من البديهي ان يغترب الإنسان عن ذاته ومحيطه، إذا غابت عنه القيم أو تضاربت نظراً لأهميتها البالغة، كونها تعمل على توازن البيئة الاجتماعية الناتجة عن الأفعال البشرية، ذلك ان التنشئة تعتبر من أهم المقومات التي تساهم في بناء فكر الإنسان ووعيه الثقافي والاجتماعي والسياسي وتُكسبه قواعد السلوك والاعتقادات والالتزامات من جيل إلى جيل.

ان هذه المكتسبات تلعب دوراً رئيسياً في ان يكون الفرد عضواً فاعلاً وايجابياً في المجتمع، فينتج عنها تحديد الهوية ورسم الشخصية التي يتمتع بها، وتنفيذها خلال الحياة بمجالاتها المختلفة وتبني المفاهيم الدينية والسياسية وتباين الآراء والحريات.

فهذه القيم غير قابلة للانتهاك بالمنظور الواقعي الا أنها قابلة للتشويش أو التغيير، بسبب لجوء الساسة في العالم في بناء إدارة سياسية في الدول وتكوين سيادة

عبدالله آل الحصان
تخدم سياسة هذه الدول وتعمل على تنفيذ أهدافها وتطلعاتها، نتج عنها تحولات متباينة نحو التكامل وأخرى نحو التشرذم بحسب طبيعة هذه الدول وبينتها الاجتماعية وظروفها السياسية.

استطاعت بعض الدول العمل على تكوين فكري ثقافي يخدم سياستها وأهدافها ونجحت في تغييب الوعي والإدراك وتشتيت انتباه الأفراد فيها، حيث أصبح الفرد غائباً عن نفسه قبل الآخرين غير مدرك لقدراته وميوله والمشكلات التي تواجه مهما كان نوعها.

إلى وقت قريب، كانت الدول بأجهزتها المختلفة تتحكم في البناء الثقافي للأفراد داخل مجتمعاتها، وتمنع الغزو الفكري والاقتصادي، مما ساهم في وجود هوية وطنية خاصة تنطوي على معانِ ودلالات تشكلت من نتاج يمثل علاقة متكاملة تساهم في التنمية الشاملة، غير ان هذا التحكم كان له الأثر الكبير في تكوين الانتماء بمفهومه النفسي والاجتماعي والفلسفي بين الفرد ومجتمعه الخاضع لرغبات هذه الدول بغض النظر عن وجود تصادم وتقاتل ذاتي لدى الأفراد بين الحق والباطل.

في ظل الانفتاح الحالي، ما هو مطلوب فعلياً من الدول كحق للأفراد في مجتمعاتها ان تكون العدالة والمساواة والحريات أساس في بنائها، معتمدة على ثلاث ركائز هي ؛ قضاء مستقل ونزيه وصحافة حرة مستقلة ومجتمع مدني قوي وفعال يعزز المكونات الاجتماعية التي تنتج عنها الهوية الوطنية.

لهذا وجب على الأفراد زيادة مداركهم وتكوين فكري ثقافي أساسه القيم السليمة، دون الالتفات إلى دعوات التشويش التي تحاول بعض الدول بثها من حين لآخر، أو العولمة التي بات لها تأثير سلبي ساهمت في تلاشي الهوية الوطنية والانتماء والفكر الثقافي لديهم، والابتعاد عن الإشكاليات المتشابكة وضعف مستوى الاندماج الاجتماعي، والعمل بشكل جدي من قبل الأفراد على استثمار الإمكانيات الذاتية، إضافة إلى تحديد الفرد لأهدافه وتكيفه مع نفسه واتخاذ موقف يتوافق مع البنية الفكرية والقيم لدى الفرد مما يساهم في تكيفه ايجابياً وبناء مجتمعه.


[email protected]