بيّض أبناء مخيم اليرموك وجه مخيمهم، ومعهم آلاف الفلسطينيين الذين ظلوا حتى وقت قريب يقفون موقفاً موارباً أو حذراً أو ملتبساً (سمه ما شئت)، بسبب مرارات الماضي وعبء التدخل الرسمي الفلسطيني في مواقف وأحداث سابقة في بلدان عربية أخرى، كان وقع الأزمة فيها أقل، وحجم الانقسام فيها أضعف، من خلال وقوفهم موقف المغيث للملهوف لآلاف السوريين الذين لجؤوا بداية من كافة المدن السورية التي تعرضت للقصف، ثم من العائلات الدمشقية التي طالها القصف العشوائي.
لن نقول إن خيار أبناء مخيم اليرموك الذي عمل على تحسين صورة وموقف اللاجئين الفلسطينيين في سوريا من ثورة أبناء البلد، بعد تخاذل أو انخذال (لا فرق) معظم القيادات الفصائلية وقيادة منظمة التحرير عنهم، وحتى الفصائل الموالية للنظام، فحسب، بل أنقذ دماء وأرواح الفلسطينيين الذي وجدوا أنفسهم وحيدين دون قياداتهم التقليدية العتيدة، أمام مفترق طرق: إما أن تنحاز إلى الشعب أو إلى النظام.
وإذا كانت القيادات الفلسطينية التقليدية من فصائل ومنظمة تحرير قد اختارت لنفسها حلاً quot;ذكياًquot; بالخروج والنأي بنفسها عن الأزمة السورية، فإن وجود ما يقرب من نصف مليون فلسطيني في سوريا جعل من مسألة النأي بالنفس والابتعاد عن مكامن الخطورة والقصف والاشتباكات أمراً متعذراً ما لم يكن مستحيلاً بسبب التمازج الاجتماعي بين السوريين والفلسطينيين، وعلاقات القربى والمصاهرة والدم التي تجمعهم، والتداخل الديمغرافي بينهم في كثير من الأحياء، حتى مخيم اليرموك الذي يصنف كواحد من أكبر مخيمات الفلسطينيين في سوريا، يهيمن عليه الشارع السوري بنسبة تقرب من الواحد إلى أربعة.
لم يكن أمام المخيمات الفلسطينية من خيار سوى الوفاء ورد الدين والجميل لشعب فتح قلبه قبل بيوته لآلاف اللاجئين الفلسطينين، فتحول المخيم وفي صمت متعمد من قبل أهاليه، إلى واحة لإغاثة آلاف السوريين الهاربين وإسكانهم في بيوتهم، ومن ثم تحول المخيم إلى مركز طبي واستشفائي لعشرات الجرحى من القصف المركز والعشوائي على أحياء مجاورة لمخيم اليرموك، الأمر الذي استنفر وجرى مع المزاج الشعبي هيئات الإغاثة الطبية التابعة للمنظمات والهيئات الفلسطينية الفصائلية، وبالذات منها الإسلامية التوجه، ليقتسم ابن مخيم اليرموك مع ضيوفه لقمة الخبز ومصل الدواء.
الشعب السوري الوفي لوطنيته وقوميته وعروبته، والذي من غير المتخيل أو المفكر فيه أن تنقلب توجهاته السياسية بعد مرور الأزمة التي يكابدها، عرف للاجئين الفلسطينيين وقفتهم إلى جانبه، وتخاذل قسم ضئيل من الشبيحة إلى جانب النظام، لكن المستغرب والمستهجن في الوقت نفسه، نأي الفصائل الفلسطينية عن حماية مخيمات شعبها وضيوفه من السوريين من عصابات الشبيحة التي حاولت اقتحامه عشرات المرات انتقاماً من الهاربين من الأسر أو المدنيين العزل، لا سيما بعد حادثة تفجير مقر الأمن القومي الاسبوع الماضي.
ما يحصل في مخيمات الفلسطينيين في سوريا يتطلب من الفصائل وقياداتها مراجعة نقدية لمواقفها إزاء ما يجري، وتبني استراتيجية دفاعية عن المخيمات وضيوفها، دون أن يعني ذلك انحيازاً لفريق على حساب آخر، إن كانت الحسابات السياسية لا تزال قائمة عند البعض، كما تتطلب من محطاتها الإعلامية التي تحولت إلى مجرد quot;أبواقquot; سياسية بسبب هيمنة بعض المتنفذين الموالين للنظام السوري عليها، أن تراعي مشاعر ملايين السوريين ومئات آلاف الفلسطينيين في سوريا، الذين قضوا يومهم الأول من رمضان في إغاثة الآلاف ومداواة جراحهم، فيما كانت القنوات الفلسطينية الرسمية منها وغير الرسمية، تبث أنباء عن quot;نيكاراغواquot;، أو تعرض لوصفات وجبة الإفطار لذات اليوم، أو تستخف بعقل الشعب الفلسطيني من خلال عرض مقاطع هزلية أو فكاهية فيما يغمس لاجئو الشام من فلسطينيين وسوريين خبزهم بدماء الإفطار!؟

كاتب وباحث فلسطيني
[email protected]