مر عام كامل على نهاية حكم وحياة عقيد ليبيا السابق وملك ملوك إفريقيا و ( أمغار ) صحرائها و الذي دخل عالم السياسة الدولية في أواخر ستينيات القرن الماضي عبر إنقلابه العسكري ضد الملك الوديع الراحل إدريس السنوسي في الفاتح من سبتمبر 1969 من بوابة ( إمانة القومية العربية )!! التي إدعى وراثتها ( بالنص ) عن طريق الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر؟، لقد ملأ معمر بو منيار القذافي الدنيا و شغل الناس طيلة أربعة عقود طويلة ودموية ومملة من حكم نظامه الذي إتسم بالوحشية و بالتقلبات السياسية و الفكرية و العسكرية و الإقتصادية و الإجتماعية الحادة وأفرز أوضاعا إجتماعية ليبية مؤسفة كرست للأسف التخلف بل و أسست له و تمجيد العنف و ثقافة الموت و فشل فشلا ذريعا عبر جماهيريته الفوضوية في الإستفادة الحقيقية من ثروات الليبين في تحقيق التنمية و الإنتقال بالمجتمع من قيم متخلفة لأخرى أكثر حداثة بعد أن دشن القتل و الغدر و الإغتيال و مارس جرائم دولة شنيعة ومروعة بدأت بحملة الإعدامات العلنية في الشوارع و الملاعب كما حصل مع الشهيد ( الشويهدي ) وشنق الطلاب الليبيين في الشوارع و الصالات الرياضية وهي ممارسات بربرية أستمرت في ملاحقة المعارضين عبر العالم بعد وصفهم بالكلاب الضالة و تواصلت مع تصفية رفاق الإنقلاب ذاتهم بطرق وحشية بعد شرائهم من الدول المقيمين بها كما حصل مع الرائد ( عمر المحيشي )! بل أن جرائم النظام لم تقتصر على شعبه و أبناء وطنه بل توسع إقليميا ودوليا ليشارك في حروب عسكرية كلفت الشعب الليبي الكثير كما حصل في تشاد وليتورط أبعد من ذلك في دعم ومساندة الحركات المسلحة بدءا من الشرق الفيلبيني و إنتهاءا بثوار الدرب المضيء الماويين في البيرو وكذلك الهنود الحمر في أمريكا الشمالية الذين أدعى وصلا بهم وقرابة!!

هذا دون العلاقات المتميزة مع العصابات الإرهابية في الشرق كجماعة أبو نضال وغيرها من الجماعات العصابية المتسربلة بالنظريات و الملاءات الثورية، إضافة لدور نظامه المفزع في إسقاط الطائرات المدنية في لوكربي وغيرها، لقد إستطاع معمر القذافي وعصابته خطف الوطن الليبي نحو المجهول و اجهز على مقوماته الإقتصادية وحتى المجتمعية مستغلا الظروف الدولية وحالة النفاق الغربية المعروفة وهو نفاق أسود وخبيث مارس كل صنوف الإستغلال و الإبتزاز، لقد فتحت روما وباريس خصوصا أحضانها لنظام العقيد الإرهابي بل ووفروا له كل إمكانيات الدعم و التغطية قبل أن ينقلبوا عليه و يحيلوه رمادا وهشيما بل ليجهزوا على كل الأسرار و الوثائق التخادمية التي تفضح أدوارهم في دعم العقيد، فكانت النهاية عاصفة و مريعة لأن من يزرع الريح لابد أن يحصد العاصفة!.. لقد تصاعدت شكاوي المنظمات الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان و منها ( هيومان رايت وتش ) من النهاية المريعة واللحظات الأخيرة في حياة العقيد ورفاقه وأحتجت على حملة الإعدامات الإنتقامية و التصفيات الدموية و الأشكال المتخلفة الأخرى في التعامل مع الخصوم و الأسرى.

داود البصري

بل أن طريقة قتل العقيد برصاصة ذهبية في الرأس في صحراء سرت قد سلط عليها الكثير من الضوء رغم أن الجميع يعلم بأن تلك النهاية كانت مرسومة و معدة في مطابخ المخابرات الدولية و أنتم تعرفون بالضبط من هي؟ فالمطلوب الإسكات الفوري لعقيد يتكلم و يهذر كثيرا و يمتلك أسرار هائلة عن طبيعة النفاق الغربي تحديدا و من يمتلك الكثير الكثير من المعلومات لابد أن يتم إخراسه و لو عبر أكثر الطرق وحشية، فالمهم أن لايفضح المستور و أن يصمت صمت القبور، تمنينا فعلا أن يخضع معمر القذافي لمحاكمة قانونية وعلنية تكون سجلا حقيقيا للتاريخ الليبي المعاصر و تضع تحقيقاتها النقاط على الكثير من الحروف و الملفات المجهولة و المغيبة، ولكنه رحل كاللصوص مثلما دخل السلطة كلص تائه.. ( المعازيب ) في الغرب المنافق لايسمحون أبدا للحقيقة أن تعرف؟ ولا يريدون لشعوب الشرق أن تخرج من غفلتها وهم بكل إمتياز ( يقتلوا القتيل ثم يمشوا في جنازته ) وبراءة الأطفال في عيونهم؟ لقد كتب على طغاة الشرق القديم أن تكون نهاياتهم عميفة وعاصفة مثل بداياتهم، كما حصل مع الكثير من زعماء العالم الثالث فالأباطرة منهم إنتهوا نهايات مأساوية محزنة بعد أن تشردوا و لفظتهم كل مستشفيات و مستوصفات الدنيا كما حصل مع ملك الملوك الآريين وشاه إيران محمد رضا بهلوي الذي مات كمدا وحسرة مطرودا و مطاردا في مصر عام 1980 وكما حصل مع اللص الزائيري الكبير والجلاد الشهير موبوتو سيسي سيكو الذي مات معزولا و مطرودا و مطاردا في المغرب في تسعينيات القرن الماضي بعد أن منعه الفرنسيون من التمتع بثرواته المسروقة و المختزنة في الديار الفرنسية!، وكذلك كان الحال مع بطل أم المعارك العراقية صدام حسين الذي إعتقله الأمريكان مجنبين إياه مصيرا كان سيكون أبشع من مصير معمر القذافي لو أنه وقع بأيدي الجماهير المسحولين بسحل حكامهم ثم البكاء عليهم!!! ثم أعدم بعد محاكمة شكلية وذات أبعاد طائفية لم تراع أبدا حقيقة إرتباطات نظامه الدولية و دوره الكبير في إعداد العديد من الملفات الإقليمية الخطرة و التي تقف خلفها بطبيعة الحال الأجندات الغربية المعروفة.. لقد رحل بليل بهيم كما دخل القصر بليل أسود ليتسلم الراية من بعده طغاة صغار جدد وطائفيون يحاولون اليوم بناء إستبداد من نوع جديد و مختلف ولكن لن يسمح لهم بالتعملق كما كان الحال في الماضي!!

فأصول لعبة الأمم وقواعدها قد إختلفت بالمرة؟، لقد تصاعدت الشكاوي الدولية من نهاية العقيد القذافي المريعة و لكن أحدا من تلكم المنظمات لم يسال أبدا عن معاناة الشعوب و العوائل و الأفراد التي عانت من نتائج حكم الأنظمة الإستبدادية؟ من يبكي اليوم على مصير 66 من شخصا من حماية العقيد الذي كان؟ تراه هل إلتفت لمعاناة أسر أكثر من 1200 إنسان و شاب ليبي قتلهم القذافي و السنوسي و موسى كوسا بساعة واحدة في سجن بوسليم الليبي في ظل النظام الدولي الجديد في صيف عام 1996؟ لماذا لا تقام البواكي على شهداء الشعب الليبي وهم بمئات الآلاف، بينما تتطاول الألسنة على النتائج المرة التي غرسها النظام الليبي المتوحش في نفوس الشعب الليبي؟... إيه يا نفاق الغرب لقد تجاوزت الحدود..؟ المشكلة في كل الطغاة هو أنهم لا يتعظون أبدا و لا يأخذون العبرة وهم قراء فاشلين للتاريخ، فما أكثر العبر و ما أقل الإعتبار.. و اليوم يكرر مماليك الشام يقيادة المجرم السفاح ووريث عرش الجريمة بشار الوحش سيناريو الموت الشامل، وغدا سينبح المجتمع الدولي ضد أحرار الشام و الذين بسواعدهم سينتقمون لدماء الأحرار.. وسيقتصون من الطغاة و الشبيحة و من والاهم وسار على دروب جرائمهم الشنعاء، فتابعوا و تأملوا... ففي النهاية لا احد يتعظ...؟

[email protected]