismes complexes في أغلب تلك الأكوان أو المناطق الكونية ليست مشغولة أو مليئة بالكائنات بل هناك عدد قليل من الأكوان من يشبه كوننا المرئي يمكن أن يحتوي على كائنات عاقلة ومفكرة وذكية يمكنها أن تطرح تساؤلات مثلنا من قبيل لماذا يوجد هذا الكون بهذه الصورة التي نراه فيها وليس بصورة أخرى؟

في تسعينات القرن الماضي القرن العشرين توصل العلماء إلى وجود افتراضي لأشياء أخرى autres objets أسموها ب برانات P- branes وهي تحتل في المكان أحجام ذات بعدين أو أكثر، يصعب وصفها أو تمثيلها يمكن اعتبار جسيم ما، كصفر بران zeacute;ro-brane أو اعتبار وتر ما بمثابة بران واحد une-brane ولكن توجد ب برانات أخرى مختلفة حيث تتراوح قيمة ب P من 2 إلى 9، فوحدة 2 بران 2-brane ليست سوى غشاء membrane ببعدين، ومن الصعب تصور برانات بأبعاد أكبر. والحال يوجد في الوقت الحاضر ثلاث نظريات حديثة في الفيزياء النظرية وعلم الكون تتعايش مع بعضها جنباً إلى جنب هي: نظرية الثقالة الفائقة أو القصوى theacute;orie de la supergraviteacute;، ونظرية الأوتار الفائقة theacute;orie des super cordes، ونظرية البرانات theacute;orie des branes. وهي تتعايش بهارمونية وتوافق وانسجام مع بعضها لحد الآن لذلك لا يمكن اعتبار أي منها نظرية جوهرية fondamentale أكثر من غيرها بل تبدو كل منها كتنوع أو استنساخ avatar لنظرية أكثر جوهرية من الجميع بيد أنها لم تتبلور بعد ويمكن تسميتها النظرية م theacute;orie ndash; M. عند هذا الحد تقوم الصيغ المتنوعة المشار إليها أعلاه مقام النظرية الموحدة الشاملة، وهذا يعني واحدة من ثلاث فرضيات ممكنة: إما وجود هذه النظرية الشاملة الجامعة والموحدة لكافة النظريات المعروفة لكننا لم نتوصل إليها بعد وسوف نكتشفها يوما ما بلا شك إذا كنا بدرجة كافية من الذكاء والتقدم العلمي والتكنولوجي. وإما إن هذه النظرية الكبرى للكون غير موجودة ولن نتوصل إليها أبداً بل هي مجرد تعاقب لا نهائي من الفرضيات والنظريات العلمية عن الكون، لا يوجد بينها أية نظرية دقيقة ومضبوطة مائة بالمائة بيد أنها مجتمعة تصف لنا الكون المرئي من زوايا مختلفة بأكبر قدر من الدقة. وإما أنه لا توجد بالمرة نظرية حقيقية للكون عند حد ما وهنا ستكون الأحداث غير متوقعة وتولد بمحض الصدفة وبصورة عشوائية. ولو اختار البعض الصيغة الثالثة بسبب وجود سلسلة من القوانين، فإنها تحرم الخالق من حرية التغيير والتدخل في شؤون العالم، والحال، إذا كان الله لا نهائي القدرة، ألا يمكنه قضم جزء من حريته لو كان يرغب بذلك؟ هذا الأمر يعيد للأذهان المفارقة القديمة التي تقول: هل يمكن أن يخلق الله حجراً بالغ الثقل لدرجة لا يمكن حتى لله الذي خلقه أن يرفعه؟ والحقيقة إن فكرة الله الذي يمكن أن يغير رأيه مثال على خطأ في التفكير أشار إليه القديس أوغسطين Saint Augustin بخصوص اعتبار الله كائن موجود داخل الزمن ونحن نعرف أن الزمن ليس سوى خاصية من خصائص الكون une proprieacute;teacute; de lrsquo;univers الذي خلقه الله بعبارة أخرى إن الزمن هو من خلق الله أيضاً ولذلك لا يمكن أن يكون الله بداخل الزمن. وإذا افترضنا وجود الله فعلينا أن نفترض أنه كان يعرف مسبقاً ما يقوم به عند خلقه للكون أو للحجر البالغ الثقل، في حين أثبتت لنا نظرية الكم أو الكوانتا أو الفيزياء الكوانتية la physique quantique بأنه لا يمكن التنبوء بالأحداث بدقة لا متناهية حيث يوجد دائماً درجة ما من اللادقة وعدم اليقين incertitude وهدف العلم كما هو معلوم هو صياغة جملة من القوانين تسمح بالتوقع والتنبوء preacute;dire بالأحداث ولكن ضمن حدود مبدأ اللاحتمية الكوانتي principe drsquo;indeacute;termination quantique. ولم يتمكن أي من العلماء المعاصرين من حل معادلات الفيزياء الكوانتية بدقة علمية صارمة لا تقبل الطعن أو الدحض. واليوم تتجدد معلوماتنا بمجموعة من القوانين المكتشفة التي تسيير المادة وسلوكها في كافة الظروف عدا حالات شاذة خاصة في مجالات الكيمياء والبيولوجيا لكننا لم نتوصل بعد إلى أجوبة ناجعة وشافية لكثير من التساؤلات الجوهرية والمعضلات التي تطرحها هذه المحاولات العلمية على سبيل المثال لم يتمكن العلماء لحد الآن من وضع السلوك البشري في معادلات رياضية صارمة وحاسمة.

[email protected]