تشهد الساحة العراقية استعدادات قائمة لعقد مؤتمر قمة الجامعة العربية في بغداد في نهاية الشهر الجاري، ورئيس الوزراء نوري المالكي بنفسه يقود التحضيرات وتهيئة المستلزمات وتوجيه الدعوات الرسمية باسمه وباسم الحكومة الاتحادية الى ملوك ورؤساء وامراء الدول العربية، ويتم تنسيق متواصل بين الحكومة العراقية وأمين عام الجامعة العربية من خلال وزير الخارجية هوشيار زيباري لتكملة الاجراءات والاستعدادت لتهيئة البيان الختامي واستقبال المشاركين في القمة.

ولكن الغريب في الامر، هو غياب الرئيس جلال الطالباني من المشهد وكأن القمة لا علاقة لها بالرئاسة الجمهورية، والدليل على ذلك هو خروج الرئيس من بغداد ونقل نشاطه الى السليمانية منذ بدء استعدادات المالكي وحكومته بالتهيئة لعقد القمة في بغداد، وكأن الأمر فيه خلافات وعدم توافق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وقد تكون المسألة فيها تعمد عن سبق اصرار من قبل المالكي لحجب دور الرئيس الطالباني في القمة المنعقدة في بغداد، ويفسر هذا الموقف ويقرأ منه انه تهيئة لاستلام رئاسة القمة عند افتتاحها من قبل امين عام الجامعة وأمير قطر الى رئيس الحكومة نوري المالكي لادارة القمة حسب جدول اعمالها والقاء كلمة العراق وتواصل الرئاسة الى حين عقد القمة اللاحقة في عاصمة عربية أخرى.

والسبب في تفسير هذا الموقف لحجب دور الرئيس العراقي قد يعتقد انه يأتي بناءا على طلب من الجامعة العربية او من الدول الاعضاء فيها، ولكن المستغرب ان السبب لا يعود بناء على طلب من العرب وانما يعود الى ايران، فحسب المصادر القريبة من الطالباني والمالكي تؤكد ان رئيس الجمهورية تعرض الى ضغط ايراني شديد من قبل الخامنئي واحمدي نجاد، وتم ذلك بناءا على طلب من المالكي وتنسيق معه لغرض تسويقه الى الدول العربية وخاصة للتقريب بين العراق والسعودية وبالتالي التقريب بين طهران والرياض.

والأدلة كثيرة على صحة هذه المعلومة السياسية، ومنها التقارب المفاجيء بين المالكي والعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز بخصوص العلاقات الثنائية بين البلدين والوضع الامني الاقليمي والوضع في سوريا، وقد قدم المالكي تراجعا ملموسا في موقفه تجاه موقفه السابق من الدفاع ودعم رئيس النظام القمعي بشار الاسد من خلال تصريحات بحق الشعب السوري في التغيير والديمقراطية لنقل الحكم، وابداء السعودية مرونة مع العراق لسحبه من المحور الداعم لنظام الاسد المشكل في المنطقة من ايران والعراق وحزب الله.

ويبدو ان النظام الايراني يريد من خلال نجاحه في تجميد الرئيس العراقي واطلاق الحرية للمالكي في قيادة قمة بغداد وتسويقه الى العرب، ان يحقق اهدافا سياسية تعود بالمنفعة عليها قبل ان تعود بالمنافع على العراق، وياتي هذا المشهد في ظل تشديد العقوبات الاوربية على طهران واحتمال تعرض البرنامج النووي الايراني الى ضربات عسكرية من قبل اسرائيل او الولايات المتحدة الامريكية، والاهداف الايرانية لتسويق رئيس الحكومة العراقية المدعوم من الخامنئي تنحصر بما يلي:
bull; تقريب المالكي من السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي للتخفيف من توتر العلاقات بين ايران وبين تلك الدول للمساعدة على تخفيف الضغوطات السياسية والاقتصادية والعسكرية الحاصلة على نظام طهران.
bull; تقريب العراق من العالم العربي وافهام العرب ان بغداد غير محتضنة ومسيرة من قبل ملالي طهران ومن قبل مراجعها الدينية الشيعية.
bull; الحجب المتعمد لدور الرئيس الطالباني كشخصية قيادية كردية على مستوى العراق في زيادة لعب دور سياسي على الساحتين العراقية والعربية.
bull; التهيئة لمرحلة ما بعد سقوط رئيس النظام السوري بشار الاسد بعد وصول الجميع في المنطقة الى استحالة الدفاع عنه في ظل القمع الذي يستخدمه ضد الشعب الثائر، ورسوخ قناعة تامة بقرب انهياره وخروج الاسد المستبد من المشهد السياسي للمنطقة.
bull; استغلال علاقات المالكي مع الولايات المتحدة لتخفيف التوتر بين ايران وامريكا والعمل على ايجاد طريقة لارساء تفاهم بين طهران وواشنطن.

وعلى العموم قد يكون للقرار الايراني بتسويق المالكي اهداف أخرى متعلقة بالخوف من امتداد ربيع الثورات العربية الى طهران بعد سقوط النظام السوري، ولكن مع كل هذه المشاهد تبقى مؤتمر القمة العربية المقرر عقده في بغداد بعد ايام هو الحدث السياسي البارز على الساحة العراقية، ولو ان هذه القمة لا تتوقع ان تخرج منها قرارات مهمة لانها تنعقد في ظروف غير مناسبة وحرجة للاحداث التي تمر بها العالم العربي، والقمة هي مؤتمر بروتوكولي اكثر مما هو سياسي، لان القمم العربية السابقة لم تلعب تحوليا ونوعيا في تغييرات واحداث المنطقة ولم تقدر على تحقيق اي مكسب كبير للعرب، ولكن انعقاد القمة في بغداد يمثل مكسبا سياسيا كبيرا للحكومة العراقية ودعما ايجابيا كبيرا لعراق لمرحلة ما بعد الفين وثلاثة، والامر المتوقع المميز الذي سيشهده مؤتمر القمة هو عودة العلاقات السعودية العراقية الى مستويات طبيعية مما تضفي على القمة بعض الانشراح والانفراج في العلاقات الاقليمية لبغداد، اما الأمر العراقي المميز بخصوص تجميد الرئيس طالباني من قبل ايران والذي ستشهده القمة هو تمثيل العراق من قبل رئيس الحكومة نوري المالكي وليس من قبل رئيس الجمهورية واختيار المالكي رئيس للقمة العربية القادمة لحين عقدها في الدورة التالية في عاصمة عربية، وفي ظل الاستعدادات والتحضيرات الجارية للمؤتمر والتي تتم باشراف مباشر من قبل مكتب المالكي تمت توجيه رسائل الدعوات الى رؤساء وملوك وامراء الدول العربية موقعة من المالكي وهذا امر جديد على التقليد الذي سارت عليه الجامعة العربية.

ختاما يتبين من خلال هذه المشاهد ان الرئيس طالباني قد ازيح تماما في ترأس قمة الجامعة العربية ببغداد بتنسيق بين رئيس الحكومة المالكي وايران، وان الرئاسة العراقية قد وضعت جانبا دون لعب اي دور، ويعتقد ان الرئيس طالباني احتجاجا على ذلك ترك العاصمة بغداد وتوجه الى السليمانية في اقليم كردستان، ولو ان مصدرا يشير الى توقع مشاركة رئيس الجمهورية في القمة ولكنها ستكون رمزية لا علاقة لها بالتمثيل الرسمي للدولة العراقية المحدد بالمالكي.

وهنا لابد لنا من القول، واأسفاه، أجل واأسفاه على ما يجري من تأثير وتدخل سافر وشنيع في القرار السياسي العراقي الوطني، وها قد وصل التدخل الايراني حدا لا يطاق ولا يمكن قبوله بأي شكل من الأشكال، وليعلم أهل الساسة في العراق ان السيل قد بلغ الزبى !؟.