الثورات العربية، او الحراك السياسي والاجتماعي إذا صح التعبير، الذي شهدته وتشهده بعض البلدان العربية، يتضمن في طياته إيجابيات ومحاذير عدة.

هذا الحراك بدأ في تونس مع ثورة الياسمين، عندما أحرق البوعزيزي نفسه، فكانت انطلاقة الشرارة إلى البلدان العربية الاخرى.

هذه الشرارة استمرت في مصر عندما أقدم الشاب المصري وائل الغنيم على تنظيم حركته على موقع فايسبوك تحت اسم كلنا خالد سعيد، فكان مقتل سعيد على يد النظام المصري في الاسكندرية انطلاقة لثورة سميت فيما بعد بثورة الفايسبوك.

واستمرت الثورة في مصر لتطيح فيما بعد بنظام معمر القذافي في ليبيا وها هي اليوم تحط رحالها في سوريا.

وينقسم الرأي العام العالمي والعربي حول ماهية هذا الحراك في الدول العربية، فالمتفائلون يرون ان الثورة في البلدان العربية ستكون الطريق الامثل للتخلص من النظم الديكتاتورية التي حكمت الشعوب العربية لفترات طويلة، ويشددون اليوم على وعي الشعب العربي وخصوصًا الشباب على اهمية الانتفاض في وجه أنظمة استبدت لعقود، كما يولون أهمية قصوى أيضًا الى التضامن الذي يشهده شباب العالم العربي، عندما وقفوا جميعًا وطالبوا باسقاط النظام. وترى هذه الفئة المتفائلة ان البلاد العربية ستصل حتمًا إلى ما تصبو إليه، أي الإصلاحات والديموقراطية حتى لو استغرق الامر سنوات طوال.

أما المتشائمون في ما خص مستقبل الحراك في البلدان العربية، فيشددون على الدور السلبي الذي تلعبه تلك الثورات من خلال قتل الكثير من المدنيين، ويعطون مثالاً ما يجري في سوريا، وفي حمص بالتحديد، حيث ان الإصابات لم تكتف فقط بالمدنيين بل طالت أيضًا المراسلين الاجانب، كما حصل أخيرًا مع الصحافية الفرنسية أديت بوفييه.

ويرى الفريق المتشائم ان تلك الثورات عندما أطاحت بالانظمة لم تأت سوى ببدائل اتسمت معظمها بطغيان التيار الإسلامي عليها، فانتخابات تونس بعد الثورات جعلت الاسلاميين يتبوأون المراكز الرئيسية في الحكم.

كما يرى المتشائمون ان الانظمة القديمة، رغم استبدادها، إلا انها كانت تشكل نوعًا من ضبط لشعوب لم تعتد حتى الآن على المسار الطويل للديموقراطية.

إن المتتبع لمسار الحراك السياسي والاجتماعي في الدول العربية، يرى ان هذا الحراك لم يأت أو لم يولد منظومة معرفية بديلة، لذلك تبقى محاذيره أكبر من ايجابياته، محاذير ستجعله يتخبط لسنوات قبل ان يصل الى حل، من دون ان ننسى ان هذا التخبط المستمر سيؤدي الى المزيد من الضحايا والقتل والتدمير.

ويكفي ان نلقي نظرة على الدول العربية التي اسقطت انظمتها ونتساءل، هل البديل الذي حققته أراحها وأمّن لها الاستقرار والديموقراطية والإصلاحات المرجوة؟ طبعًا لا لانها لم تستبدله بمنظومة معرفية.

ويبقى القول ان مسارًا متشعبًا وطويلاً ينتظر الدول العربية قبل ان تشرق شمس الديموقراطية والإصلاحات وتنير طريق الشعوب العربية.