ما زالت ملابسات مبنى الأمن القومي وقتل عدد من أركان النظام السوري غامضة، وما زالت تفاصيل حدوث العملية وهوية منفذها غير واضحة. فالنظام تعمد التعتيم على الحادث، والتلفزيون السوري لم يبث أي صورة، أما الجيش السوري الحر فسارعت عدد من فصائله إلى تبني العملية. فيما تضاربت الروايات بشأن كيفية التنفيذ، وإذا ما كانت عملية انتحارية أو عبوة ناسفة أو بالسم أو بالرشاشات.

هذه الشكوك والتكتم الشديد على تفاصيل العملية النوعية يرفع من أسهم الروايات التي تتحدث عن نشوب صراع بين أجنحة النظام، وعن إمكانية حدوث بعض الانشقاقات في الدوائر الضيقة، وبالتالي أن تكون عملية قتل أعمدة النظام هي تصفية داخلية بدعم إقليمي وتخطيط دولي.

لكن وبغض النظر عن هذه الملاحظة فإن العالم كله يتساءل عن التداعيات والارتدادات، وهنا نسجل بعض النقاط التي قد تساعد في استشراف الوضع المستقبلي لسوريا.
1-لا شك أن العاصمة السورية تشهد فوضى كبيرة في ريفها وعدد من أحيائها. الاشتباكات والصواريخ والانفجارات اقتربت من المطار ومقرات الفرقة الرابعة. الشوارع الدمشقية يسود فيها حالة من الحذر والترقب، وليس واضحا بعض حجم المعارك ومدى نجاعتها، وهل هي ما زالت محصورة في أحياء وشوارع معينة، أم إنها بدأت تمتد فعلا وبشكل منظم إلى مختلف أنحاء العاصمة. كما إنه ليس معروفا بعد إذا ما كان النظام استوعب الصدمة، وما زالت وحدات جيشه وقواه الأمنية متماسكة وقادرة على استعادة زمام المبادرة. أم أن الأمور بدأت تخرج عن السيطرة، وفي هذا السياق تطرح تساؤلات مهمة حول مدى استغلال الجيش الحر لحالة الذهول التي أصابت النظام، وهل كان جاهزا ومستعدا لما بعد العملية أم إنه تفاجأ كما تفاجأ النظام. هذه التساؤلات تجيب عنها التطورات التي تحملها الأيام المقبلة. فإما أن تكون الضربة قاضية فتستدعي المزيد من العمليات النوعية والانشقاقات، فضلا عن اتساع رقعة المعارك، وبالتالي السقوط الدراماتيكي للنظام، وإما أن يستوعب النظام الصدمة ويعيد السيطرة على بعض الأحياء الدمشقية، وتعود الأمور إلى مربع الكر والفر، ويستمر الكباش العالمي بين روسيا والغرب. في هذا السياق نضع تصريح وزير الخارجية الروسي بأن معارك حاسمة تدور في دمشق.

2-من المرجح أن تشهد الأيام المقبلة ارتفاعا واضحا في حجم العنف والقتل والدمار. وستسجل القرى والمدن والأحياء السورية الفصل الدموي الأعنف في عمر الثورة السورية. النظام سيضرب هذه المرة بقوة مفرطة جدا لاستعادة هيبته والحفاظ على نفسه. فالنظام لم يستخدم سوى ثمانية بالمئة من قدراته العسكرية (كما قال وزير الإعلام السوري عمران الزعبي) فكيف سيكون حجم الدمار في حال استخدم معظم قدراته.

3-استهداف مبنى الأمن القومي في منطقة الروضة بالقرب من أحد منازل الرئيس بشار الأسد بعث بإشارات تحذيرية بأن يد المعارضة باتت قادرة على الوصول إلى أي هدف، كما أن قتل قيادات الصف الأول تشير إلى أن أي ضابط مهما علت رتبته بات في دائرة الخطر. الأمر الذي قد يسرع من وتيرة الانشقاقات.

4-هذه العملية قد تشجع عدد من السياسيين والسلك الدبلوماسي إلى الانشقاق عن النظام، في ظل التحليلات التي تقول أن النظام يطوي أيامه الأخيرة.

5-عززت العملية من ثقة المعارضة ورفعت من معنويات الجيش السوري الحر، وهي بلا شك ستزيد من إصرارهم على الاستمرار في تحركاتهم وتنفيذ المزيد من العمليات.

6-قد يلجأ النظام إلى استخدام بعض الأسلحة الخطيرة، أو يلجأ لفتح الجبهة مع إسرائيل وإدخال المنطقة مع حزب الله في حرب شاملة. ولعل إطلاق بعض الصواريخ على جبهة الجولان هي بمثابة رسائل تحذيرية من هذا السيناريو.

7-احتمال قيام اسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية لبعض مستودعات الأسلحة الكيماوية، أو إدخال بعض قواتها بمساندة قوات أميركية (التي دخلت الأردن مؤخرا) للسيطرة على هذه الأسلحة. هذه القضية باتت مصدر قلق لأميركا وإسرائيل كما تقول الصحف الغربية والعبرية.

في الختام، لا شك أن هذه العملية هي ضربة موجعة للنظام، وهي مؤشر قوي على اقتراب الأزمة السورية من فصلها الأخير. فالعملية شكلت منعطفا خطيرا ومفصليا، ليس في سوريا فحسب، بل بما ستخلفه من خلخلة للتوازنات الدولية. فإما أن تؤدي هذه العملية إلى تداعي النظام ومعه تداعي الحلف الروسي الإيراني؛ وإما أن يستعيد النظام روح المبادرة ويوجه ضربات قوية للمعارضين ويؤدي ذلك بالتالي إلى الدخول رسميا في الحرب الأهلية؛ وإما أن تفتح الأبواب لاختبار خيار الحرب الشاملة.

الاحتمالات الثلاثة ستغير وجه العالم، وتبدل المعادلات وموازين القوى... أسس النظام العالمي الجديد بدأ يتشكل الآن من سوريا... صدق لافروف.

*كاتب ومحلل سياسي