هم قديمون قدم بابل فى العراق منذ آلاف السنين قبل المسلمين والمسيحيين كان اليهود موجودين. بابل مهد الحضارات مولد العبرانيين .. وأرض الرافدين كانت مولد إبراهيم خليل الرحمان وأبو الأنبياء موسى وعيسى ومحمد (وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى) ..جد الديانات التوحيدية الثلاث الواردة فى القرآن الكريم... إبراهيم هو جد بنى إسرائيل وقد ترك أور المدينة القديمة شرق الفرات سنة 1900 قبل الميلاد ليهاجر إلى أرض الميعاد كما جاء فى بعض كتب التراث. القرآن الكريم يعتبر اليهود من أهل الكتاب، ونبيّهم موسى ونزل عليه التوراة وجاءت عشرات الآيات فى حقهم مثل قوله تعالى (ولقد آتينا بنى إسرائيل الكتاب والحكمة والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على العالمين) سورة المجادلة- الآية 16

حار الفقهاء والعلماء والمفسّرون كيف فضّل الله بنى إسرائيل على العالمين جميعا كما ورد غير مرّة فى القرآن الكريم

واعتبرت الديانات الثلاث أهل الكتاب ذات المشتركات التوحيدية من حيث الأصل الإلهى والمعاد الأخروى والمبادئ المشتركة (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) فى الأصول التوحيدية الواحدة، ماداموا -موسى وعيسى ومحمد- أنبياء من الله (لا نفرّق بين أحد من رسله) لأنهم فى خط واحد ومبدأ واحد وهدف واحد ومبعوثين من إله واحد ولا يعقل تعارضهم أو تناقضهم (قل كلّ من عند الله) والله واحد

عندما دخل المسلمون العراق عصر الخلفاء الراشدين فإن اليهود قد رحّبوا بهم، حيث كانوا مضطهدين من الفرس الساسانيين وكان لليهود مدرستان كبيرتان أولاهما فى مدينة سورا (النجف حاليا) والثانية فى فوم بريثا (الفلوجة حاليا) وهكذا

عيّن الإمام على بن أبى طالب مبعوثا يهوديا له إلى الخوارج كما ذكر الطبرى والمسعودى وابن الأثير من كتب التاريخ

وأما فى العصر العباسى فقد فتحت مدرستان كبيرتان لليهود ببغداد حيث صار المركز الدينى للإفتاء لهم فى العالم... ومع قدوم الصفويين الفرس حيث كانت الحملات القاسية والإضطهاد كبيرا... وفى العهد العثمانى كان لليهود ثقلهم الكبير الإقتصادى والثقافى والإجتماعى المتميز

وأسست عام 1840 م المدرسة اليهودية الكبرى المسماة بيت زيلخا لتخريج الحاخامات المتخصصة فى الدين اليهودى

فى تاريخ العراق الحديث كان لليهود وجودهم فى المدن الأساسية كبغداد والموصل والبصرة وكذلك الحلة والسليمانية والناصرية والعمارة والديوانية والعزيزية والكفل وأربيل وتكريت وغيرها كالنجف حيث اشتهر حيهم (عكد اليهود) بل وجد بعضهم بشكل أقل فى الأرياف... وساهم اليهود فى بناء الدولة العراقية وتطوير الإقتصاد العراقى وكان أول وزير مالية يهودى وهو حسقيل ساسون عام 1921م ودوره الرائع فى المفاوضات مع البريطانيين لخدمة العراق

رثاه الشاعر معروف الرصافى قائلا

ألا لاتقل قد مات ساسون فقل تغور من أفق المكارم كوكب

فقدنا به شيخ البرلمان به ليله الداجى إذا قام يخطب

وفى عام 1932 م كان إبراهيم الكبير أول من وضع النقود العراقية. أما مناحيم صالح دانييل فقد أنشأ من ماله الخاص (الميتم الإسلامى)... وكان لهم دور واضح فى النشاطات الإجتماعية والثقافية الإسلامية

كيف لا وقد قال أنور شاؤول

إن كنت من موسى قبست عقيدتى فأنا المقيم بظل محمد

وسماحة الإسلام كانت موئلى وبلاغة القرآن كانت موردى

سأظل ذياك السموأل فى الوفا أسعدت فى بغداد أم لم أسعد

وأدار اليهود أول بنك عراقى ودورهم فى عجلة الإقتصاد كان باهرا ومتميزا... ولهم خدمات جليلة كبيرة يمكن ملاحظتها فى كتابين رائعين: الأول (أعلام اليهود فى العراق الحديث) للأديب الكبير والمؤرخ الإقتصادى اليهودى العراقى مير بصرى حيث ذكر أكثر من مائة شخصية يهودية لها دورها العراقى الرائد فى مختلف المجالات الفكرية والأدبية والإقتصادية والسياسية والإجتماعية والفنية والصحفية...، والكتاب الآخر (تاريخ يهود العراق) للكاتب مازن لطيف وقد جمع تسعا وأربعين مقالة وفيها تاريخهم وشخصياتهم مع أدوارها فى العراق الحديث

عشقوا العراق وقدّموا له الغالى والنفيس عشق السموأل المضحى بولده وفاءا وإخلاصا وأمانة مرددا

إذا المرء لم يدنس من اللوم عرضه فكل رداء يرتديه جميل

لكنه حصلت محن وآهات ومآسى من أرباب السياسة مثلا فى الأربعينات حيث قتل الكثيرون وسلبت أموالهم وأحرقت محالهم وسنت قوانين ضدهم منها إسقاط الجنسية العراقية وتهجيرهم بينما أصدر محمد الصدر رئيس الوزراء آنذاك تفريقا بين الصهيونية واليهودية وعدم الإلتباس والخلط بينهما وأصدر فقيه الشيعة محسن الحكيم وفقيه السنة نجم الدين الواعظ باحترامهم وحرمة الإعتداء عليهم

بينما قال الشاعر جميل صدقى الزهاوى

عاش النصارى واليهود بتبعة والمسلمون جميعهم إخوانا

وقال الشاعر معروف الرصافى

وهل هم فى الديانة من خلاف نصارى أو يهود ومسلمونا

وخسر العراق كوادر وكفاءات وشخصيات وطنية لها دورها الرائد والمتميز حتى فى ساحات المهجر رغم الهجرة وعشق الأوطان

العجيب رغم فساد النظام الإيرانى فإنه حافظ على اليهود ومعابدهم وحقوقهم حتى فى البرلمان (الإسلامى) المزعوم واستفاد من كفاءات يهودية بارعة بينما العراق المحتاج جدا لهم، قد خسرهم وهو يدعى الديمقراطية واحترام الأديان والمذاهب والأقليات وإرجاع حقوقهم المسلوبة حتى أعيد إلى البعض بيوتهم وبعض حقوقهم ومقاعد برلمانية ومواقع حكومية... أليس من الإنصاف أن يشرّع قانون فى إعادة جنسية اليهود العراقيين وإرجاع حقوقهم المسلوبة وأن تكون لهم مقاعد فى البرلمان أسوة بغيرهم من الأديان والأقليات وهذا ما يحتاجه العراق فى أبناء وكفاءات مغيبة مهجّرة تقدم خدماتها للمهاجر الغريبة وهى العاشقة للوطن والمحياة بذكرياته
وآلامه وآماله