الاقتراح التونسي فيما يخص مرحلة ما بعد بشارالأسد وهي آتية كما يبدو والقاضية بإرسال قوات عربية مشتركة الى سوريا، تؤكد ما أُشيع بالايام الأخيرة بأن الرئيس التونسي الجديد قليل خبرة بالعمل السياسي، حيث كان قد صرح مرة ما معناه، بان (السياسة بشرط) حيث لا شرط بالسياسة كما هو معروف.
الاقتراح يعيد مشروع قوات الردع العربية بعد اضطراب الاوضاع في لبنان، حيث آلت بالنهاية إلى قوات ردع سورية خالصة، وربما بعض مآسي لبنان الحالية هي نتيجة ذلك القرار الذي قد يكون سليما من حيث المبدا ومن حيث جوهره، ولكن انحرت به الظروف لتكون تلك القوات سورية مائة بالمائة.
كيف يمكن لهذه القوات أن تكون بديلا عن بشار الأسد المخلوع مستقبلا بإذن الله تبارك وتعالى؟
ما هي جنسية هذه الجيوش؟ وهل هي على مسافة واحدة تبعا لدولها وأنظمتها من كل الاطياف والمكونات السورية، أي من سنة وشيعة وعلويين ومسيحيين ودروز؟ وهل هناك إطمئنان من قبل الدول الكبرى لهذه ا لجيوش التي لا ندري كيف سوف يتم اختياره وارسالها الى سوريا المنكوبة؟ وما هو موقف الجيش السوري الحر فيما لو صارله موقع وهذا المتوقع بطبيعة الحال بعد مرحلة بشار الأسد؟
الأسئلة كثيرة ومعقدة ومتشعبة، والمشاكل في مثل هذه الظروف تتناسل وتتكاثر لأن ظروف العملية معقدة ومتشعبة أيضا، وبالتالي، يبدو الاقتراح ليس صعبا للغاية، بل ربما يكون جزء من مشكلة جديدة بالنسبة لسوريا وشعبها الممتحن.
وإذا كان لابد من بديل لما بعد مرحلة بشار الاسد، وفيما غاب البديل السوري البحت، فليس هناك أقل سوءا من قوات دولية غربية، أي على غرار البوسنة والهرسك، ولتكن بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية!
لماذا؟
ربما ــ وأقول ربما لان السياسة احتمال وليس يقينا ــ هي أقرب من غيرها لفكرة المسافة الواحدة من جميع الاطراف، هذا أولا، وثانيا: هذه الجيوش هي الاصلح والاقرب للواقعية في مواجهة المد القاعدي الذي يتكهن الكثير من ا لمحللين السياسيين بأنه سوف يجد موطأ قدم راسخة له في سوريا بعد رحيل بشار الاسد، وثالثا: هذه الجيوش تشكل على الارجح مانعا قويا من تدخل الأنظمة المجاورة لسوريا لتلعب لعبتها كما في العراق، فالعراق اليوم عبارة عن صراع أجندة حدودية إذا صح التعبير، وسوريا مرشحة لمثل هذه الحالة بعد رحيل بشار الاسد، ليس لان شعب سوريا كان متفاعلا مع حكم هذه الشخص، ولأن حكمه كان يقف على مسافة متساوية من كل الأطياف والمكونات السورية، بل بالعكس تماما، بسبب سياسة التهميش والمركزية الفئوية والحزبية والطائفية، سوف تتخلق فوضى هائلة، الأمر الذي يسمح لدخول الدول المجاورة وغير المجاورة لعبة الصراع على النفوذ داخل سوريا، ولأسباب بعيدة أيضا، تصب في خانة أمن تلك الدول والانظمة القومي والوطني.
ليس لسوريا بعد رحيل الاسد سوى سوريا نفسها من حيث المبدا، وفيما تستوجب هذه الحقيقة الصارخة اتفاق كل الاطياف والمكونات السورية الآن وليس غدا على مشروع وحدوي توافقي، يضع النقاط على الحروف، ويتعالى على كل مآسي الحكم الاسدي، فإن الفوضى هي المرشحة، بل الاحتراب الاهلي سوف يستمر بصورة وأخرى، وفيما لم يتحقق ذلك، فليس البديل قوات عربية مشتركة، بل البديل هو القوات الغربية المشتركة، ولا استبعد سوف تجد أغلب مكونات الشعب السوري بهذه القوات، بعضها بدافع ديني، وبعضها بدافع عدم الإطمئنان الى مشروع القوات العربية المشتركة بسبب دوافع مذهبية ودينية، وربما حتى الأكثرية تنسجم مع هذا المشروع خوفا من مجازر تحدث داخل جسمها، فالسياسة لا ترحم، ورحيل الديكتاورية يخلق أزمات حتى داخل الاكثرية.
حمى الله سوريا وأهلها جميعا