لأوروبا تاريخ عريق ومخز في آن. الجميل انهم يعترفون بذلك. وانطلاقا من اعترافهم يحاولون الاستفادة من الخطأ ليصبح الخزي وقودا يضيء عتمة قادم الأيام.
أكثر ما تعتبره اوروبا خزيا في تاريخها هي الحروب الدينية التي خاضتها طوال عقود، من حرب المائة عام بين الفرنسيين والانجليز وحتى الحملات الصليبية.
نحن اليوم في العالم العربي نعيش الخزي ذاته وبمباركة اوروربية غربية. واعني هنا ما يحدث في سوريا تحديدا. فنحن نعلم ان ما يدور هناك لا علاقة له بالديموقراطية، ولا بالاصلاح السياسي، وإنما هي حرب مذهبية من الدرجة الأولى. ولست افهم حتى اللحظة، كيف تمنع وزارات الاعلام في بعض الدول العربية كتّابها من الحديث عن الاصلاح السياسي في بلادهم ولا تمنعهم من تغذية أقلامهم للطائفية والمذهبية.
كتبت مرارا اني ضد النظام الحاكم في سوريا. بل وضد كل نظام سلطوي ولو كان في نيكاراجوا. لكن ما يحدث اليوم على الارض السورية يتخطى مسألة الحب والكره الى مسألة مستقبلنا كلنا في المنطقة لا سوريا وحدها.
إنها حرب طائفية، وابرز دليل عليها يأتي من داخل قلبها الملتهب.
نحن نصفق لكل عملية يقوم بها الجيش الحر دون ان نعرف ما يكون هذا الجيش الحر وكيف يمكن له ان يسقط نظاما كان هو جزء منه؟
لقد اساء الجيش الحر الى الثورة السورية في الصميم. لأنها كانت سلمية فسلحها. لقد فقد الجيش الحر حريته عندما حول الثورة الى اللون الأحمر، وعندما اصبحت غايته رهينة ما يريده الآخرون فيوجهونه وفق مصالح لا علاقة لها بالشعب ولا الحرية. والأسوأ ان الجيش الحر، حول الثورة الى حرب دينية لا تسمع فيها سوى ألوية صحابة وصيحات الله اكبر الله اكبر وكأننا في غزوة بدر او أحد.
نحن اليوم نبارك الجيش الحر الذي قالت فرق تحقيق دولية، انه لا يقل شراسة ودموية عن الجيش النظامي. نحن نبارك الجيش الحر وننتظر منه ان يزعزع النظام الأسدي، والجيش الأسدي، كغطاء شبه محتشم لما نريد ان نقول أنه علوي.
الاعلام العربي، وتحديدا الخليجي منه، يلعب دورا خطيرا في تغذية البعد الطائفي هنا. وأنا ان كنت اتفهم خوف الخليج من التغلغل الايراني في المنطقة شمالا وجنوبا، فإني اخشى ان مواجهة هذا التغلغل باسقاط النظام في سوريا سيكون كارثيا على المدى البعيد لدول المنطقة.
نحن نفكر في الآن فقط، ونسأل متى يسقط النظام في دمشق؟ لكن السؤال الأهم: ماذا بعد سقوط النظام؟ هل سيسقط النظام في طهران؟ وهل اسقاط النظام في دمشق سيضمن السلام لدول المنطقة؟ ثم من سيرأب صدع المذهبية؟ لقد ايقظنا ماردا من قمقمه، فمن سيعيده اليه؟
إنها حرب طائفية تغذيها آلاتنا الاعلامية والنفسية والدينية، من شاشات التلفاز وحتى منابر المساجد.
سيناريو اوروبا القديم الذي تخجل منه ها نحن نعيده اليوم بحذافيره، مفكرين في الآن فقط، ومتى يسقط الخصم، غافلين عن الغد، وغافلين ايضا عن أن الخصم قد يكون افضل الموجودين احيانا.
[email protected]