بات التكذيب سلاح جماعة الحكم في تونس الذي يتصدون به لأغلب الإنتقادات التي تطالهم من قبل معارضيهم، ومما يتم ترويجه من quot;حقائقquot; في بعض وسائل الإعلام التونسية، وأيضا مما يكشفه الخبراء للشعب التونسي من وضع كارثي تسير إليه البلاد في شتى المجالات. فعوض الإعتراف بالفشل و الإنصراف إلى الإصلاح يصر حكامنا quot;الجددquot; المتمسكين بكراسي الحكم على انتهاج سياسة الهروب إلى الأمام والإصرار على الإثم وهم في quot;غيهم يعمهونquot;.
بالأمس القريب اتهموا quot;إعلام العارquot; (نعت يصف به إخوان تونس الإعلام الفاضح لأخطائهم في الحكم) بالكذب فيما يتعلق بـquot;إمارة سجنانquot; (محاولة سلفية لإنشاء إمارة بمنطقة شمال البلاد) وبالسلاح الذي يتم تهريبه إلى ديارنا وبمعسكرات تدريب quot;رياضييناquot; (الناطق الرسمي بإسم وزير الداخلية السابق علي العريض حين سئل عن معسكرات تدريب السلفية الجهادية رد بأن الأمر يتعلق بشباب يمارس الرياضة) و quot;أبنائناquot; (راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة اعتبر السلفيين الجهاديين أبناءه الذين يذكرونه بشبابه) في الشعانبي. وطال الأمر أيضا خزي وعار quot;جهاد النكاحquot;، حيث اتهموا المتحدثين عنه بالكذب والبهتان والتلفيق واستهداف حكمهم quot;المجيدquot;، وذهبوا إلى حد إقالة مفتي البلاد السابق لأنه صدح بالحقيقة المُرًة. لكنهم في نهاية المطاف رضخوا وأقروا بصواب ما ذهب إليه quot;إعلام العارquot; سواء فيما يتعلق بخطر التنظيمات الإرهابية أو بهذا البلاء المبين المسمى quot;جهاد النكاحquot; الذي يبدو أن بعض أتباعهم ومريديهم والمتزلفين إليهم متورطون فيه، ووحدها الأيام كفيلة بكشف الحقائق.
وتتواصل سياسة التكذيب والهروب إلى الأمام وتبقى دار لقمان على حالها ويظهر بالكاشف أن الجماعة لم تأخذ العبرة مما حصل في الماضي القريب وذلك من خلال إصرار بعض نواب الموالاة الميامين، وخلال مساءلة المجلس quot;اللاشرعيquot; للوزراء الإقتصاديين، على أن ما يروج له الخبراء من تدهور للوضع الإقتصادي الذي وصفه بعضهم بـquot;الكارثيquot; ماهو إلا تخويف تروج له بعض أحزاب المعارضة يقوم على المبالغة والتهويل، ما يفهم منه أن أوضاع الخضراء الإقتصادية على ما يرام وأننا سائرون على الدرب القويم وأننا بصدد حصد النجاحات الواحد تلو الآخر مع ثاني أقوى حكومة في التاريخ على حد تعبير وزير سابق..
ولسائل أن يسأل هل يوجد عاقل على وجه البسيطة يمكن أن تنطلي عليه هذه quot;الأراجيفquot;. وهل يمكن الوثوق مجددا فيما يصدر عن هؤلاء من تصريحات تتعلق بالوضع العام للبلاد؟ وما الذي يمنع من جنح في الماضي إلى الكذب واستبلاه العقول إلى إعادة الكرة quot;مثنى وثلاث ورباعquot;؟ ثم كيف سيكون موقف هؤلاء إذا ثبت يقينا وبالبرهان القاطع أننا بالفعل quot;على شفا جرف هارquot; وأن الإفلاس quot;أقرب إلينا من حبل الوريدquot;؟ هل سينفع الندم حين تتحول تونس إلى مختبر لتجارب المؤسسات المالية الدولية والإقليمية الدائنة وكبار العالم التي ستملي علينا نسف سياساتنا الإجتماعية التي ورثناها عن الحقب السابقة بما فيها من دعم لمختلف المواد الأساسية؟ أهذا ما تريده حركة النهضة الإخوانية؟
إن السياسي الموهوب (الذي يُنتظر بروزه في حركة النهضة انتظار المؤمنين للمهدي) ولكي يجد المخارج لأزماته، وما قد يحل به من خطوب، مطالب بالتشخيص الدقيق لأوضاعه، رغم مرارة الحقيقة. فإذا غاب التشخيص الدقيق غابت الحلول واقتصر الفعل على معالجة النتائج التي عادة ما تكون وخيمة وكارثية. وعلى غرار الملف الأمني الذي quot;استحتquot; فيه الحركة الحاكمة من مكاشفة شعبها بالحقيقة وألقت بالمسؤولية على quot;إعلام العارquot; الذي يهول كالعادة، فإن الملف الإقتصادي يشهد ذات الجنوح إلى المكابرة وانتهاج سياسة الهروب إلى الأمام وعدم قول الحقيقة، وبالتالي فإنه يتوقع أن نصل في خاتمة المطاف إلى ذات النتائج أي الإعتراف بالواقع المزري، والحال المتردي، وتحميل السمؤولية لجميع الأطراف، وخصوصا الإتحاد العام التونسي للشغل، ورفض تحملها بصورة فردية.