ألم أقل أنني متأكد من العفو عنه،
كتبت ونشرت في الأول من فبراير 2012 مقالة بعنوان (نداء إلى الملك عبد الله الثاني...متأكد أنّه سوف يستجيب له)، حول قضية الحكم بالسجن سنتين على الشاب الأردني عدي أبو عيسى (18 عاما) الذي قام بحركة انفعالية فوق مبنى بلدية الطفيلة أحرق فيها صورة الملك عبد الله الثاني. وسردت في المقالة الحيثيات الإنسانية ونداء منظمة هيومن رايتس ووتش للعفو عنه، واعتذار عائلة الشاب والشاب نفسه، وذكّرت الملك عبد الله الثاني بأنّ حرق صورته لا يرقى للعديد من الإساءات التي تعرض لها الرسول صلى الله عليه وسلم من بني قومه القرشيين، فكان دوما متسامحا يقابل الإساءة بالحسنة (وادفع بالتي هي أحسن). وقلت في نهاية المقالة: (واعتمادي في إيصال هذا النداء لجلالة الملك عبد الله الثاني أولا على مستشاره الإعلامي الزميل الأستاذ أمجد العضايلة، المعروف بتواضعه واستماعه الشديد لكلّ ما يهم الأردن في كافة الميادين خاصة حرية التعبير وإبداء الرأي والدفاع عن المظلومين. وكي يضاف هذا العفو للمسيرة الديمقراطية وسقف الحريات التي يعيشها الأردن، خاصة أنّه في الأسابيع الماضية صدرت قرارت عفو عن سلفيين إسلاميين، هذا الشاب المراهق أولى منهم بالعفو الملكي الذي أنا متأكد من صدوره).

وهاهو قد صدر العفو الملكي
وكم كان خبرا سارا و مميزا، يضاف لمسيرة حقوق الإنسان وحرية التعبير في الأردن، أن أصدر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، يوم الأربعاء التاسع والعشرين من فبراير (أي بعد 28 يوما من ندائي له) عفوا خاصا عن هذا الشاب، وكما جاء في بيان الديوان الملكي quot; أنّ الملك عبد الله الثاني أوعز للحكومة بالسير بإجراءات إصدار عفو خاص عن المواطن عدي أبو عيسى الذي كانت محكمة أمن الدولة قد قررت سجنه لمدة سنتين بتهمة المسّ بكرامة الملكquot;. وهذا عمل عربي غير مسبوق خاصة عندما يتعلق بإهانة الرئيس أو الأمير أو الملك أو السلطان، وهذه هي تسميات من يحكمون 22 دولة عربية، فقد أنتجت الثقافة والتربية العربية عبر عدة قرون مضت أنّ الحاكم أيا كانت تسميته هو من المحرمات الممنوع الاقتراب منها إلا بالتصفيق والتمجيد والتهليل (بالروح بالدم نفديك يا....). وقد جاءت هذه السابقة الملكية الأردنية بالعفو عن هذا الشاب الذي أحرق صورة الملك، لتحمل العديد من الدلالات التي نأمل أن تسود الثقافة والتربية العربية خاصة التي يتحصن بها حكامنا:
1. من المهم الاعتراف صراحة أنّ حرق صورة أي مواطن لغرض الإساءة والتجريح هو عمل استفزازي غير أخلاقي سواء كانت صورة مواطن عادي أم حاكم البلاد أيا كانت تسميته من التسميات التي ذكرتها سابقا. لذلك من المهم ترسيخ المظاهر السلمية للاحتجاج والمطالب الإصلاحية بعيدا عن الاستفزاز والإساءات أيا كان شكلها ونوعها، لأنّ الإساءة والعمل غير الأخلاقي تفقد صاحب المطالب الإصلاحية نسبة عالية من مصداقيته. وعلى سبيل المثال من غير المنطقي ولا المقبول أخلاقيا تصادم متظاهرين في أي قطر لأنهم يشكّلوا تظاهرتين أو تجمعين لهدفين مختلفين (مع و ضد). فليتظاهر كل طرف أو جماعة لأية أغراض أو مطالب بطرق سلمية دون الاحتكاك ببعض وأيضا دون التعرض لهم من قوى الأمن.
2. الملاحظة السابقة تأخذ اعتبارا خاصا في الأردن حيث دون مبالغة أو مجاملة لأي طرف شخصي أو حكومي، أنّ مساحة حرية التعبير المتاحة والتعددية السياسية والحزبية وحجم النقد للأداء الحكومي والمسؤولين من أعلى المستويات بما فيهم أمراء من الأسرة الملكية الحاكمة، لا مثيل له في غالبية الأقطار العربية، دون أن يتعرض صاحب هذا النقد لأية مضايقات أمنية. وما تعرض له الأمير الحسن بن طلال من مقالات نقدية في الصحف والمواقع الأردنية بسبب عبارات وردت في لقائه مع التلفزيون الأردني الرسمي في برنامج (ستون دقيقة) الذي تم بثه يوم السابع عشر من فبراير 2012، لو تعرض له أي أمير أو رئيس عربي آخر في أقطار عديدة لذهب العديد من هؤلاء المنتقدين للسجون والمعتقلات، ورغم هذا النقد الحاد لم يتعرض أحد من الكتاب والصحفيين الأردنيين للسجن أو مواقعهم الإليكترونية للإغلاق، ولم يردّ عليهم الأمير الحسن بن طلال بأية مقالة، معتبرا كما أعتقد أنّه هو عبّر في البرنامج عن رأيه وهؤلاء الكتاب يعبرون عن رأيهم المخالف له، ومن حق الفرد والجمهور أن يتخذ قراره من المخطىء ومن المصيب؟.

هل يقود الملك عبد الله الثاني الربيع الأردني؟
أعرف مسبقا أنّ هذا العنوان الفرعي مثير للبعض، وربما يجرّ لي وعليّ العديد من الانتقادات، ولكن من حقي تقديم وجهة نظري عبرالملاحظة التالية التي ربما يؤيدني فيها بعض المثارين من هذا العنوان. هذه الملاحظة من خلال متابعتي للوضع الأردني المصاحب للمطالب والتحركات الشعبية، يلاحظ الجميع في الأردن وخارجه أن عجلة مكافحة رؤوس الفساد تدور بسرعة مذهلة لتطال رؤوسا لم يكن أي أردني أو عربي يحلم أن العجلة ستصل لهم، خاصة بعد الحجز على مدير المخابرات السابق محمد الذهبي الذي بدأت التحقيقات معه في ملفات فساد تتعلق برشاوي وتبييض أموال تصل لحدود خمسين مليون دولارا حسب ما تمّ نشره حتى الآن. ومن المستجدات المثيرة ما نشره الإعلام الأردني أيضا :
(قرار مدعي عام عمان القاضي محمد الصوراني بعد اجتماع مطول عقد مع اللجنة المكلفة بالتحقيق في قضاية الفساد بمخاطبة النائب العام القاضي الدكتور ثائر العدوان بالطلب من مجلس النواب السير بالاجراءات الدستورية والموفقة على احالة رئيس الوزراء السابق الدكتور معروف البخيت و ثمانية وزراء اخرين معه للبدء باجراءات التحقيق والمحاكمة المتعلقة بملف قضية الكازينو. ويشار إلى أن الوزراء المحالين للتحقيق هم: معروف البخيت - رئيس الوزراء، عادل الطويسي- وزير الثقافة، باسم الروسان - وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، سهير العلي - وزيرة التخطيط والتعاون الدولي، خالد الإيراني - وزير البيئة، حسني أبو غيد ا- وزير الأشغال والإسكان، محي الدين توق - وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء، سالم الخزاعلة - وزير تطوير القطاع العام).
وحسب اعتقادي أنّ هذه التحقيقات المثيرة في قضايا فساد عام شكى وما يزال يشكو منها الشعب الأردني، ما كان من الممكن البدء بها وفتحها مع شخصيات ما كان أحد يستطيع الاقتراب أو المساس بهم، دون أوامر وتوجيهات عليا من الملك عبد الله الثاني، خاصة أنّ الدراسات والتقارير الأردنية ذاتها، تتحدث عن حجم الضرر الذي ألحقته قضايا وفساد هؤلاء المسؤولون بالاقتصاد الأردني المعتمد أساسا بنسبة واضحة على المساعدات الخارجية العربية والغربية.

لذلك تنظر بعض دوائر القرار الداعمة للأردن،
بعين الرضا والراحة لهذه التوجهات الملكية الأردنية في فتح ملف الفساد الداخلي على مصراعيه، لأنّ هذا هو أحد أهم مطالب الربيع الأردني الذي تقوده قيادات شبابية وحزبية من مختلف التيارات، وخاصة الإسلامية منها تصرّح علنا: نعم لاستمرار النظام الملكي وحمايته، وفي الوقت نفسه نعم عالية وصريحة لإصلاحات حقيقية ومحاكمة شفافة لمرتكبي كافة ملفات الفساد، وإعادة مسروقاتهم لخزينة الشعب والدولة. لذلك تنظر دوائر القرار هذه بترقب شديد لنتائج التحقيقات المفتوحة، كي ترى هل سيتم فعلا الكشف عن كل خباياها، أم كان فتحها مع هذه الشخصيات المهمة سابقا في دوائر القرار الأردني لمجرد إلهاء الحركات والمطالب الشعبية الإصلاحية؟. هذا ما ستجيب عليه نتائج هذه التحقيقات في ظل أنّ هناك ملفات مفتوحة من سنوات ولم يصدر أي قرار بشأنها..الأيام القادمة ستجيب..وعندئذ ترى بعض دوائر القرار الداعم للإقتصاد الأردني: أنّ لكل حادث حديث...ويتفرع عن هذه الملاحظة تطورا إيجابيا يتمثل في محاولات جادة لإبعاد الدوائر الأمنية الأردنية عن التدخل في الشؤون السياسية والحركة الحزبية للبلاد، كي يتركز دورها في المجال الأمني الخاص بحماية الأمن الداخلي، وعدم المساس بأية تحركات شعبية سلمية تنشد الإصلاح والخير لوطنها. وأصحاب هذه الرؤية يعتمدون على الحماية التي قدمتها دائرة المخابرات العامة للعديد من الشخصيات الحزبية المعارضة التي تعرضت لتهديدات أو مضايقات سواء من أفراد أو مجموعات أيا كانت تسميتها. ويعزو البعض هذا الدور الإيجابي للقيادة الجديدة للدائرة التي من المؤكد أنّها استخلصت العديد من العبر من ممارسات السابقين الذين قادوا الدائرة، خاصة أنّ القيادة الجديدة للدائرة مارست العمل الدبلوماسي في أقطار عربية مما مكّنها من الإطلاع على خبرات متنوعة ومختلفة.

وجاء الإفراج بكفالة عن الدكتور أحمد عويد العبادي
ومفاجأة الربيع الأردني الثانية، كانت يوم السبت الثالث من مارس 2012 حيث تمّ الإفراج عن المعارض الأردني الدكتور أحمد عويد العبادي بكفالة مالية، وأوصلته قوات الأمن بسلام إلى منزله في منطقة السويسة. والدرس المستفاد للجميع من قضية الدكتور العبادي هو ضرورة ابتعاد المعارضة الشعبية الأردنية عن أية استفزازات أمنية، كما قام العبادي بتحدي قرار المحكمة والاحتماء بعشيرته وبالسلاح العلني، وقد كان بإمكانه إنهاء القضية بهدوء من خلال الذهاب للمحكمة وتوضيح أنّ ما صدّر عنه يدخل ضمن باب حرية التعبير وهذا من حقه، لذلك أعتبر البعض أنّ ما قام به العبادي مجرد استعراضات للشهرة فقط، مما أرغم السلطات الأمنية على تنفيذ قرار المحكمة بجلبه والاستماع إليه،لأنّه من غير المقبول في أعرق الدول ديمقراطية أن يتحدى المواطن قرار المحكمة ويحتمي بعشيرته وبالسلاح الممنوع حمله اساسا. لذلك بعد جلبه واستعادة هيبة الأمن واحترام الدولة تم الاستماع إليه واحتجازه عدة أيام، ثم صدور قرار المحكمة بالإفراج عنه عقب ذلك كما ذكرت.
إنّها تطورات إيجابية تبشر بمزيد من الانفتاح الرسمي الأردني على مطالب الربيع الأردني الذي ما يزال حتى اليوم يحتفظ بتحركاته الشعبية السلمية، المطالبة بالمحافظة على النظام الملكي، مع الرغبة الجادة في الإصلاح الحقيقي في كافة الميادين الحياتية، وهذا من مصلحة الشعب والنظام مما سيجعل نتيجة الربيع الأردني مختلفة في انجازاتها والوسائل التي أوصلت لهذه الإنجازات..فلننتظر ونرى..والعديد من الدوائر العربية والغربية المهتمة بالشأن الأردني أيضا تنتظر لترى.
[email protected]