بعد أيام قليلة يمر عامان على ثورة 25 من يناير، تأتي الذكرى، وما زلنا نبحث عن مدخل يلم شمل قوى تفرقت، وأخرى تصارعت على السلطة، وتجاهلت شعب يئن تحت وطأة الجوع، والفقر، والبطالة، والمرض، قوى نظرت إلى مصالحها الضيقة، وسعت إلى السيطرة على مؤسسات الدولة، غير مدركة أن السياسة هي أن تحقق مصالح الشعب في العيش والحرية والعدالة وهي مبادىء أساسية قامت من أجلها الثورة.
نعمنا بالحرية فحولناها إلى فوضى، منحنا الله القوة فحولناها إلى ضعف، قررنا مصيرنا بأنفسنا، وتبادلنا بعد ذلك تهم الخيانة والعمالة، جعلنا أولوياتنا الصراخ والشتائم عبر الفضائيات، بدلا من البحث عن حلول لمشاكل الفقر، والصحة، والتعليم، والمواصلات، تهنا بدل أن نضع خريطة لبناء وطن تكالب عليه المتعطشون للسلطة، دون رؤية استراتيجية، فزادت المشاكل الاقتصادية، أغلقت المصانع، وأرتفع معدل البطالة، وأتسع حجم الاستقطاب، وفقد المواطن الثقة في حكامه، عزف عن السياسة، وبات شغله الشاغل البحث عن لقمة العيش.
لقد أستهلكتهم السياسة، وغضوا الطرف عن الاقتصاد في انتظار معونة صندوق النقد الدولي، وأهملوا الثقافة في إنتظار فرض رؤيتهم، وأهملوا المجتمع في انتظار تطبيق دستورهم، يتشاجرون وهم يظنون أنهم يتحاورون، يتحدثون في السياسة، ولا يطبقوها، السياسة تعني العيش الكريم، وتلبية مصالح الناس، وتوفير أبسط حقوقهم في السكن، والصحة، والتعليم والعمل.
ومن ثم يجب البحث عن مدخل لحوار حقيقي، وليس حواراً بين الأحباب والمقربين والعشيرة، حوار يشمل كل المخلصين من أبناء مصر، بهدف طرح سبل الخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية، وتقديم البدائل والخيارات، ووضع مسار واضح للتعامل مع المشاكل المزمنة، وتحديد جدول زمني لتنفيذ هذه الأفكار.
قد يكون التنافس السياسي بين الأحزاب مشروعا للوصول إلى السلطة، لكن تجاهل الفقراء من شعب مصر، يجب أن يكون خطا أحمر، فقد تحمل هؤلاء الفقراء عقوداً من الحرمان، ويظنون أن أحوالهم قد تتحسن في العهد الجديد، المؤشرات تخالف هذا الظن فالحكومة المصرية تواجه خطر تراجع الجنيه المصري أمام الدولار، وتحتاج إلى قرض بقيمة 4.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وفي المقابل عليها أن ترفع الدعم وتتبنى سياسة تقشف وترفع الدعم عن الخبز والوقود، وهذا سيزيدا فقراء المصريين فقراً.
عامان مرا على ثورة الخامس والعشرين من يناير يكفيان لوقف نزيف الاقتصاد، يجب تقليل الاستيراد لبعض السلع وأهمها القمح، فمن العيب أن تكون مصر المستورد الأكبر للقمح في العالم بعد أن كانت سلة غذائه، ورغم عدم إعلان حكومة قنديل نيتها رفع الدعم عن القمح، إلا أن كل مرة تتراجع فيها قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، تزداد نسبة الإنفاق على الدعم محليًا مما يزيد نسبة الإنفاق على الواردات بالنسبة للحكومة.
قضية رفع الدعم خيار خطير في مصر، فأحد أسباب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 كانت إرتفاع الأسعار، قبلها كانت انتفاضة يناير 1977 التي كان سببها قيام الرئيس الراحل quot;أنور الساداتquot; برفع الدعم عن بعض السلع الغذائية، وهو ما دفع ملايين المصريين للخروج إلى الشوارع في تظاهرات احتجاج، فتراجع بعدها السادات بثلاثة أيام عن قراراته، كما تراجع الرئيس quot;محمد مرسيquot; عن زيادات الضرائب التي أعلن عنها قبل أسبوع من الاستفتاء على الدستور، ثم تراجع عنها في نفس اليوم.
فلنجعل من يناير 2013 عاما للانطلاق نحو العمل، يكفى عامان من الضياع، لم نجن منهما سوي الانقسام، والفرقة، والتراجع الاقتصادي، نريد مبادرة تحمل قيم ميدان التحرير في الأيام الأولى للثورة، مبادرة تضع مصالح مصر فوق كل اعتبار، وتمكننا من دراسة مطالب المعارضة المتزنة باعتبار هذه المعارضة جزءا لا يتجزأ من المجتمع المصري، يجب أن نكف عن المعارضة لكل شيئ تتخذه الحكومة،حتي يكون الجميع جزءاً من الحل وليس جزءاً من الأزمة.
يجب أن نستعيد روح ميدان التحرير في الايام الثمانية عشرة الأولى للثورة، لا نريد الميدان الذي شهد مواقف متباينة وملتبسة، الذي كان يضم رفقاء صاروا فرقاء، كان يحتضن أناسا جمعتهم مباديء الثورة، وفرقتهم الاعيب السلطة.
إعلامي مصري