ان مبدأ حرية الرأي هو احد المبادئ الرئيسية في مجتمعات الديمقراطية والذي من خلاله تصان حرية الفرد و الجماعة ضمن مظلة تضمن للجميع وبدون استثناء حقوقهم المشروعة وتكفل لهم تطلعاتهم نحو مستقبل مشرق على صعيد المدني و السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي. والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل ان حرية الرأي هي حرية السب و التشهير ؟ و الجواب لا بكل التاكيد لانه في ارقى دول العالم المتحضّروالدول الديمقراطية لا يجوز لاحد ان ينخرط في حملات التشهير اويوجه الاتهامات لاشخاص او جماعات، من التي لا اساس لها من الصحة ومن هنا يمكن القول بانه يخطيء من يعتقد ان حرية التعبير تعني حرية مطلقة اوحرية بلا حدود او حرية السب و الشتم والاهانة او الافتراء، لذالك نرى ان الاعلام وبكل اشكاله ( راديو، تلفزيون، جرائد و مجلات و انترنيت ) سلطة مستقلة تعمل بشفافية عالية تراعي السمعة المهنية و الاعلامية دون تدخل الدولة او الحكومة او الاحزاب باي شكل من الاشكال لذلك سمى ذلك المبدأ بالسلطة الرابعة و في نفس الوقت لا يستطيع احد او لا يحق لاي جهة اعلامية او غير اعلامية اواي شخص كان، ابداء الكلمات الجارحة او ان يمس شخصا بسوء او يتهمه بتهم باطلة لتشويه سمعته بدون ادلة اواثبات..

التشهير وتشوية السمعة او توجيه الاتهامات التي لا اساس لها من الصحة بحجة حرية التعبير و تعددية الاراء من محرمات المجتمع الديمقراطي و من لا يلتزم بهذه الثوابت يتعرض للمسائلة و يعاقب حسب فقرة في قانون العقوبات، فمثلا في الدول الديمقراطية، يحترم التنوع القومي و العرقي و الديني و الثقافي وذلك بعدم الانخراط في حملات التشهير و الاقتراء و نشرالاكاذيب لتشوية السمعة او توجيه الاتهامات التي لا اساس لها من الصحة.

على سبيل المثال في الدانمارك يعاقب كل من تثبت عليه تهمة الافتراء او تشوية السمعة بعقوبة قد تصل الى سنتين حسب فقرة( b 166) او بغرامة مالية ويتيح له ايضا حق الرد كمتضرر عما نشر من معلومات غير دقيقة بما يتطابق مع الحقيقة و الواقع كما يمتنع الاعلام عن التمييز بين المواطنيين بسبب العنصر او الانتماء السياسي او المذهب او الدين، اذن الدفاع عن مبادئ حرية الرأي واحترام حقوق الانسان وتجنب الوقوع في الاساءة والامتناع عن التمييز بين المواطنيين واتاحة حق الرد للمتضررين، اعتماد الشفافية يعتبر من اولويات العمل الاعلامي في هذه الدول الديمقراطية...

اما في بلداننا ذات انظمة الحزب الواحد اوذات الحكومات الاستبدادية فالعكس هو الصحيح اي ان الاعلام خاضع لها، و لا تسمح بقيام سلطات اخرى تقوم بمنافستها او معارضتها اطلاقا، بمعنى اخر ان الاعلام وسيلة لخدمة الحكومة و الاحزاب الحاكمة ويعبّر عن طموحاتها ومصالحها المستبدة و البعيدة كل البعد عن الحيادية والشفافية والموضوعية والانسانية، بمعنى اخر ان الاعلام والعمل الصحفي بكل مؤسساته تحت سيطرة الحكومة او الاحزاب لذالك نرى بان الدولة تقرر النظم و القوانين التي ترغب ان يكون العمل وفقها ولخدمتها ولمصلحتها لذلك نرى بان الطابع الشمولي مسيطر على الاعلام وعمل الصحفيين بشكل واضح...
اذن جوهر المشكلة يكمن هنا عندما يحتكرالاعلام من قبل الدولة او الاحزاب السياسية لانها تستخدمه لمصالحها، اي الاعلام يكون اعلام السلطة او الاحزاب السياسية بحمله فيروسات سياسية و مصلحية ضيقة لذلك، فأنه اي الأعلام يتحول الى وسيلة بيد ضعاف النفوس و الفاشلين مهنيا من الصحفيين الذين يكتبون ما يؤمرون به من قبل الجهات المعنية او الاحزاب السياسية للتعبير عن طموحات النخبة الحاكمة، لذالك نراهم يعتمدون على المصدر الواحد الا وهو الدولة، في حين ان تعددية المصادربما يتطابق مع الحقيقة و الواقع يعتبر من اولويات العمل الاعلامي الناجح و الحر.

اما في دول العالم المتحضّر فان الهم المهني في خدمة المجتمع تغلب على الهم السياسي مما يجعلهم دوما في موقف قوي لمواجهة السلطة وانتقادها و متابعتها وكشف نواقصها حتى شُبّّه الاعلام في هذه الدول المتحظرة بدور حارس ورقيب لكشف النواقص و الخللات في عمل واداء الحكومة، اي ان النقد وابداء الراي يعتبر حق من حقوق الانسان...

ان اعلام الدول العربية و عامة دول العالم الثالث اعلام محتكر ديماغوجي، وان تحرره يرتبط اولا بتحرر مؤسساته من سيطرة الدولة، ثانيا بديمقراطيتها و باستقلاليتها على المستويات المحلية و الوطنية و الدولية.. انذاك بمقدوره ان يصبح رقيبا على الحكومة و ان ياخذ فضاءاً مستقلا يراقب الدور الذي تمارسه الحكومة او الاحزاب لتحقيق مصالح افرادها والزامها بعدم السلطوية وبعدم تهميش الارادة الشعبية.
ان النضال من اجل تحرير الاعلام من احتكار السلطة ذو اهمية بالغة نحو الخطو الى المجتمع المدني و الديمقراطي ونحو العمل لتوسيع اثاره و شموليتها وترسيخ قيمها و مبادئها وزرع بذور الحب و التعاضد والقيم النبيلة في بلداننا التي اصبحت غير قابلة على الحياة.

ختاما اقول ان السب و التشهير والافتراء ليس مرادفا لحرية التعبير، وان لا وجود للاعلام المستقل بدون الديمقراطية الحقيقية وتحريرها من سيطرة الدولة و الاحزاب السياسية كما حصل في الدول الغربية وبمعنى انهما متكاملان ويتواجدان معا ولا وجود للاستقلال في ظل انظمة استبدادية لا تنتج غير مؤسسات استبدادية عسكرية لخدمتها ولبقائها فقط.

من واجب الاعلام الحر ان يمنح المواطن شعور المواطنة الكاملة و ان يعمل من اجل ترسيخ مبادئ حقوق الانسان و الاحترام المتبادل بين الشعوب وان يراقب اداء الحكومة ويكون اداة للضغط عليها، وان يمارس تاثيره المستقل من اجل ان تؤدي دورها بشكل يخدم مصلحة الشعب و الوطن وعليه ايضا ان يكون جسرا بين الحكومة و الفرد لايصال همومه و مشاكله دون رتوش وان يكون له دورا مشهودا لحل الازمات والغموض داخل المجتمع وان يساهم في ادارة شؤون الناس وتحريكهم وتوعيتهم للمشاركة الفعالة في عملية البناء وان يتعامل مع الحكومة على اساس انها ليست خصما بل من كونه مراقبا لادائها ومهامها بحيث تدرك الحكومة بانها مراقبة من قبل سلطة رابعة وليس العكس.