عندما شارکت لأول مرة في مؤتمر للمقاومة الايرانية في باريس و رأيت السيدة مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة من جانب المقاومة الايرانية وهي تخاطب الشعب الايراني و تمنحه الثقة و الامل و الطموح بالتغيير، فکرت مع نفسي وانا لم أشهد في عالمنا العربي إضطلاع المرأة بالدور القيادي، هل أن هذه المرأة بمقدورها فعلا قيادة الشعب الايراني و توجيهه نحو شاطئ الامن في هذه الظروف العصيبة؟

تجربة بنازير بوتو الباکستانية و خالدة ضياء البنغلاديشية في إستلام دفة قيادة البلاد، على الرغم من أهميتيهما لکنهما للأسف لم تحققا الهدف النهائي و لم يسمح لهما بأن تکملا المشوار الى نهايته ولذلك فقد کانا بمثابة تجربة غير متکاملة، وهو ماأفقد المرأة المسلمة مبادرة الاضطلاع بالدور القيادي الابرز في البلاد، لکن مطالعة تجارب بلدان العالم بشأن دور المرأة في قيادة البلدان، تعطينا صورة و إنطباعا مختلفا تمام الاختلاف عن ما هو سائد و ماثل في واقعنا، خصوصا مع سعي بعض التيارات و الاتجاهات الفکرية و السياسية ولاسيما ذوات التوجه القبلي و العشائري الى التأکيد على مسألة إقصاء المرأة و إبقاء دورها هامشيا ولايتاح لها من مجال او فرصة إلا في ضوء ماتقتضي مصلحتهم.

الحديث عن السيدة مريم رجوي يقود بطبيعة الحال الى الحديث عن إيران و النظام السياسي القائم فيها منذ أکثر من ثلاثة عقود، والحديث عن هذا النظام يقود و بصورة تلقائية الى الحديث عن مسائل حقوق الانسان بصورة عامة و حقوق المرأة بصورة خاصة و التي ضاقت الامرين من هذا النظام و عانت من ضغطين شديدين و قاسيين عليها، أولهما لإعتبارها الانساني الذي ينتهکه النظام ليل نهار عبر اساليبه و ممارساته القمعية، وثانيهما لإعتبارها الانثوي الذي ليس ينتهك النظام و بشکل سافر أبسط حقوقها المشروعة وانما حتى يستخف بها و يمتهن کرامتها الانسانية بقوانينه و ممارساته الجائرة التي تکبل المرأة و تحد من تطلعاتها نحو الانعتاق و الحياة الحرة الکريمة.

مريم رجوي عندما تحملت عبأ القيادة و وقفت بکل جرأة و بسالة بوجه النظام الديني المتطرف في طهران، انما جسدت قوة و إرادة و جسارة المرأة الايرانية في التغيير و المطالبة بحقوقها و الاعتراف بدورها الانساني و عدم إمتهان کرامتها و عزتها لأي سبب کان، وقد کان تصدي هذه المرأة لنظام قمعي تزداد في ظله المشاکل الاجتماعية بصورة غير عادية، حالة فريدة من نوعها، إذ من الواضح أنها بدأت من نقطة الصفر تماما، لأن نظام ولاية الفقيه قد سلب المرأة کل حقوقها الاساسية و لم يبق لها إلا الذي يتماشى و يتفق مع خطه السياسي الفکري الاجتماعي المتخلف و المتحجر، وان رجوي التي أکدت في خطاباتها بأن تحرير المجتمع من قيود النظام يتطلب في المقام الاول تحرير المرأة و إعادة حقوقها کاملة لها، ذلك أن بقاء المرأة و التي تعتبر نصف المجتمع مغبونة و مهضومة الحقوق، إنما يفقد المجتمع حيويته و مرونته و قدرته على الابداع و التغيير، إذ أن بقاء المرأة عاجزة و مکبلة يعني شل و تکبيل قدرة نصف المجتمع، وهذا بدوره يؤثر سلبا على قدرة و حيوية النصف الثاني و يخلف آثارا مرضية نفسية بالغة التعقيد في أعماقه، ومن هذا المنطلق بدأ عمل رجوي من أجل التغيير و البناء الاجتماعي الجديد في إيران مابعد الملالي.

الملفت للنظر أن التقارير الاخيرة الواردة من داخل ايران قد أکدت بأن 850 حالة زواج قد تمت في إيران لفتيات في التاسعة من أعمارهن وقد حدثت في عام 2006، لوحده فقط کما ذکرت تلك التقارير حوالي 25 حالة طلاق بين أطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و 15 عاما، وهو مايترك برأي الباحثين الاجتماعيين و علماء النفس آثارا بالغة السلبية في أعماقهن بحيث لايمکن إزالته وانما سيبقى معهن طوال العمر، و الانکى من ذلك أن النظام ليس فقط لايتحرك ضد هکذا ظاهرة وانما يرفض الوقوف ضدها أيضا، وهو مايعمق من المشکلة و يمنحها أبعادا بالغة الخطورة ولاسيما فيما لو علمنا بأن في داخل إيران و بسبب السياسات غير السليمة و الخاطئة للنظام أزمات إقتصادية و سياسية عميقة تلقي بظلالها الکئيبة جدا على الجانب الاجتماعي و تعمق و تعقد من مشاکله أکثر فأکثر، بل وان وصول الامر ببروز ظاهرة تزويج الفتيات في سن الطفولة لکهول او على الاقل لمن يکبروهن بأکثر من أربعة عقود مقابل المال تعکس جانبا خطيرا جدا من واقع الازمة الاجتماعية التي تعصف بالبلاد وتهدد البناء الاجتماعي بمخاطر کبيرة قد لايحمد عقباها فيما لو لم يتم تدارك الامر.

النظام الايراني الذي حاول و يحاول جهد إمکانه إقصاء العنصر النسائي من الساحة عبر تهميشه و تحجيمه و تحديد تحرکه و نشاطه و فعاليته، يأتي في الوقت الذي کانت في دور المرأة الايرانية قبل الثورة عام 1979، دورا بارزا قياسا بدور قريناتهن في بلدان المنطقة، وحتى أن الثورة قد قامت أساسا بدعم معنوي و تفاعل روحي من جانبها للعنصر الآخر، وان السيدة رجوي إذ تدرك و تعي جيدا هذه الحقيقة و تعلم قبل ذلك بأن الطريق الاضمن و الاکثر إختصارا لإنجاح الانتفاضة الشعبية بوجه النظام تکمن في إعادة الاعتبار لدور المرأة و دعمه و تقويته بما يتلائم مع طموحاتها و تطلعاتها، وان مبادرة المجلس الوطني للمقاومة الايرانية بإنتخاب مريم رجوي کرئيسة للجمهوريـة يأتي اساسا من إيمان هذا المجلس العميق بدور المرأة و الرسالة بالغة الاهمية التي بإمکانها حملها و إيصالها للمجتمع، لکن أهمية هذه المبادرة تکمن في دقة الاختيار و صوابه لأن إنتخابه لإمرأة مثل مريم رجوي يمنح الثقة و الامل ليس للنساء لوحدهن وانما للرجال و لکل الشعب الايراني خصوصا وانها قد أبلت طوال العقود الثلاثة المنصرمة بلاءا حسنا و لم تترك النضال و الکفاح من أجل حرية الشعب الايراني و حقوقه من جانب و من أجل حقوق المرأة الايرانية و إعتبارها و مکانتها الاجتماعية کما ينبغي أن تکون، والاهم من ذلك کله أن المقاومة الايرانية التي هي قوة فکرية إجتماعية سياسية تحمل أفکارا و مبادئ حية نابعة من أرض الواقع تريد أن تطرح بوجه النظام المتخلف خيارها الحضاري و الراقي بمنحها دفة القيادة و الزعامة لإمرأة من أجل أن تضطلع بمهمة إصلاح ماأفسده نظام ولاية الفقيه من جهة، ومن أجل أن تحمل على عاتقها مهمة بناء المجتمع الايراني للمرحلة الجديدة التي ستعقب هذا النظام و التي نحن على ثقة تامة بقربها!

[email protected]