عندما غزا الأسرائيليون العاصمة اللبنانية عام 1982 حيث كنت أقيم وأصور أفلامي عن فلسطين هناك. أنقذت بعضا منها تلك الأفلام التي تحتوي على أسرار ودخل الأسرائيليون القبو الذي أخفيت فيه بقية الأفلام الروائية والوثائقية وبينها فيلم الأهوار طباعة أيطالية بسبب وشاية من مصور تم أسره. دخل الجنود الإسرائيليون القبو وحملوا الأفلام للعاصمة العبرية. كنت حملت بضعة مئات من الكيلوغرامات وسافرت إلى دمشق قبل أن يدخل الإسرائيليون القبو في كورنيش المزرعة. لم أمكث مدة طويلة في دمشق، وسافرت إلى اليونان وأقمت عشر سنوات بهوية مراسل صحفي صورت الكثير من الأفلام أيضا فأزداد حجم الأفلام السينمائية لدي. حصلت حرب الخليج بعد غزو العراق للكويت فطردنا اليونانيون وذهبت إلى الجماهيرية الليبية ndash; الإسم القديم ndash; وأودعت الأفلام بشكل مؤقت التي أصبح وزنها قرابة أربعمائة كيلو غراماً بضمنها الأشرطة المغناطيسية والضوئية الثقيلة في ستوديو quot;Cine Magicquot; في اليونان. وفي الجماهيرية الليبية حاولت الحصول على تأشيرة سفر من المغرب ولأن جواز سفري يمني جنوبي إشتراكي شيوعي تعذر علي الحصول على تأشيرة دخول. عندما أنتهت حرب الخليج عدت إلى اليونان، وعندما قرر الدكتاتور تجفيف الأهوار وسمعت عن أتلاف فيلم الأهوار كوثيقة هامة وحيدة بالتفاصيل تمكنت من الحصول على نسخة شبه تالفة من الفيلم تهريب ونسخة أخرى من فيلم بيوت في ذلك الزقاق من أيطاليا. أزداد وزن الأشرطة السينمائية التي بحوزتي ووصل وزنها مع أشرطة الصوت المغناطيسية والضوئية ليصبح قرابة خمسمائة كيلو غراماً. تمكنت من الوصول إلى هولندا والحكاية طويلة مثل أي لاجئ وبعد عام ونصف صدر القرار بمنحي الإقامة ثم الجنسية فسحبت الأفلام من الأستويو اليوناني.

فأين أحفظ كل تلك الأفلام؟!

يعرف المقيمون في هولندا أن البلدية تمنح حاويات للزبالة واحد أسود والثاني أخضر بعجلات، فقررت حفظ الأفلام في هذه الحاويات وصرت أرمي الأكياس السوداء بدون حاويات.

هذه الطريقة في الحفظ غير نظامية حيث سليلويد الأفلام يتجزأ ويتلف. وبين الحر والجليد تتعفن الأفلام وتصبح رائحتها مثل المخلل.

كنت أناضل مع المناضلين المثقفين العراقيين من أجل أسقاط النظام الدكتاتوري ليس من أجل تحرير الشعب العراقي من ربقة الدكتاتورية بل لكي أتخلص من عبء أفلامي التي بدأت تتلف، حتى أرسلها إلى مؤسسة السينما العراقية وأودعها لدى أرشيف المؤسسة. وإذا بالطيران الأمريكي يقصف المتاحف ومكتبات الأرشيف ودور السينما ليتم لاحقا تهديم ما تبقى من صالات السينما والمسرح ومؤسسات الأرشيف.

ولأن كمية كبيرة من أفلامي هي عن القضية الفلسطينية عائد إلى حيفا ومجزرة صبرا وشاتيلا وبيوتنا الصغيرة ولماذا نزرع الورد وغسان كنفاني الكلمة البندقية وليلى العامرية وغيرها الكثير قررت أن أرسل كل أفلامي إلى الضفة الغربية لدى الحكومة الفلسطينية ومؤسساتها الثقافية ومنها مؤسسة قطان الثقافية كي تحفظ هناك والسلام عليكم. قال لي المسؤول في السلطة الفلسطينية في الهاتف يا رفيق الإسرائيليون يفتحون حتى quot;...quot; على الحدود فكيف تريد أن ترسل خمسمائة كيلو غراماً من أفلام سينما كيف عم تفكر رفيق!؟

كان الجليد يتساقط والبرد يجمد الأبواب وجمد فتحة حاويات الأفلام وصار صعبا علي حتى أن أفتح فتحة الحاويات. قلت مع نفسي أن الطريقة الوحيدة لحفظ أفلامي من التلف وأرسالها إلى فلسطين المحتلة هو تحرير فلسطين من ربقة الإحتلال الصهيوني الغاصب!

سألت نفسي مثل الذي إستفاق فجأة من نومة متعبة. كيف تمكنت من نقل كل مئات الكيلوغرامات هذه من بلد إلى الآخر، من العراق إلى لبنان، ومن لبنان إلى سوريا ومن سوريا لليونان ومن اليونان إلى هولندا وأنا بدون جواز سفر ولا هوية!؟

لا بد من حفظ هذه الأفلام في مكان ما وليس سوى فلسطين المكان المناسب لحفظها ولكن بعد أن يسقط الكيان الصهيوني اللقيط.

بدأت أعد العدة لإسقاط هذه الدولة الدخيلة المسخ التي جاءت كل مصائبنا من تحت وسادتها العبرية. أصبح أسقاط الأنظمة سهلا وليس أسهل منه. بات أسقاط أي نظام من خلال قناة فضائية. فكرت بإطلاق قناة فضائية لأن القنوات صار بإمكانها إسقاط أنظمة بكاملها بدون نضال شعوب ولا قنابل فسفورية ولا خطف طائرات ولا عمليات جهادية. ربما نحث بعض المجانين من عشاق الجنة للقيام ببعض العمليات الإنتحارية وننسبها إلى الشعوب المناضلة التي لا تقبل الحيف. لا نضال ولا وجع راس. قناة فضائية تسقط النظام الإسرائيلي وتعيد فلسطين لأهلها الشرعيين. ألم يسقط العراق بقناة سي أن أن أولم تسقط الجماهيرية بقناة الجزيرة. أولم تسقط مصر بقناة العربية أو لم ستسقط سوريا بقناة المستقبل. حسنا دعنا نسقط أسرائيل بقناة فضائية مماثلة.

ولأن أمكانياتي المالية لا تسمح طبعاً بإنشاء قناة فضائية ولأنني لم أعمل سابقا مع النظام الدكتاتوري في العراق ولم يودع النظام أمواله في حساباتي حتى أستثمرها في إنشاء قناة فضائية! ولأنني لم ألتحق بالحكومة والوظيفة بعد سقوط النظام الدكتاتوري فأنخرط في عملية الفساد المالي، لذلك من الصعب أن أطلق قناة فضائية لأسقاط أسرائيل اللقيطة. فقررت أن أطلق قناة quot;On Linequot; عبر النت لأن الناس الذين يجلسون أمام الحواسيب هم أكثر من الناس الذين يجلسون أمام شاشات التلفاز.

سجلت هتاف الشعب يريد أسقاط النظام. ثم بحثت في الإنترنت وحصلت على أغنية طل سلاحي الفلسطينية. ونقلت بضعة وثائق عن اليهود وكشف أسرار لعبة الهولوكوست حيث أكداس من الجثث التي أخذت للمحارق لأن أصحابها ماتوا بسبب الوباء الذي حل بألمانيا أبان الحرب العالمية الثانية فكانوا يكدسون الجثث الموبوءة وألقائها في الأفران لحرقها حتى لا يتفشى المرض في ألمانيا أكثر فإستثمرت أسرائيل تلك الصور والوثائق السينمائية لتلصقها بالنازية وأتهامها بحرق اليهود ونجحت في ذلك إذ لا بد من أن نهز الكيان الصهيوني بالحقائق المؤكدة ونلعن أبو اللي جابهم!

بقي علي البحث عن مذيعة جميلة. التقيت بفتاة عربية تقيم في هولندا لا تكفيها مخصصات اللجوء وتريد عملا أضافيا، فسألتها كي تذيع في قناتي على الأون لاين. لم تكن الفتاة موهوبة إعلامياً ولكنها جميلة، وهذا يكفي. الموهبة غير مطلوبة. مطلوب فقط الصراخ أمام الكاميرا والإستنجاد باللجان الدولية وحقوق الإنسان. ونشر أخبار عن أسلحة كيمياوية وبيولوجية وقتل الأطفال وتهديد أمن الشعوب وكشف السجون السرية. وكل هذه المقومات لأسقاط النظام الإسرائيلي متوفرة أيضاً مثلها مثل الأنظمة العربية الدكتاتورية وأكثر فهي أيضا مثل سوريا وإيران لديها أسلحة كيميائية وبيولوجية وهي مثلها مثل سوريا والجماهيرية تقتل بدون أن يرمش لها جفن، وهي مثلها مثل العراق الدكتاتوي لديها بيوت أشباح، وهي مثلها مثل النظام المصري السابق لديها تمييز عرقي وديني، لكن المذيعة طلبت مني زيادة الأجور لأنها كما قالت لي تحتاج إلى مصروفات أضافية quot;Make upquot; ثم قالت لي أحتاج شهريا إلى عدد من الـ quot;Te shirtquot; مختلف فيه فتحة واسعة عند الصدر مشان المشاهدين!

عندما فكرت بإسقاط النظام الدكتاتوري المغتصب لفلسطين بإسم إسرائيل اللقيطة تساءلت ترى من سيشكل النظام البديل فلسطينياً؟! وزنت القوى الموجودة على الساحة الفلسطينية فوجدت أن أكبر فصيل فلسطيني يتمثل في التيار الإسلامي حماس والأخوان المسلمين. وبالتالي سوف لن أستطع نقل أفلامي إلى هناك. فغيرت رأيي بفكرة أسقاط النظام الإسرائيلي اللقيط كي أمنحه الوقت الكافي لإكمال مهمته بإسقاط الأنظمة الخليجية المتبقية الواحدة بعد الآخرى عبر قنوات فضائية سوف تقيمها البلدان المتحررة إخوانياً ضد البلدان التي جاءت بها للسلطة! فنسعد بقيام شرق أوسط جديد يتوفر فيه من ثرواتنا الأمان ويرمى لنا بفتات الخبز ومياه ملوثة آسنة، أبقار هولندا أكثر سعادة في الحصول عليها منا. شرق أوسط تقوده أسرائيل اللقيطة، وتمنع فيه مشاهدة الأفلام من تلك القنوات الفضائية في البلدان الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط، سوى عبر قناة واحدة تختار هي البرامج والأفلام المناسبة لوعينا الجديد هي القناة الفضائية الإسرائيلية.

أما أنا فسأنتظر ذوبان الجليد!

شالوم!


سينمائي وكاتب عراقي مقيم في هولندا
[email protected]