ما الذي يدور في ذهن جماعة الاخوان المسلمين هذه الايّام؟ كيف يمكن ان ينقضّ الاخوان على كلّ السلطة في مصر بشكل مفاجئ على الرغم من انهم كانوا في طريقهم الى وضع اليد على البلد العربي الاكبر ديموقراطيا وبشكل تدريجي، اي عن طريق صناديق الاقتراع التي اوصلت احدهم، الدكتور محمد مرسي، الى رئاسة الجمهورية كما سمحت لهم بتحقيق نتائج اكثر من طيبة في انتخابات مجلس الشعب؟
كان في استطاعة الاخوان الانتظار قليلا، اقله انتظار ما ستؤول اليه الاوضاع في سيناء في ضوء العملية الارهابية الاخيرة التي استهدفت الجيش المصري. كان في استطاعة الاخوان العمل مع الجيش من اجل ايجاد حلول جذرية في سيناء واستيعاب خطورة الوضع القائم في غزة في الوقت نفسه.
ولكن بدل الانتظار، قرّر الاخوان استغلال حادث سيناء للانتهاء من المجلس العسكري وتصفية الحسابات معه، علما ان الوضع السائد حاليا في مصر هو نتيجة تسوية توصّل اليها الاخوان مع العسكر على حساب الرئيس حسني مبارك وافراد عائلته الذي تصرّفوا بغباء لا مثيل له في السنوات الـ15 الاخيرة من حكم الرئيس المصري السابق. فالسلطة بالنسبة الى الاخوان تظلّ اهمّ بكثير من مواجهة ظاهرة الارهاب...
كلّ ما يمكن قوله الآن: ليكن الله في عون مصر التي تواجه كمّية ضخمة من المشاكل سيكون من الصعب على الاخوان ايجاد حلول لها.
لا يمكن بالطبع الاكتفاء بدعوة العليّ القدير لمساعدة مصر، بل يبدو ضروريا اكثر من اي وقت النظر الى مستقبل المنطقة ككلّ والى الدور الذي سيلعبه الاخوان المسلمون الذين استطاعوا تحقيق انتصارات في الانتخابات التي جرت في مصر وتونس وحتى في المغرب، حيث quot;قصة نجاحquot; وتجربة مختلفة ومتميّزة تعود الى الاصلاحات الجريئة التي اقدم عليها الملك محمد السادس من جهة وكون الاخوان حزبا سياسيا لا يعمل من تحت الارض منذ فترة طويلة من جهة اخرى.
هناك بلدان عربيان كان الاخوان فيهما فوق الارض، بل كانوا جزءا من التركيبة السياسية. هذان البلدان هما المغرب والاردن حيث يؤكد الملك عبدالله الثاني انهم quot;كانوا في الحكم في السنوات الستين الماضيةquot;.
هل يفرّق الاخوان بين وضعهم في مصر ووضعهم في بلدان عربية اخرى؟ هذا ما تنبه اليه العاهل الاردني باكرا داعيا هؤلاء الى ان يكونوا quot;عمليينquot; حتى في مصر نفسها.
تساءل عبدالله الثاني في حديث ادلى به اخيرا الى شبكة اميركية اساسية:quot;هل يستطيعون ان يكونوا عمليين؟ عليهم الابتعاد عن الخطابة والانصراف الى معالجة التحديات التي تواجه الشعوب، والتي تتمثّل في الاقتصاد. لدينا خمسة وثمانين مليون شاب في هذا الجزء من العالم يبحثون عن فرص عمل، خصوصا في مصر التي تمثل تحديا كبيرا بسبب العدد الضخم لسكانهاquot;.
ادلى العاهل الاردني بحديثه الى الشبكة الاميركية قبل الاحداث الاخيرة في مصر والانقلاب الذي نفّذه الاخوان. بدا الحديث الذي تطرّق فيه عبدالله الثاني الى القضايا الشائكة، في مقدمها سوريا حيث طرح المسألة العلوية بكل ابعادها، وكأنه دعوة الى التروي قليلا واستشفاف المستقبل والى التعقل والابتعاد عن المزايدات. انها نصيحته الى الاخوان الذين لم يتردد في مخاطبتهم بصراحة متناهية عن اهمية الاصلاحات والمشاركة في الانتخابات المقبلة في الاردن.
رسم عبدالله الثاني خريطة طريق بدأت بالاصلاحات التي شملت تغيير ثلث الدستور في غضون ثمانية عشر شهرا وصولا الى الانتخابات المقررة قبل نهاية السنة. ذهب الى حد القول:quot;اتحداكم ان تسمّوا اي بلد في العالم انجز ما انجزناه خلال ثمانية عشر شهراquot;.
عرض العاهل الاردني الامور كما يفترض عرضها. دعا الى قيام حياة حزبية في الاردن مشيرا الى ان quot;الاختبار الحقيقي في الاردن سيكون في نهاية السنة، عندما ستجري الانتخابات. اريد ثلاثة الى خمسة احزاب سياسية تمثّل اليسار واليمين والوسطquot;.
كان عبدالله الثاني مباشرا مع الاخوان. اوضح لهم، ولكل من يعنيه الامر، ان سبب رفضهم المشاركة في الانتخابات المقبلة يعود الى quot;انّهم يعلمون انهم لن يحققوا نتائج طيبة. الكلّ يعلم في الاردن انهم خائفون من النتائج. لقد اجرى الاخوان عملية حسابية قبل ستة اشهر وقرروا عدم المشاركة بسبب النتائج المتوقعة. ومهما فعلنا، سيرفضونquot;. ما الذي يريده الاخوان في الاردن؟ انهم يريدون قانونا انتخابيا quot;على مقاسهمquot; يسمح لهم بالاستحواذ على السلطة واحتكارها. لكن ملك الاردن ليس مستعدا لتفصيل مثل هذا القانون استرضاء للاخوان ذلك ان quot;من الافضل ان يكون الجميع راضيا بالقانون بدل ان يكون هناك حزب واحد راضيا عنهquot;.
يتحدث العاهل الاردني عن القضايا المهمة التي يتجاهلها كثيرون. يتحدث عن التعاليم واهميته وعن الطبقة المتوسطة التي هي العمود الفقري لاي مجتمع ناجح وعن الصحة والضرائب وكلّ ما له علاقة بتطور المجتمعات والدول. انه يتحدّى الاخوان المسلمين الذين هم بالنسبة اليه quot;جزء من الاسرة الاردنيةquot;. الاكيد ان الاردن ليست مصر. هناك ملك يعرف الى اين يسير بالبلد. انه بكل بساطة يعرف ماذا يريد ويعرف خصوصا طبيعة المشاكل التي يعاني منها الاردن، على راسها الفساد. هناك وعي للسلبيات والايجابيات. هناك وعي للفشل النسبي في بناء طبقة متوسطة في الاردن بسبب الازمات والهزات الاقتصادية التي شهدها العالم والمنطقة في العامين الماضيين. يكفي لشرح معاناة الاردن الزيادة التي طرأت على فاتورة النفط والغاز...
لكنّ المهم عدم ترك الغوغاء تتحكم بالاردنيين كما حصل في مصر. لا مفرّ من قيادة الشارع بدل الانقياد له تفاديا لاخذ الاردن الى المجهول.
يبقى السؤال الاساسي. هل تزداد شهية الاخوان في الاردن الى السلبية في ضوء ما جرى في مصر اخيرا؟ ام تستوعب الجماعة ان مصر ليست الاردن وان الاردن ليست مصر وان هناك في عمّان وكل مدينة وبلدة اردنية من يعرفهم جيدا ويعرف كيف التعاطي مع الشارع حتى عندما تكون هناك جهات خارجية تشجّع على الفوضى والعنف بهدف الاستيلاء على السلطة، كلّ السلطة ولا شيء آخر غير ذلك؟
ما لا يمكن تجاهله انه نظمت في الاردن في العامين الماضيين اكثر من خمسة الاف تظاهرة. لم تسجّل اي حال وفاة على الرغم من انه كان هناك من كان يعمل من اجل ذلك. اليس ذلك سببا كافيا للاعتراف بان الاردن ليست سائبة وانها قادرة على مواجهة تحدي الاخوان بل على تحديهم حيث يجب تحديهم، عن طريق العمل الجاد على تحسين الوضع المعيشي لكل مواطن بدل بيعه الاوهام واطعامه شعارات ومزايدات؟