رغم اختلاط السياسي بالقبلي في المجتمع الكيني، فإن الانتخابات الرئاسية مرت دون تحريض أو إثارة من جانب المرشح الرئاسي quot;رايلا اودينغاquot; مع توافر الاستطلاعات المرجحه لفوزه، نجح منافسه quot;أوهورو كينياتاquot;، وسلك الخصم طريق القضاء للطعن في نتائج الانتخابات، لم يشحن أهله وعشيرته ليسلكوا طريق العنف، بل تعامل مع النتيجة من منطلق مسؤوليته كرجل دولة شغل منصب رئيس الوزراء قبل ترشحه للرئاسة، ما بالك بمجتمع قبلي تسكنه عرقيات مختلفة من العجم والعرب والأوربيين، وتحتكر السطة والثروة أقلية منذ استقلال كينيا عن بريطانيا في 12 ديسمبر 1963، يقلب هذا المجتمع الأفريقي التوقعات، ويلتزم بضبط النفس، ولا يرغب في تكرار سيناريو انتخابات 2007 التي راح ضحيتها ما يقرب من الف ومائتي كيني فضلا عن تشريد نصف مليون شخص.

يحدث هذا في أحدى دول شرق إفريقيا المستقلة منذ خمسة عقود، في حين تتحول مصر وهي مجتمع متجانس منذ ألاف السنين بفعل سياسات خرقاء الى مجتمع قبلي طائفي، يُعلي من شأن قيم العشيرة المتمثلة في جماعة الإخوان، ومن يدور في فلكهم على حساب قيمة وطن موحد منذ القدم، الغرب كان يراقب ما يجري في انتخابات كينيا، ويخشى أن يتحول الصراع السياسي إلى صراع إثني من جانب قبيلة الرئيس المنتخب quot;اوهورو كينياتاquot; وخصمه quot;رايلا أودينغاquot;، أما في مصر فإن حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين ينطلق من تعزيز مصلحة جماعة تريد أن تحتكر السلطة بديلا عن الإنتماء للوطن، ويرفع شعارات براقة يخدع بها بسطاء المصريين لكسب أصواتهم، وتسخير هذه الاصوات لخدمة مشروعهم في التمكين، وإقصاء جميع التيارات الأخرى.

إن ممارسة رئيس مصر الدكتور quot;محمد مرسي quot; لا تختلف عن ممارسة زعيم قبيلة أوعشيرة، زعيم القبيلة الحقيقي كما يروج القادة السابقون في الإخوان المسلمين هو quot;خيرت الشاطرquot; يمارس الدور من وراء ستار، ويخدم مصالح العشيرة والتنظيم الدولي الذي ينتمي اليه، فهو يرعى بأمانة مصالح جماعته لذلك فالحالة المصرية، لم تولد من عدم، فهي نتيجة لممارسة وخطاب سياسي تلتقي فيه شخصنة زعامة الحزب بالقبلية، ما حدث في كينيا هو تغليب مصلحة الدولة على مصلحة القبيلة التي ينتمي إليها quot;أودينغاquot;، المفاجأة هي أن منافسه الفائز بمنصب الرئاسة مطلوب امام الجنائية الدولية بتهمة التحريض على أعمال العنف التي أعقبت الانتخابات الماضية عام 2007، وهي القضية التي القت بظلالها على جميع القضايا الأخرى الرجل يدرك ان البلد على حافة الهاوية، اقتصاد يتداعى، وفقر مدقع ينتشر كالنار في الهشيم بين ملايين الكينيين، ومتوسط دخل الفرد اليومي لا يتجاوز الدولار.

لم يحدث استقطاب في كينيا بعد فوز quot;كينياتاquot;، ولم تقسم البلاد إلى معارضة وموالاة، يحاول كينياتا اليوم الترويج على أنه ضحية لمؤامرة غربية، ووصف quot;أودينغا بأنه عميل للغرب، ويقف وراء الاتهامات الموجهة إليه بهدف الهروب من المثول أمام محكمة الجنايات الدولية في شهر يوليو المقبل، في المقابل لم يستعن quot;أودينغاquot; بأنصاره، ويستقوى بالخارج للتشكيك في نزاهة الانتخابات، فقد شهد على نزاهة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لجنة المراقبة التي ضمت نحو الفين وخمسمئة مراقب أجنبي، وهي شهادة برئت ساحة الحكومة التي كان يرأسها quot;أودينغاquot; من شبهة محاولة تزوير نتائج هذه الانتخابات.

إنتهى الأمر، وباتت كينيا مستقرة ومفتوحة للاستثمار والسياحة، هذا أهم من عدم الاستقرار، في حين تمر مصر بحالة من الفوضى، وانعدام القانون، وبات المصريون يخشون الغد، الكل يتصارع على نصيبه من الكعكة، في حين نجح الساسة في كينيا في الترفع عن خطاب يغلب عليه النزعة العرقية، وتفوح منه مشاعر الكراهية، هم يريدون أن تكون الانتخابات فرصة لكي يتحد الشعب الكيني لا أن يتمزق.

إعلامي مصري