لا أملكُ عصا موسى السحرية لقيادةَ ونقل اليهود بسلام من أرض فرعون في مصر الى بر الأمان في سيناء وأرض فلسطين، ولا أمسك بعصا الخلفاء الراشدين للتدليل أن العقاب وقسوته فريضة مفترضة منصوص عليه في الشريعة الأسلامية والقوانين الوضعية في الدول المتحضرة.

في العراق وبوجود مجلس نواب العراق أو حتى بدون أعضاءه المُكرمين بالأمتيازات، يبقى العراق مجتمع عشائري، تهدده مكوناته الثلاثة السنية والشيعية والكردية وتقوده بعصا موسى وقوتها السحرية. ولايقوم مفكروه وإعلاميوه بدور حقيقي نافع بالأفادة بأن مكافحة الأرهاب هي مهمة الدولة وليس الأحزاب والمليشيات، كما أن القيادات النيابية والحكومية تؤمن بالحلول المؤقته القريبة لعقولهم وتتخذ من العنف والسطوة والعنتريات والتهديد بقطع الطرق التجارية الدولية مواقفه لِتُسجل لهم سياسياً ولاتتخذ من موضوع الأرهاب أجراءاً حاسماً كما أتخذته دول أخرى. ويبقى أعضاء مجلس النواب والحكومة المنتخبة معاً متمسكين بثقافة الارهاب (ينددون بها شكلاً وقولاً، لا فعلاً وعملاً ).

العقلية العشائرية تُمثل الجزء الأكبر من عقلية الطبقة الحاكمة الحالية وتحاكيها بلغتها الشعرية وأهازيجها الشعبية، ومنهم من يتباهى بها عندما تسيئ العلاقة ويبدأ الخصام وتبدأ الروح القبلية وخطابها الفطري دورها، ويبدي الأرهاب بأسه بالأكثار من المفخخات والتفجيرات ويزيد النائب والوزير من عدد أفراد حماياته وحماية حماياته وعصاباته ومصفحاته ومليشياته دون أعتبار لمؤسسات الدولة العسكرية الرسمية وخصوصيتها في حماية الوطن والمواطن.

القبول بعنصر الأرهاب وأحتضانه هو مالايناقشه عرب وأكراد العراق بجدية، مع أن كل نائب يحمل قائمة بأسماء المخربين مخبأة وجاهزة للأعلان، ولاتظهر للملاْ أِلا بعد تدهور العلاقة مع الحكومة ولجان تحقيق و لجان متابعة ملفات الأرهاب والأرهابيين، ويخبئ البعض ويبرر أفعاله الشنيعة باللجوء الى منطق العشيرة وأحكامها في قيادة بلد فيه أكثر من 46 عشيرة وفخذ تمتد جذورها على عمق تاريخ أرض الرافدين.

لقد نزلَ القرآن الكريم وتعاليمه عربياً وأنتشرت رسالة الأسلام عالمياً ونبذ ت نصوصه العنصرية ودعت الى التسامح والتمسك بتعاليمها الانسانية. فلم تعد قريش وعصاة القوم يحكمون بسيوفهم، ولم نأخذ ممن ساروا على درب الكفر وأبتدعوا فن المزايدة في التحايل وسرد الخرافات دروساً وعبراً وأنتصاراً، فالتسامح الديني المذهبي لاينطبق على العصاة الخارجين على العدل و النابذين أقامة أسس السلام، فقد أوصلنا البعض منهم بأبداعاتهم وصور أدعائاتهم الى ثقافة نكران الدولة العراقية وحضارتها وأعتبروا من أنفسهم النخبة الصالحة التي تقود الى أن أفتضح أمرها وزورها وأصبح َ دافع المال وتقسيم الغنائم فناً من فنون الترويج للأنفصال، تبرره شعاراتهم وأعلامهم، وأدخلوا الى أهل العراق فنوناً من التعاريف السياسة العشائرية المستحدثة.

وفي عالم اليوم المتحضر والمتأخر لايمكننا فرض حرية الكلام ولامنعه بتكميم أفواه الناس، العقلاء منهم أو السفهاء من معتوهي السياسة الخطابية، سواء أكانوا من الجهلة بالحياة الديمقراطية أو الجهلة بقوانين العدالة الأجتماعية الأسلامية وتطور الفكر العربي الأسلامي. أِضافة الى أنه ليس في الأمكان تبديل مبدأ عدالة أنزال العقوبة بالمجرم والجريمة وأزالة قانون أجتثاث البعث وأحلال quot;العدلُ أساس المُلك quot; بتعاليم الوثنية والعبودية ومسالمة القتلة والمخربين والأرهابيين بالعفو العام عنهم وتبريره بأن الأسلام أقام العدل وسامح القتلة المجرمين. ولاأعرف كيف يخرج من يدعي خدمة العراق ويبرر لنفسه كصحفي وكاتب كتابة نص يقول (ماحصل بالضبط ويقينا من خلال إغتيال شيخ مشايخ عشائر الجبور في الموصل وهي إحدى نقاط الحراك الشعبي الثوري العراقي الساخنة، وفي إغتيال النائب عفتان العيساوي في الفلوجة من خلال عصابات القاعدة المرتبطة بالحرس الثوري وفيلق القدس،). هل هناك حقاً من لايعرف ولادة تنظيم القاعدة وزعاماته أم أنها البلادة الفكرية التي أصابت ألأميين ومجموعات أِنتهازية لا تتقن الخلق والمسؤولية؟ ويخرج آخر يمثل حزبه في الدولة ويبرر عدم قدرة الدولة على تطبيق العدالة، ويبرز أخرون في دعوات خطابية نيابية يبررون فيها عدم الحاجة لأنتزاع روح العشائرية والطائفية والأنتقام والفدية لقلة ثقافة المجتمع، أو بالقول، أن الدولة لا يجب أن تمتلك القدرة ولايحق لها على فرض العقوبة المناسبة لأننا أبناء بلد واحد ونفضل الحلول العشائرية دون الحاجة الى دليل مادي يقود الى التعريف بالمجرم وطبيعة الجريمة.

وعلى مر التاريخ العربي الأسلامي والغربي المسيحي كان الأرهاب المادي له عقوبة مدنية قضائية لايمكن التغاضي عنها في أي دولة، ولكن ليس في العراق حيث تلحّفَ بعض السياسين وحلفائهم بلحاف الأرهاب وطالبوا دون خجل أطلاق سراح المعتقلين الأرهابيين والمخربين قبل أن تكتمل أجراءات العقوبة بحقهم. فأما أن يمتلك الأرهاب الدولة العراقية أو تمتلك الدولة العراقية الأرهاب وتمنع توسيع نطاقه، وأِما أن يُسمح لقادته دخول العراق من أيران والكويت والسعودية والأردن وسوريا وتركيا ونعطي قادته أفضليات برلمانية للدخول وممارسة الأرهاب حسب الأنتماءات المذهبية أو تقوم الدولة بتطويق الأرهاب وتنزل به أقسى العقوبات الأجرائية. أنه أختيار مطروح على المجلس النيابي تبناه البعض وسخر منه المخربين.، حيث لم تتم وتكتمل بعد محاسبة المنادين بأيقاف مؤسسات الدولة القضائية ولجوء نواب الدولة المتهمون بالأرهاب الى العشائر وأستعطافها وأستخدام سذاجة أبناءها لأبتزاز الدولة لترتأي الحل قبل فتح طرق التجارة الدولية.

السؤال فيما أذا كانت العقوبة مُبررة لأنزالها على أناس لهم موقف سياسي ودافع تخريبي هو سؤال سخيف مدحوض وفوضوي من أساسه، وقد يؤدي الى الأِضرار بمصالح الأمة والحرص على مصالح الشعب والأِضرار بالناس وحماية ممتلكاتهم وكذلك الأضرار بمؤسسات الدولة هو روح بقاء الدولة وأستمرار حياتها وتحضرها خُلقياً وأجتماعياً.
قانون الأرهاب الذي صدر في الولايات المتحدة بعد عام 2001 وأحداث الحادي عشر من سبتمبر، له نصوص أضافية للعقوبة وفي غاية الصرامة والقسوة على المشاركين في الأرهاب والتخريب بل وحتى الداعين له، وقد صدرَ لأدراك مجلس الشيوخ ومجلس النواب بأن ألأرهاب كالسرطان، لا يُشفى منه إلا بالإستئصال. كذلك فعلت المملكة العربية السعودية بأصدارها وأنزالها أقسى العقوبات لمن يدعو للأرهاب بأسم الأسلام أو يمارسه بطقوسه الخاصة.

أخذتني الحيرة وأستوقفتني ملاحظة أحد القراء المتابعين للشأن العراقي وقوله quot; أن التظاهر والأعتصامات حق من حقوق المواطنين!. وهنا يكمن الخطأ والخلط و تكمن صعوبة تجريم المجرمين المساهمين بأعمال الأرهاب ومطالبات أطلاق سراح المعتقلين كلما اشتدت الشدائد على من أتهمهم القضاء العراقي بها، وكيف لجأوا الى قيادات عشائرية بحثاً عن العدالة وحث المتظاهرين على الأعتصام وتأليبهم طائفياً على قطع الطرق التجارية وأسقاط الحكومة قبل أن يلجأوا الى قضاء الدولة وممثليه الذين هم أعضاء فيه ومجالسه النيابية من كتل شيعية وسنية وكردية. وتأخني الحيرة كذلك أنه أصبح مألوفاُ ومقبولاً سرقة العدالة وأتهام القضاة بالأنحياز ليتم القبول بسرقة الأموال والتهريب والتخريب منذ أتهام نائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهاشمي بالأرهاب ولجوئه الى من له ضغينة وحقد تاريخي وقومي على العراق. فأِما عدالة الدولة أو عدالة العشائر، وأِما لجوء القادة وأسراعهم في حمل شكاواهم الى عشائر الوطن ليرفعوا عنهم ثوب الذل والمهانة وأِما لجان القضاء و اللجوء المتحضر الى المجلس النيابي الذي أمتثلوه وأختاروه بأنفسهم ليمثلهم ويمثل كل المكونات العراقية شرعاً ودستوراً. أنها مسألة تحتاج الى وقفة عادلة لجرد أسماء وطرد أعضاء من المجلس النيابي والحكومة ورئاستها ومعاقبتهم بشدة وقسوة وفق عدالة القضاء بعد تثبيت التهم عليهم. ويبدو تناقض البعض واضحاً بأعتراف ضمني ولغوي ومهاترة يومية بأن قوانين الدولة لا تمثلهم، وكأن هناك قانون مكتوب لأهل العراق وآخر يمثل أختياراتهم الشخصية لعشيرة ومن يرأسها.

ليس ذلك فقط، فالمهزلة أن البعض يفضل مؤسسات قانونية أجنبية وأختيار قضاة عناوينهم في لاهاي ( محكمة العدل الدولية ) وفي نيويورك ( المنظمة الدولية ) كمكان مناسب لمحاكمته وأحقاق العدالة. أني أفترض أن هذه المقالة وبالأخص كلمة quot;القسوة quot; قد لاتناسب العديد من القراء لنزع مفهوم العشائرية وأدخال مفهوم أنساني قضائي مناسب آخر في عصر يتسيده جيل من العلماء وجيل من السفهاء وفي وقت بات العراق فيه تحت رحمة من تمر به أنابيب نقل البترول والطرق التجارية الدولية وتخضع لابتزازهم اليومي بدلاً من قيام نواب المجلس بالعمل على نشر التوعية الوطنية والتربية المدرسية الأخلاقية والعلمية و توسيع طرق التجارة الدولية والمساهمة في أنعاش الحياة الأقتصادية في مناطق الجنوب ومحافظات الموصل والأنبار المتضررة.

وعلى الصعيد العربي لايمكنني تصور التخلي العر بي عن مقاطعة أسرائيل أو قطع طرق تجارتها الدولية التي تمر بخليج العقبة وباب المندب وقناة السويس وهي أهم ممرات النقل والمعابر على الطريق البحرية التي تنعش التجارة الأسرائيلية، بينما يركزون أهتمامهم التخريبي بقطع طرق التجارة على دول عربية وتخريب مواردها. الأرهاب والأبتزاز العربي للعربي الذي نشاهده اليوم هو ثقافة بائسة منتشرة كأنتشار الأفيون بين شيوخ القاعدة وأُمرائها و شيوخ المنطقة العربية ويستثمرها بعض معتوهي السياسية لصالحهم.

كنتُ حاضراً عندما ألقت الشرطة الأمريكية القبض على متظاهرين من الرجال والنساء في مدينة سان فرنسيسكو وأودعتهم السجون للتحقيق معهم وأخذ صورهم وفتح أضابير بتهم الأرهاب وأعاقة حركة السير والتجاوز على القانون وتهديد الممتلكات والمتاجرالعامة. كانت الجموع المحتشدة تتظاهر quot;سلمياًquot; ضد سياسة الرئيس جورج بوش في حينها. أما متظاهرو العراق فأنهم وبتأييد من نواب أنتهازيين يقطعون الطرق التجارية الدولية كما يحلو لهم ويستندون في أفعالهم على رجل دين معتوه أو رجل سياسة أِنتهازي.

وبألقاء نظرة على العقاب لأذلال العنصرية أجتماعياً وسياسياً وقانونياً نجد بأن قوانين العقوبات العراقية تنفذ بطرق عفوية وعاطفية وطائفية تفضيلية، أو بكلمة أخرى، كما يرتأي البعض ضرورة تُطبيقها ووفقاً لثقل الرجل السياسي والمعمم المتدين وثقل الكتلة والعشيرة الداعمة له.

ويبدو التنسيق واضحاً بمشاركات هذه القوى النيابية مع القوى الأرهابية في الدعوة لأطلاق سراح المعتقلين دون عقوبة هو فتح السجون وأخراج المئات من الأرهابيين والقتلة ليجوبوا شوارع المدن والقرى وأطلاق أيديهم للتخريب من جديد. فلنكن على معرفة بأن العقاب وقسوته على جرائم الأرهاب تقلل من نسبته الى درجة كبيرة مع أن العقوبة لن تستأصله تماماً لأن العقيدة الجهادية المريضة التكوين والنشوء ستظل تدعو الى قتل المسلم وليس لها حل كما يرها علماء النفس. أنها حقاً جرائم يسندها المشعوذون ويراها الأنسان في صور التدمير والتخريب الذي لم يعرف التاريخ لها مثيلاً.

quot;العدل أساس المُلك quot; هو المبدأ و الوسيلة المثلى في بلد يحبو نحو الديمقراطية الحقيقية ونشر العدالة ويدعي مكافحة الفساد والدكتاتورية والعنصرية التي تحفظ وفقها حقوق المواطنين و تتحدد الأضرار التي لحقت ومازالت تلحق بهم وممتلكاتهم والرحمة على أرواح شهدائهم بعد تصاعد الجريمة المنظمة والسرقة والأجرام الأرهابي.

القسوة مبررة لمكافحة الأرهاب والحد منه، ولايهمنا عقلاً ومنطقاً وخُلقاً أذا كنتَ نجفياً أو نجيفياً، شيعياً أو سنياً، فعندما يُصعب على الدولة تعريف الأرهاب بعد كل هذه السنوات و تبرير أحقيتها في أنزال العقاب على المجرمين quot;ولهم في القصاص حياةquot; فلن يكون لنا أختيار عنوان مناسب لهذه المقالة وبالأخص كلمة quot;القسوة quot; لأستئصال تنظيم القاعدة وتنظيمات أشخاص أضروا بالعراق، ولن تكتمل الصورة لدى أبناء شعبنا وصحافتنا ومفكرينا وقادة مجتمعنا بسلبية مواقف بعض فرقاء العملية السياسية وقبولهم وجود زمر القاعدة ومساندة أرهابها وتمويلها طيلة هذه السنوات متنكرين لضحايا الملايين من أهل العراق quot;دون ضميرquot; حقوقهم. أنها خطيئة لاتُغتفر.

باحث وكاتب سياسي