قبل سنة وثلاثة أشهر نشرت ثلاث مقالات تحت العنوان أعلاه وأعيد نشرها من دون اضافات بمناسبة تصاعد هذه تظاهرات المثيرة، واللبيب يفهم مغزى إعادة النشر:

-1-

تصريحات رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي المثيرة حول امتعاض السنة من حجم مشاركتهم في مصدر القرارات السياسية والأمنية، والردود الشديدة التي وصمته بالطائفية، تخفي جروحا لم تندمل برغم محاولات التغطية عليها ولفها بالشاش وتسكينها بالمهدئات.

أسامة النجيفي لا ينطق عن هوى مجرد وهو ليس فردا يغرد خارج السرب إنما هو ممثل لطائفته مهما كان حجم هذا التمثيل. ومن الأجدى والأنفع سماع رأيه والتحاور معه قبل توجيه الاتهامات له بالطائفية أو التشكيك بإلتزامه العملية السياسية. وعلينا أن نسأل أنفسنا: إذا كان النجيفي نفسه وهو صاحب أكبر منصب في الدولة العراقية يقول أن السنة يشعرون بالغبن والتهميش فماذا يقول المواطن السني البسيط الذي يجد نفسه معتقلا من دون دليل أو أمر قبض من الاقضاء أوعاطلا عن العمل أو لم تتوفر له سبل العيش الكريم في بلاده؟ بل ماذا سيقول عشرات ومئات الآلاف من العراقيين السنة الذين مضى على هجرتهم عن بلادهم سنوات عدة لأسباب كثيرة من بينها التهجير القسري أوشعورهم بتزايد المخاطر على حياتهم أو أنهم كانوا من أعضاء حزب البعث؟

لقد بنيت العملية السياسية على المحاصصة الطائفية وليس هناك ثمة محاصصة عادلة ومن يقول أن الدنيا بخير والطائفية انتهت الى غير رجعة ومشروع المصالحة الوطنية تحقق بنجاح، هو واحد من أثنين أما أن يكون واهما ويريد أيهامنا معه أو لا يريد الاعتراف بالواقع.

مشكلات من هذا الوزن الثقيل، في شتى المجتمعات، تحتاج لحلول من الوزن ذاته ولا ينفع معها أسلوب اللف والدوران ودفن الرؤوس بالرمال. السنة يشعرون بالغبن.. نعم والأدلة متوفرة على الأرصفة ومن يقول غير هذا لا يريد حلا للمشكلة إنما تسويفا لها.

علامات ومؤشرات كثيرة يمكن الاتيان بها ليس اقلها شعورهم بسطوة الشيعة في مؤسسات الدولة الأمنية خاصة والمرافق المهمة فيها بعد عقود كثيرة من استئثارهم بها. ومن لا يصدق بهذه المشاعر يمكنه أن يذهب الى مناطق السنة ويسألهم أية قنوات تلفزيونية تشاهدون وأي إعلام تقرأون وكيف تنظرون الى العملية السياسية الجارية.. وسيدرك المقصود.

من السذاجة أن نتصور أو نصور لبعضنا البعض أن أعمال الارهاب التي تريد اثارة النعرات الطائفية يقوم بها حفنة من أفراد اشرار يريدون تخريب العملية السياسية أو أسقاط الحكومة. هذا تبسيط للمشكلة فلو لم تكن هناك أرضية وحاضنة لهذه الأعمال لما استمرت كل هذه السنوات وهي إذا ما بقيت من دون معالجة جدية وعقلانية مسؤولة ستظل تهدد الوطن بأفدح المخاطر.

إذن علينا أن نعترف بإن المصالحة الوطنية كانت سطحية وركزت على الظواهر والشكليات ولم تدخل الى العمق ولهذا ما يزال على المعنيين بهذا الشأن أن يعيدوا دراسة الأمر وتدارك الآثار التي يشكلها بقاء هذه الجروح غائرة في الجسد العراقي.

علينا أن نعترف بإن التوازن الحقيقي المطلوب بين مكونات الشعب العراقي ما يزال مختلا وما تزال طوائف وأقليات وقطاعات من المجتمع تشعر بالغبن والتهميش والأهمال ولا يكفي أن نقول للسنة ها أنتم على رأس هذه الوزارة وتلك الوزارة وكفى الله المؤمنين القتال. كما لا يكفي أن نصم كل من يعبر عن هذا الشعور لدى السنة بالطائفية فالطائفية لا تقتصر على السنة وحدهم. وهناك قطاعات واسعة من الشيعة أنفسهم تشعر بالاهمال والتهميش.. هذا ما انتجته المحاصصة الطائفية.. السياسية على وجه التحديد!