في ظل دق طبول الحرب في المنطقة، يُعلن وزراء الخارجية العرب عن مبادرة لحل القضية الفلسطينية من خلال اقتراحات بتبادل الاراضي مع العدو الصهيوني، واحياء المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية المتوقفة منذ عدة اعوام.

ان هذه المبادرة لم تأت بمحض صدفة، وانما توقيتها كان مخطط له من اجل التغطية على اي عدوان اسرائيلي على لبنان أو غزة أو اي تدخل دولي أو اسرائيلي في سوريا، وتهدف هذه الاقتراحات في هذا الوقت بالذات الى امتصاص اي ردة فعل غاضبة ضد اسرائيل أو امريكا من قبل الشعوب العربية، واقناع هذه الشعوب بأن حل القضية الفلسطينية اصبح قاب قوسين أو أدنى.

فالتجارب علمتنا بأنه كلما اتجهت المنطقة نحو حرب ما، فان اميركا واسرائيل تسعيان الى ايهام العرب بأن حل القضية الفلسطينية اصبح قريبا، والعرب بدورهم يصدقون هذه الاكاذيب، ولكن الموقف العربي قد تغير الى الاسوأ، واصبحت بعض الدول العربية تخطط مع الاعداء حول كيفية اخضاع المنطقة، والتأمر على الوطن العربي باسم الديمقراطية والسلام مع دولة العدو الصهيوني.

ان مسألة تبادل الاراضي المقترحة من قبل المجموعة العربية بقيادة قطر في واشنطن تعتبر تعديلا للمبادرة العربية التي اطلقت عام 2002 والتي لم توافق عليها اسرائيل، وهذا يشكل تنازلا من الجانب العربي لارضاء اسرائيل التي ردت سريعا على هذه المقترحات وعلى لسان تسيبي ليفني المسؤولة عن ملف المفاوضات مع الفلسطينيين التي قالت ان العرب ادركوا ان الحدود من الممكن تغييرها.

المبادرة العربية تعني ان العرب والفلسطينيين تخلوا عن المطالبة بانسحاب اسرائيلي كامل من الضفة الغربية، وهذا يعتبر اعترافا ايضا بالكتل الاستيطانية التي انشئت على الارض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وتكون اسرائيل بهذا قد حققت اهدافها بابقاء هذه الاراضي تحت سيطرتها، ونجحت بفرض الامر الواقع على الطرف الفلسطيني والعربي، وتُبقي اسرائيل للفلسطينيين معازل غير متواصلة هنا وهناك.

ان الموقف العربي ازاء القضية الفلسطينية تميز بالضعف وعدم ممارسة اي ضغط على اسرائيل من اجل الانسحاب من الاراضي الفلسطينية، وانما اكتفت الدول العربية بالتفرج وترك امور التفاوض للفلسطينيين، اسرائيل من جهتها حاولت الاستفراد بهم والتفاوض معهم من اجل اجبارهم على قبول الحلول التي ترتئيها مناسبة لها، ولكن هذه المرة تدخل العرب، ولكن بمزيد من التنازل على امل قبول اسرائيل بهذه المقترحات.

المواقف العربية معروفة منذ زمن وهي عدم مجابهة اسرائيل المدعومة باحدث الاسلحة من واشنطن، ويبدو ان هذا الامر لا يزعج الدول العربية التي تريد التصالح مع هذا العدو الذي يريد السيطرة على مقدرات هذه الدول، ويبدو ان بعض الدول العربية تعمل على انهاء الصراع العربي الاسرائيلي باي ثمن، ويتم الضغط على الطرف الفلسطيني من اجل القبول بأي حل.

فالاطراف الفلسطينية اصبحت لا تمتلك قرارها، فالسلطة الفلسطينية مرتهنة للمساعدات الدولية والامريكية والمساعدات العربية، لذلك لا تقدر هذه السلطة على رفض ما سيفرض عليها من حلول والا ستواجه قطع المساعدات عنها، والتي جعلت من القضية الفلسطينية قضية معاشات وموظفين، وليس قضية شعب يعيش التشرد واللجوء في اصقاع الارض.
ولا يبدو وضع حركة حماس افضل من السلطة في رام الله، فهذه الحركة اصبحت مرتهنة للمساعدات القطرية، وهي لا تقدر على معارضة اجندة قطر وسياستها في المنطقة، والتي تحاول لعب الدولة الكبرى من حيث التدخل وتقرير مستقبل بعض الدول العربية، والدخول هذه المرة على خط حل القضية الفلسطينية.

يبدو ان الربيع العربي لم يأت بأي جديد بالنسبة للقضية الفلسطينية، فأكبر دولة عربية ما زالت تحافظ على علاقاتها مع العدو الصهيوني، ولم تجر اي ضغوط على هذا العدو من اجل اجباره على تقديم تنازلات لحل القضية الفلسطينية، والعلاقات مع امريكا لم تتغير وهي على حالها كم كانت في عهد النظام السابق، ولكن الان يحصل العكس تجري محاولات تصفية هذه القضية من قبل دول عربية تحاول قيادة الوطن العربي، وبيع القضية الفلسطينية بالمزاد العلني ارضاءاً لإسرائيل وامريكا.