عشر سنوات بعد الإحتلال، ماذا جنينا؟
صور أشلاء الضحايا من الأطفال والنساء والشباب تملأ صفحات مواقع التواصل الإجتماعي التي أعلن أغلبها الحداد على أرواح ضحايا تفجيرات اليوم. ويبقى السؤال ماذا جنينا بعد كل تلك السنين، أين كنا وأين أصبحنا، لماذا لم نفعل شيئا ً يجنبنا كل هذا الدمار، وهل هناك شيئ كان علينا فعله ولم نفعله، إنها أسئلة كثير وليس سؤال واحد. سأرسم لكم صورة عن الوضع في العراق، بالتأكيد سوف لن تكون صورة مشرقة، كلا، لن أرسم أي صورة، بل يمكن لكم مشاهدتها بشكل مباشر، فهي مأخوذة من صحيفة الغارديان البريطانية، إذ تأرخ بشكل تفاعلي مواقع التفجيرات الإرهابية فقط في بغداد.


للأمانة، لم تسجل تلك الخارطة ضحايا تفجيرات اليوم، ولكن، وعلى إعتبار أنهم أصبحوا أرقام بعد أن كانوا بشرا ً يأكلون ويشربون، لهم مشاعر ولهم أحلام، فقد أصبحوا أعدادا ً ستضاف إلى قائمة الأعداد السابقة وستدرج لاحقا ً في هذه الخريطة التي تحولت إلى بركة للدم لكثرة مافيها من نقاط حمر. ففي كل نقطة حمراء انتهت قصص لأناس كانت لهم أحلام وأماني وأمل يعيشون من أجله، في كل نقطة حمراء هناك بداية لقصص جديدة من الموت واليتم والترمل والدموع التي لاتنتهي، في كل نقطة حمراء هناك حصرة وشمعة غاب ضوئها لان مجانين قرروا أن يفجروا هذا المكان ومجانين آخرين كانوا يسمحون لهم بلا وعي لأنهم غارقين بالفساد وعدم الشعور بالمسؤولية.

تلك الصورة هي ماجنيناه بعد عشر سنوات من الإحتلال، هذا لايعني بأن الفترة التي سبقت تلك العشر سنوات كانت عبارة عن صورة مشرقة، كلا بالطبع، فالصورة كانت بنفس السوء إن لم تكن أسوأ. السؤال المهم هو: هل راجعنا أخطائنا، هل عرفنا أين السبب، هل حاولنا أن نخرج من الوهم ومن الفقاعات التي نعيش فيها لنرى المشهد عن بعد لنعرف أسباب ماوصلنا أليه. كلا، فنحن شعوب لانتعلم مع الأسف، عشر سنين من الموت لم تعلمنا شيئا ً. ولكن، الخوف كل الخوف من القادم، فالقادم أسوأ بعد أن أنبرى الصقور من جانب بتصدي المشهد السياسي، وهاهم صقور الطرف الآخر يتأهبون للمنازلة كالمجانين بعد أن حركهم الشيطان بأدواته الحقيرة. أما الحمائم فهي تختبئ في ظل سدرة تخاف صولة الصقور. المشكلة أن تلك الصقور لديها الوعي الكامل بأن الشيطان يحاول أن يوقع بها في معركة كبيرة لاينتصر فيها أحد، وهي رغم ذلك تسير كالخرفان الوديعة للمسلخ مسلمة أمرها للقدر.

عشر سنوات بعد الإحتلال، لازال توني بلير وجورج بوش يعتقدون بأن قرار الحرب على العراق كان قراراً صائباً. من ناحية أخرى، لم يكمل الطفل الذي قطعت ساقيه في تفجيرات اليوم العشر سنين، فهو لم ير الإحتلال فقد ولد بعده، لكنه بجسده دفع فاتورة الإحتلال. الحسبة بسيطة جدا ً، شعب مسكين، لايمتلك مقومات الوقوف على قدميه بعد أن أنهكه دكتاتور وحزب فاشي لأكثر من ثلاثين عاما ً. لنغزوا هذا الشعب المسكين، ولنجلب مستطعنا من الإرهابيين بعد أن فتحت الحدود على مصرعيها، ولندفع بالطرف الآخر ليكون مليشيات يدافع بها عن نفسه، وعندما يسوء الأمر سنجعل الإرهاب يقاتل الإرهاب. تلك هي النظرية الجديدة التي كشفتها صحيفة الغارديان وقناة البي بي سي في الفلم الوثائقي الأخير. هي نظرية خلقت من رحم نظرية الفوضى الخلاقة. إلى الآن لاتوجد مشكلة، المشكلة هي عندما تنطلي تلك اللعبة على السياسيين وقسم من المثقفين ليصفقوا لها.

عشر سنوات بعد الإحتلال، لاديمقراطية حقيقية هناك ولا أبراج تملأ بغداد كما كان يتصور الساذجون. بل شوارع بغداد تملئها النفايات وصور المرشحين البائسة وهي تخلو من الإبتسامات، يقفون في الطابور لينهشوا من جسد هذا الشعب المسكين، ينخرهم الفساد حيث لاماء ولاكهرباء ولا سكن ولامدارس هناك، نقص في كل شيء ووفرة في الأموال الذكية التي تعرف طريقها لجيوب الفاسدين. سأقولها بكل ما أملك من قوة، أتعرفون لماذا نحن مانزال على هذه الحال ولم نستفد من أخطائنا؟ نعم، لأننا لاتملك مشروعا ً حقيقيا ً لبناء دولة حقيقية، كل مالدينا عبارة عن أفكار من روايات قديمة فيها من الدين والخرافة والتنجيم الشيئ الكثير، نكملها ببعض الصور التي شاهدها بعض السياسيين في دول الغرب وأعتقد بأنها يمكن أن تطبق في بلادنا. فهو لبس البزة وربطة العنق ولايعلم بأن مافي رأسه يعود إلى القرون الوسطى. نحن في الحقيقة نملك أفكار يحملها بعض السياسيين عما يجب أن يكون شكل الدولة، ولانملك مشروعا ً للدولة، ولهذا السبب تتكرر أخطائنا وندفع ثمنها كل يوم من الدماء. مازال هناك من السذج ممن يعتقد بأن العراق سيكون دولة إسلامية، وسذج آخرون يحلمون ببلد على أساس العرق والقومية، تلك هي أحلامنا، وفي الحقيقة أنها مأساتنا التي نتعايش معها كل يوم بعد أن ذهب الإحتلال وأعتقدنا بأننا أصبحنا أحراراً.


[email protected]