تصارع كثير من المؤسسات الإعلامية في تونس بعد الثورة من أجل البقاء، ويبدو أن عددا لا بأس به منها مهدد بالإندثار بعد أن توارت أخرى عن الأنظار ولم تتمكن من الصمود سوى أشهرا معدودات. والسبب مالي بالأساس حيث عجزت هذه المؤسسات عن توفير ما يكفي لاستمرارها في ظل غياب تام لدعم الدولة وفي ظل الحرمان من الإشهار العمومي الذي بات على ما يبدو quot;عصاquot; سلطة 23 أكتوبر 2011 الغليظة لمعاقبة المعارضين لخطها وعدم المنخرطين في عملية التزلف إليها.
فحال quot;راديو كلمةquot; لا يسر الناظرين ويبعث على الأسى، ويحز في النفس أن يجد ذلك الفيلق العامل به نفسه وقد أحيل على quot;التقاعد المبكرquot;، وهو الذي أثرى خلال الفترة المنقضية الساحة الإعلامية بمواد تميزت برقي المضمون والذوق الرفيع، نالت استحسان الكثيرين. أما عن إذاعة quot;الشعانبي آف آمquot; والتي كان من المفروض أن ترعاها دولتنا المصونة وتوليها رعاية خاصة، فحدث ولا حرج. فجهة القصرين التي عانت من التهميش خلال العشريات المنقضية لها الحق في quot;إذاعة خاصةquot; لديها الموارد المالية الكافية لتتمكن من الصمود في وجه الرياح العاتية بعد أن استثنتها دولتنا المصونة، شأنها شأن كثير من مدن البلاد، من خارطة الإذاعات الجهوية. فـquot;باعثquot; هذه الإذاعة يعاني الأمرين من أجل توفير أجور العاملين ولا أحد يحرك ساكنا لمد يد العون وكأن تلك الأرض quot;النائيةquot; على تخوم جارتنا الجزائرية ليست جزءا من ترابنا الوطني ولا يعنينا حالها وما قد يطالها من خراب.
وفي الوقت الذي تبدو فيه هذه المؤسسات قاب قوسين أو أدنى من الإضمحلال، تشهد الساحة بروز مؤسسات جديدة موالية للفريق الإخواني الحاكم يبدو أن لديها من المال الشيء الكثير ما قد يجنبها ما أصاب الآخرين من شلل أعاقها عن الإستمرار في التواجد على الساحة. كما أن إحدى الصحف التي امتهنت التزلف لحكام تونس الجدد، تمكنت من الصدور بشكل يومي خلال الفترة الأخيرة بعد أن كانت في عداد الأسبوعيات ولفت الإنتباه نوعية الورق الرفيعة التي باتت تصدر بها رغم مضمونها الرديء الذي لم يتغير واقتصر على التهجم على معارضي حركة النهضة، وهي التي تورطت في وقت سابق في هجوم عنصري جعل البعض يصنفها ودون تردد في خانة صحف المجاري والمستنقعات والمياه الآسنة.
كما أن الإعلانات العمومية تملأ صحف الموالاة، وتغيب أو تكاد عن تلك التي لم تنخرط في التسبيح بحمد الفريق الحاكم. وهو ما جعل البعض يذهب إلى حد اعتبار أن ما يحصل في تونس هو quot;سياسة تجفيف منابعquot; جديدة ممنهجة تستهدف الإعلام الحر وتساهم في تعطيل الإنتقال الديمقراطي المنشود الذي لا يستقيم دون الدفاع عن صحافة متحررة من القيود، بما في ذلك المادية، ودون قضاء مستقل.
فعصر quot;نهضتناquot; هو بامتياز زمن quot;الضميرquot; المستتر الذي تغتال فيه الـquot;كلمةquot; وتكمم الأفواه التي لا تصدح بغير الثناء على حكام تونس الجدد.