الضجة المثارة أمريكيا وغربيا حول التقارير المتوالية للمساعدات اللوجستية الإيرانية التي تمرر لنظام بشار أسد من خلال الأراضي و الأجواء العراقية هي في حقيقتها ضجة منافقة وسقيمة وعجفاء! لأن أبسط متابع للتحالفات الإقليمية يعلم بديهيا بأن السلطة الحاكمة في بغداد مهما إدعت من إدعاءات و تبريرات الإستقلالية في المواقف السياسية و الأمنية المركزية عن الموقف الإيراني فهي إدعاءات غير صحيحة ولا تمثل الصورة الحقيقية السائدة على مستوى ملفات إدارة الصراع الإقليمي المحتدم، حكومة بغداد و التي ما قامت و لا إنتعشت ولا توفرت لها وسائل الحياة و البقاء و الإستمرارية دون الدعم الأمريكي المباشر و الصريح و الفاعل هي اليوم تتحرك طوليا وعرضيا وفقا لإملاءات الأوامر و النواهي الإيرانية، و الموقف العراقي الرسمي الحكومي المخزي من الثورة السورية هو في حقيقته ترجمة عربية للمواقف الإيرانية و إستخداما فظا و مريعا للمصالح و الأدوات و التوجهات الطائفية التي تسير السياسة العراقية الضائعة في بحار الأزمات و الغارقة في تبعيتها المفرطة لنظام الولي الفارسي الفقيه.

داود البصري

التقارير الغربية التي تؤكد الدور العراقي في التدخل الإيراني الفظ في الشأن السوري ربما يكون صدورها قد جاء متأخرا للغاية وبعد ثمانية عشر شهرا و نيف من إنطلاقة الثورة السورية، فالداخل العراقي يعلم مليا و تفصيليا بكل تلك الملفات وطبيعة التداخلات و المصالح و إستخدام إرث تحالفات الماضي في مواجهة الثورة السورية لابد أن يفعل أدوات الإستخدام الإيراني و بشكل جوهري لضمان صمود النظام السوري بوجه ثورة شعبه المتواصلة بشجاعة وفدائية قل نظيرها في تاريخ العرب الحديث، حكومة نوري المالكي مهما إجتهدت وناورت ورفضت مزاعم التسهيلات العراقية للمساعدات العسكرية الإيرانية فإنها فاشلة حتما في إقناع المجتمع الدولي فضلا عن الرأي العام الداخلي ببراءتها، لأنه ببساطة فإن حجم مصالح تحالف دول حلف نوروز وهي ( العراق وإيران وسوريا وحزب نصر الله اللبناني ) تحتم مثل ذلك الأمر و إنفراط عقد النظام السوري وسقوطه هو بمثابة الكارثة التي تشابه مصير حلف بغداد عام 1955 حينما إنتهى مع إسقاط النظام الملكي في العراق عام 1958 بل ولربما أدهى وأمر من ذلك كثيرا، لأن التغيير الحتمي في دمشق سيمتد طوليا وعرضيا ليجتاح مواقع عديدة لربما تكون غير منظورة اليوم و لكن نتائج ذلك ستظهر تباعا سواءا في العراق أو حتى داخل إيران ووصولا لجميع مواقع الطغاة العرب دون إستثناء، وهي الحقيقة المرة التي تعرفها الدوائر الدولية المحجمة بالكامل عن التدخل الحقيقي لإسقاط النظام السوري الذي هو في النهاية واحة أمان للمصالح الغربية و الصهيونية! وتلك مفارقة غريبة تنبثق من عوالم ألف ليلة وليلة الشرقية؟

الأمريكان و الغرب إذا كانوا يراهنون على موقف حكومي عراقي مستقل عن إيران فإنهم في الحقيقة في منتهى الغباء وهم كما نعلم ليسوا كذلك مطلقا؟ ومع ذلك فاللعبة مستمرة و بأدوات طائفية مريضة لاعلاقة لها أبدا بعوالم القيم و المباديء الإنسانية، إيران هي اليوم و منذ عام 2003 هي اللاعب الأكبر في العراق بعد تدمير المؤسسة العسكرية العراقية وبيع السلاح العراقي في سوق الخردة و السكراب ومن ثم تحلل و إنهيار الدولة و المجتمع في العراق و تحوله لكانتونات طائفية أضحى معها كل يغني على ليلاه وليلى أحزاب الدعوة و المجلس و الصدريين و بقية فرقة حسب الله مريضة في قم وطهران ومقيمة هناك وهوى تلكم الأحزاب هو في النهاية إيراني محض والولاء التخادمي لإيران لايقبل المناورة ولا المساومة وإلا بربكم أنظروا ماذا فعلت حكومة العراق من أجل كف الأيادي الإيرانية عن العبث بالمياه العراقية في شط العرب و تسميمها لذلك النهر الخالد بالمياه المالحة وبقذارات ومخلفات المصانع الإيرانية؟ بل كيف تحركت الحكومة العراقية أزاء إيواء إيران للجماعات الإرهابية الخاصة والتي عفى عنها نوري المالكي و أعادها للعمل رغم تورطها في دماء العراقيين؟ وطبعا دماء الحلفاء الأمريكان و البريطانيين الذين هم ماغيرهم وسواهم أبطال تحرير العراق من صدام حسين وليس أي طرف عراقي آخر.

الشعب العراقي لم يقم بأي ثورة شعبية ضد نظام صدام حسين على النمط السوري المستمر منذ أكثر من عام و نصف، وجيش صدام حسين لم يتعرض لإنشقاق و تشكيل الجيش العراقي الحر، والأحزاب العراقية الحاكمة اليوم كانت مترهلة وفاشلة ومقسمة ومقيمة في دول اللجوء وكل حكام العراق اليوم كانوا لاجئين في الدول القريبة و البعيدة ولم يساهموا قيد أنملة في إسقاط صدام حسين بل إستثمروا الإحتلال الأمريكي ودخلوا تحت رايته وحمايته ومارسوا جرائمهم ليفوزوا بكعكة السلطة تحت الحماية الأمريكية، فأشطرهم من كان أشدهم خبثا.

ثم إستثمر النظام الإيراني وبمراقبة ورغبة غربية الوضع العراقي المنفلت من عقاله حتى تسيد ألإيرانيون الموقف و تحكموا بالمشهد العراقي وأوصلوا رجالهم لقمة هرم السلطة في العراق؟ فلماذا الشكوى الغربية المنافقة من أوضاع ساهموا هم ماغيرهم في قيامها و تشييدها؟ ولماذا اللطم و الندب الأمريكي و التهديد بقطع المساعدات عن حكومة المالكي وهم قادرون لو أرادوا على إحداث إنقلاب شامل في بغداد خلال ساعات قليلة؟ ترى على من يضحك الأمريكان؟ على نفسهم؟ أم على شعوب المنطقة؟ أم على الشعب العراقي المنكوب، الغرب و زعيمته الولايات المتحدة لو أرادت إيقاف المجزرة السورية فإنها ستتمكن من ذلك خلال ساعات عبر توجيه تحذير وإنذار نهائي للمجرم بشار وتسليح المعارضة والجيش الحر بالصواريخ اللازمة وساعتها سترون الإنهيار الكبير في دمشق و الكآبة العظمى وكؤوس السم في طهران وهروب الأذيال في العراق؟

لكنهم لن يفعلون ذلك أبدا، فقرار حرب الإستنزاف لتدمير سوريا من الداخل هو المنتصر وكل المناورات الإيرانية و الغربية والدولية ليست سوى محاولات لإطالة الوقت و تشتيت الجهود قبل تحقيق الهدف المركزي، أما العراق بحمولته الطائفية المريضة وبوضعه الإقليمي المهزوز و بحكومته التائهة و الناقصة و الفاقدة لأدنى مستلزمات الكفاءة فسيظل معبرا لكل من هب ودب طالما كان البقالون والمرضى النفسيون والجهلاء هم من يقود السفينة العراقية المثقوبة.. إنها الفوضى الخلاقة وقد رسمت معالمها على أعمدة الشرق القدي


[email protected]