يروى أن ثعلباً كان يسير في الغابة، فلمح أسداً يقبل نحوه، فتظاهر بالمسكنة والتذلل.. وما أن اقترب منه الأسد أكثر حتى بادره بالتحايا والتبجيل والتعظيم: (أهلاً بمليكنا وسيد الغابة..!!.. أهلاً برمز الشهامة والأصول..!!).. ولما كان الأسد يعاني من فراغ معدته ويتضور جوعاً، فقد وجد في الثعلب بغيته المرجوة.. ولهذا فقد دخل في الموضوع مباشرة دون لف أو دوران.. قال للثعلب: (إسمع أيها الثعلب.. برغم ترحيبك الحار بي، إلا أنني سوف أفتك بك لإلتهامك.. فأنا جائع جداً وليس أمامي من الحيوانات سواك.. ونحن نعيش في عصر البقاء للأقوى).. لم ترتعد فرائص الثعلب ولم يجزع، بل تمالك أعصابه وابتسم بخبث للأسد وقال: (إنني أيها المليك تحت أمر طاعتك.. ولكنني أفضل لك وجبة حجمها أكبر من حجمي، ولحمها ألذ من لحمي، وهي تليق بك.. بل إنني سأشاركك فيها الطعام).. وتساءل الأسد عن هذه الوجبة؟.. فأجابه الثعلب بأنه يستطيع أن يأتيه بحمار كبير جداً.. وهنا فرح الأسد لما يحتويه الحمار من كميات كبيرة من اللحم.. ثم أذن للثعلب أن يذهب ويأتيه بالحمار.. في وسط الغابة كان الثعلب يبحث عن الحمار.. فالتقى بأعداد كبيرة من الحمير، فاختار أكبرها حجماً وأغباها وقال له: (إن ملك الغابة ndash; الأسد ndash; يدعوك لمقابلته ليقلدك وساماً على إعتبارك حماراً مثالياً).. ولما كان الحمار من طبقة الحمير البسطاء التي لم تكن لتحلم بمقابلة ملوك الغابة، فقد وجدها فرصة ذهبية تضعه على اول سلم المجد ليغدو من المشاهير.. وبالفعل.. قام باصطحاب الثعلب للسير نحو عرين الأسد، الذي ما إن رأى الحمار قريباً منه حتى زأر بعنف وهجم عليه يريد الفتك به بضربة من يده القوية.. ولكن الحمار استطاع النجاة بعمره بعد أن تمكن من الفرار، إذ أن المفاجأة قد صعقته، فأطلق أرجله للريح لينجو من شر مؤكد.. ولم يبق أمام الأسد سوى الثعلب، فالتفت إليه: (والآن.. أيها الثعلب ما العمل بعد أن فر الحمار؟.. لا أظنك سالماً مني هذه المرة).. إلا أن الثعلب تمالك أعصابه وتجلد وقال للأسد: (أيها الملك الضرغام.. ألا ترى أن في سلوكك مع الحمار ما لا يليق بك كملك؟.. أما كان الأجدر بك الترحيب به وإعطاءه الأمان.. وعندها ستسهل عليك مهمة القضاء عليه؟).
وشعر الأسد بالخجل من نفسه لما سمع من الثعلب، وطلب من الثعلب أن يوجد له الحل لمشكلة الجوع التي يعاني منها.. فقال الثعلب:
(أتسمح لي أيها الملك أن أذهب لإقناع الحمار بالعودة إليك ثانية.. بحجة أنك ستعتذر له عما بدر منك.. وهناك شرط آخر.. وهو أنك بعد أن تتمكن من القضاء عليه ألا تاكل أية قطعة من لحمه إلا بعد أن تقوم بالصلاة شكراً وحمداً!!).. فوافق الأسد وأذن للثعلب أن يفعل ما يراه صواباً.. وذهب الثعلب للحمار حيث وجده غاضباً: (كيف تقول أيها الثعلب أن الأسد يريد تقليدي وساماً بيد أنه كان يريد الفتك بي؟) فقال الثعلب: (اسمع أيها الحمار.. إن الملك لم يكن يريد الفتك بك أبداً.. وإنما كان يريد أن يعبر لك عن ترحيبه بك بحرارة، والدليل على هذا أنه الآن بانتظارك ليعتذر لك عن سوء الفهم الذي جعل الأمر يختلط عليك).. ولما كان الحمار حماراً فقد صدق ndash; بحموريته ndash; كلام الثعلب وسار معه ثانية نحو عرين الأسد، وبالفعل لقي من الأسد كل الترحيب واعتذر له حسب الخطة المرسومة مع الثعلب.. وما أن شعر الحمار بالإطمئنان حتى باغته الأسد بضربة أردته قتيلاً.. ولما هم بالإنقضاض عليه محاولاً التهام ما لذ وطاب، ذكره الثعلب بالإتفاق.. إذ أن على الأسد أن يقوم بالصلاة قبل البدء في الطعام.. فامتثل الأسد لهذا الأمر وهو يضع في حسابه تخطيطاً مستقبلياً مع الثعلب.. فقام للصلاة.. وبينما كان الأسد مستغرقاً في صلاته، أخذ الثعلب يفتح جمجمة الحمار والتهم كل ما فيها من (مخ).. ثم أعاد الجمجمة إلى مكانها.. ولما كان (المخ) هو الجزء المفضل والأثير لدى الأسد، فقد اتجه مباشرة نحو رأس الحمار وفتح جمجمته، فاكتشف عدم وجود المخ.. فقال للثعلب: (عجيب أمر هذا الحمار!!؟ إن رأسه ليس فيه (مخ!!).. فقال الثعلب: (أيها الأسد العظيم، أو تظن لو أنه كان يملك (مخاً!!).. أكان يقبل أن يعود إليك ثانية بعد محاولتك الأولى؟؟!!..