الخطاب المؤثر و البليغ و الذي ألقاه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص طلب العضوية لفلسطين، لم يکن مجرد خطاب سياسي عابر او عرضي کأي خطاب آخر بهذا الخصوص، وانما کان خطابا عميقا جدا طرح فيه ضحالة الموقف الدولي إزاء واحدة من أهم القضايا السياسية المعاصرة حساسية و أهمية و خطورة وفي نفس الوقت جسد عمق القضية الفلسطينية و بعدها الانساني الاستثنائي، و نجح في نفس الوقت في إيصال رسالة(قضية و موقف)بلسان الشعب الفلسطيني المظلوم طوال العقود الماضية الى الضمير الانساني.

محمود عباس، ذلك الرجل الذي نفض عن نفسه رداء الرئاسة التقليدية و ظهر بدثار زعيم کبير بکبر قضيته، نجح أيما نجاح بليغ في دفع زعماء و قادة الدول الجالسين أمامه الى التصفيق بإيمان له و لقضيته، تصفيق ليس کأي تصفيق آخر شهده العالم في مثل هکذا إجتماعات، وانما کان تصفيقا من القلب و عن إيمان کبير بعدالة القضية المبدأية الانسانية التي يطرحها الزعيم الفلسطيني محمود عباس، والحق أنه قد أثبت و ببلاغة عباراته و دقة إختياراته للمفردات من أن(الکلمة أصدق من الرصاصة) مع الاعتذار الشديد للشاعر الکبير أبو تمام، الذي قال:(السيف أصدق أنبائا من الکتب)، وبديهي أن هذا النجاح الاستثنائي يعود اساسا الى مقدار المصداقية و العمق المبدأي الذي عکسه الزعيم الفلسطيني في خطابه الخالد هذا، و دفعه العالم کله (لجلد الذات)على موقفه التخاذلي و غير المنصف و اللاأبالي من القضية الفلسطينية، وظفر بإجتياح کل العقبات و الموانع التي وضعت في طريقه بل وانه حاصر الولايات المتحدة الامريکية في عقر دارها مثلما توفق في إلحاق هزيمة(سياسية تأريخية)نکراء بإسرائيل و لقن ساستها درسا بليغا في السياسة.

وعندما إندفعت الجماهير الفلسطينية في مدينة رام الله الى الشوارع إبتهاجا و فرحا بهذا الخطاب(الخالد)و(الکبير)الذي هو جدير بأن يسمى بخطاب النصر، فإن العالم کله قد وجد نفسه مع هذه الجماهير و شارکها فرحتها الاستثنائية في تأريخه الذي يتوزع على محطات جلها بنيت و شيدت بآجر و اسمنت المآسي و الاحزان و النکبات، نعم، فقد تمکن محمود عباس و بعد عقد طويلة من سير الشعب الفلسطيني على الاشواك و الالام من أن يدفعهم للسير على طريق تطل من جانبيه أکاليل الغار و أغصان الزيتون و أهدى لشعبه و للإنسانية فرحة لم تکن في الامکان أبدا لولا حنکته و درايته و حکمته و عمق فهمه و إستيعابه و عکسه لقضية شعبه، بل وانه قدم من خلال خطابه البليغ هذا للشعب الفلسطيني، مالم تتمکن من تقديمه کل الحروب التي خاضتها الدول العربية منذ عام 1948 إنتصارا للقضية الفلسطينية.

لم يدر بخلدي يوما أن أحلم ذات يوم بأن أکون فلسطينيا، لکنني و بعد أن سمعت هذا الخطاب البليغ و العظيم لمحمود عباس، تمنيت من أعماق قلبي لو کنت فلسطينيا، طوبى لفلسطين و شعبها المظلوم بهذا الزعيم الابي!