في الذكرى الــــ 33 على إبرام معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، الدولة الأكبر، والأهم في الشرق الأوسط، تستمر حكومة نتنياهو في إدارة الظهر للسلام مع الفلسطينيين، وتمعن في فرض الوقائع التي تكرِّس الإحباط من جدوى العملية السلمية.
وبعد أن باءت بالفشل المحاولاتُ التي جرت في الأردن، مؤخرا؛ لاستئناف التفاوض أسفر الموقفُ عن تصرفات فردية من جانب الاحتلال، كان أبرز تلك التصرفات الاستمرار في الاستيطان، في الضفة الغربية والقدس، بل والمسارعة فيه؛ ما تسبب بـــlaquo; خيبة أمل أمريكيةraquo; وانتقادات أوروبية، وتحذيرات من تأثير ذلك على مستقبل العملية التفاوضية.
وإذا استثنينا الموقف الفلسطيني والعربي المعروف، فإننا نستطيع التمييز بين ثلاثة مواقف، الأول: الإسرائيلي، وهو الذي يرى في هذا التسريع في الاستيطان، ولا سيما في القدس، ومحيطها، حقا أساسيا، غير مترتب على خطوات فلسطينية، ولا ردا، على نيل laquo; فلسطينraquo; عضوية كاملة في اليونسكو.
والثاني هو الموقف الدولي الذي عبر عنه laquo;مجلس حقوق الإنسانraquo; التابع للأمم المتحدة، ومِثْلُه الموقفُ الأوروبي الذي يشدد الانتقاد على هذه الخطوات الأحادية غير القانونية، والمهددة للحقوق المدنية والاقتصادية والسياسية للفلسطينيين.
وأما الموقف الثالث فهو الأمريكي الذي لا يقبل بالاستيطان، ولكنه يرفض تدويل القضية، والتحقيق الدولي؛ لأنهlaquo; لن يخدم قضية السلام الدائم والعادلraquo;، وأنه laquo;سيعمق الهوة بين طرفي النزاعraquo;.
ومن المعروف أن الجهة الأكثر فعلا، وتحديدا لمستقبل هذا النزاع هي إسرائيل؛ بما تملكه من قدرات على أرض الصراع، وهي الأرض المحتلة، في الضفة الغربية والقدس.
وحكومتها اليمينية التي على وزارة خارجيتها ليبرمان لا تأبه كثيرا بأحاديث العزلة الدولية، إذا قابلتها بمعتقداتها واستراتيجيتها التي تولي الأهميةَ القصوى للأرض والاستيطان.
ولا سيما في ظل الظرف الحالي الذي تتراجع فيه الآمالُ الإسرائيلية بسلام شامل مع العالم العربي، بعد المتغيرات الجوهرية، والمفتوحة على المجهول.
وبعد تصلُّب الموقف الفلسطيني الذي يشترط وقفَ الاستيطان، والاتفاق على حدود الدولة الفلسطينية، قبل استئناف التفاوض، فضلا عن معضلة القدس وحق العودة.
وفي ظرف أمريكي انتخابي يشهد، عادة، مزاوداتٍ من المرشحين للرئاسة؛ لنيل رضا إسرائيل واللوبي اليهودي، وحتى كثير من الأمريكيين الذين يُكِنُّون تعاطفا عميقا مع مَنْ رسَّخَ لهم الإعلامُ الأمريكي صورةَ الضحية، والدولةَ الديمقراطية التي يحيط بها عالمٌ عربي وإسلاميٌّ متطرف.
وقد تكون الخلاصة الأهم هنا هو تَمَكُّن القناعةِ، لدى معظم السياسيين الإسرائيليين، بأن لا يبنوا استراتيجيتهم على السلام، والتصرف وَفْقَ رؤية أحادية تستحوذ عليها ثنائيةُ الأرض والأمن.
ولهذا كان من الطبيعي، أن تقطع إسرائيل علاقاتها مع laquo;مجلس حقوق الإنسانraquo;، وأن لا تسمح لوفد المجلس بزيارتها، والضفة الغربية؛ لتفقُّد المستوطنات التي أقامتها ( ولها سابقة في رفض التعاون مع المجلس، عندما كلَّف بعثةً لتقصي الحقائق بالنظر في الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، في عام 2009م) ؛ فهي ترى أن هذه الخطوة قفزٌ على الحل الذي تدَّعيه، وهو التفاوض الثنائي، مع الفلسطينيين، يعيدا عن تدخل المؤسسات الدولية، أو القانون الدولي، وبلا مرجعيات واضحة، ولا التزامات محددة، بذاتها، أو مواقيتها.
غير أن الوضع الفلسطيني، والسلطة، تحديدا، بعد كل الزخم والتعبئة لاستحقاق الدولة الفلسطينية، هذا الوضع قد لا يسمح بمزيد من المراوحة في المكان.
ويزداد حَرَجُ السلطة، كلما تقدمت بخطوة، ولو دبلوماسية، أو قانونية؛ لأن حكومة نتنياهو ترد عليها بمزيد من الاستيطان، وتهدد بعقوبات عليها، من قبيل حجز عائدات الضرائب، الأمر الذي تحذر منه الدول الأوروبية، ولا تقبل به، أمريكا، إذا هدد الوضع المالي، للسلطة، ومس بأجهزتها الأمنية التي ليست من مصلحة الغرب، ولا إسرائيل تفكُّكُها.
وربما تستبعد إسرائيل تغيرا عربيا، حتى بعد laquo; الربيع العربيraquo; تُجاه احتلالها المتواصل للضفة الغربية والقدس وتحكُّمِها في غزة وقطاعها، وذلك لأن للعرب، شعوبا وحكاما، شؤونا داخلية، وتحديات تغنيهم، وتشغلهم، عن الشأن الفلسطيني.
وربما تقدّر أن التحول العربي، ولا سيما، في دول laquo; الربيع العربيraquo; إلى استراتيجية الحرب يتطلب كلفة ووقتا ليس بالقصير.
فضلا عن أن المواقف التي صدرت عن القوى الإسلامية، ومنها laquo; الإخوان المسلمونraquo; وlaquo;السلفيونraquo; في مصر، وكذلك، في تونس وليبيا، وليس بعيدا عنها سورية، لا تبعث على الهلع من حرب دينية قادمة، أو صراع مسلح تقوده تلك الجماعات المتورطة في تحديات داخلية.
غير أن هذه التقديرات تتجاهل أبعادا نفسية وتراكما في الخيبات فلسطينيا وعربيا قد يُعبِّر عن نفسِه بطرق غير متوقعة، وذلك حين يُسقَط الرهانُ على laquo;خيار السلامraquo;، وحين تفشل أمريكا وlaquo;الرباعية الدوليةraquo;، حتى في توفير الظروف لعملية تفاوضية، ولو شكلية.
ومن حق إسرائيل التي تتصرف بتفرد، وتنحي جانبا laquo; الخيار التفاوضيraquo; أن تقلق، بعد هذه المتغيرات العربية التي عصفت بحكام (أقوياء) ودشنت مرحلةً جديدة من توزُّعِ السلطة، وارتخاء القبضة الأمنية، في الداخل العربي، وعلى الحدود معها، كما يظهر ذلك، في شبه جزيرة سيناء، مثلا.
[email protected].