كان من الممكن أن أعتبر الخبر الذي قرأته في 27-6-2011 مجرد خبر عن جريمة تشمئز منها النفوس.. ولكن ما قرأته في 16 -3-2012 أفزعني وأصابني بالغثيان..
خبر 27-6-2011 كان من الكاتب أيمن بن التهامي من الدار البيضاء quot; عن تسلل أربعة شبان إلى مقبرة سيدي بنعاشر في مدينة سلا، وانشتالهم جثة شابة عذراء تبلغ من العمر 24 عاما من قبرها وبعدما مزقوا عنها الكفن، شرعوا في اغتصاب الجثة جماعة، مما خلف استياء واستنكارا كبيرا في المجتمع المغربي. وضبط المعنيون بالأمر متلبسين باقتراف الجريمة داخل المقبرة، بعدما صادفهم مرور دورية للشرطة، التي انتابتها شكوك في وجود حركة غير عادية داخل المقبرة، ولكن المصيبة الأكبر أن هذا الحادث، تكرر أيضا في إحدى مقابر مدن الشمال في المغرب quot;.

أما الخبر الذي قرأته في 16-3-2012.. فهو عن فتوى الشيخ عبد الباري الزمزمي، رئيس 'الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في فقه النزول' quot;quot; أكد فيها أن الدين الإسلامي يبيح ممارسة الجنس على الجثث، شرط وجود عقد قران بين الطرفين قبل الموت.quot;quot; وبالتأكيد فإن الخلاف بدأ عبر وسائل الإعلام بين بعض علماء الدين، منهم من قال أن الموت يعادل الطلاق، لذلك ممنوع ممارسة الجنس. ومنهم من أيدّ رأي الشيخ !! وكله جدل هراء يضيع وقت وجهد المواطن ويدخله في حيرة أكبر عقليا ودينيا...

السؤال هنا.. هل علم هؤلاء الشبان بوجود مثل هذه الفتوى سابقا من خلال وجودهم في حلقات توعية دينية أعطتهم الضوء الأخضر لإرتكاب هذه الجريمة المقززة.. أم أنها الغريزة الحيوانية التي تغلبت على أي قيم إنسانية.. ولماذا كان السكوت عن هذه الجريمة البشعة طوال الثمانية أشهر السابقة.. وأخفاها الإعلام آنذاك ؟؟ لماذا لم تدور حلقات توعية مضادة كاملة للخروج بأفكار عصرية وخلاّقة لحماية المجتمع من تكرار مثل هذه الجريمة ولجم فقهاء الدين عن محاولة حتى تبريرها... وفي كلتا الحالتين أين الدولة ؟؟ لضبط رجال الدين ومراقبة خطبهم وأفكارهم التي اوصلت المجتمع وشبابه إلى هذا المستوى من الإنعدام الأخلاقي.. وكيف وصل الشيخ الزمزمي وهناك الكثيرون امثاله لرئاسة مراكز بحوث في فقه النزول.

سؤالي.. إلى متى ستبقى سلطة رجال الدين والتي ثبت بأنها لا تخدم سوى الركود المستنقعي الذي تنحدر إليه المجتمعات العربية من خلال كم رهيب من الفتاوي والتصريحات لمن هب ودب من فقهاء الدين الذين نصّبوا أنفسهم كحراس وملاّك للحقيقة المطلقة لهدف إحتواء المجتمع وإمتلاك مفاتيح السيطرة عليه سواء دينيا أم سياسيا (كما في حديث القرضاوي أخيرا وتدخله سياسيا في موضوع ترحيل بعض النشطاء السوريين والذي يهدد بإنفلات أزمة سياسية كبيرة بين دول الخليج كلها وبين حكومة الإخوان المسلمين في مصر)). كيف ولماذا وفي خلال العشرين سنة السابقة تسللت الفتاوي لتصبح جزءا من المنظومة الحياتية والإجتماعية.. حتى وحين نتسلى بالسخرية منها كما في فتوى الدكتور عزت عطية (رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر ) بضرورة قيام المرأة العاملة بإرضاع زميلها في العمل خمس رضعات لحل مشكلة الخلوة بينهما في العمل.. ولم يكتفي بذلك بل برره بأن الشرع إلزام بما ألزم الله به لا بما يريده الناس.. وأنه لو رضع كل الناس من بعضهم فهذه فائدة للإسلام.. لأن كل رجل سيحترم المرأة ولن يؤذيها..

سؤال الذي أكرره للمرة الألف.. عل هناك من يسمع.. هو لماذا هم قليلون من يتجرؤا على التصدي لفتاوي لا تمت للعقل ولا للمنطق بصلة.. ولماذا يطلب منا السكوت.. لماذا اعطينا الفتاوي والمفتين هذا الكم من التبجيل والإحترام بينما هم بشر مثلنا ولا يسعون في المجتمعات التي يتملكونها بإلغاء قدرة العقل سوى بالثراء الفاحش من فتاويهم وشعوذتهم.. والتي راح ضحيتها فتاة شابة توفيت قبل أسبوع خلال عملية إخراج الجني من جسدها؟

إن فتاويهم في تحريم الإختلاط ومنعه هي التي أدت إلى إصابة هؤلاء الشبان وغيرهم بالهوس الجنسي.. وهو ما يجر المجتمعات العربية لمواجهة الخطر القادم وهو عملية التحرش الجنسي التي أصبحت ظاهرة خطيرة في العديد من الدول العربية..

سؤالي الأخير هو ألم يسمع الشيخ الزمزمي برأي العلم الذي قاله السيد علي الشعباني quot;الباحث في علم الإجتماعquot; آنذاك quot;بأن هذه الظواهر تكشف مراحل التفسّخ، وضيق القيم وتدني الأخلاق، التي وصل إليها المجتمع وأن هذا يتجاوز الإنحراف والمرض العقلي ومن يقومون بذلك لا يستحقون الحياة. وهم ميتون أخلاقيا، وإجتماعيا، وقيميا quot;quot;...
سيدي الشيخ. أم انك تعتقد بانك أدرى بالمجتمع والله أعلم!

باحثة وناشطة في حقوق الإنسان