الأديان والأيديولوجيات والحركات الفكرية.. تمارس التبشير والدعاية، وتحاول القيام بغسيل دماغ جماعي لكسب الأتباع، وإذا ما ذكرت القيم الأخلاقية ضمن خطابها فهي تعدها من ممتلكاتها الذاتية ومكتشفاتها ومزاياها وليست إرثا إنسانيا عاما، وبهذا تصبح الأخلاق وسيل للترويج وليست غاية.

تبشير الطوائف والأديان، الذي يرتكز على إدعاء إحتكار الحقيقة والإيمان وتخطئة الآخرين ومصادرة حقهم في حرية المعتقد.. هو نشاط عدواني يدعو صراحة الى الكراهية عبر مهاجمة طائفة أو دين الآخر المختلف وتقديم نفسه على انه حامل الحقيقة الصحيحة المطلقة، وبهذا تستثار مشاعر التعصب الديني وتنتشر الكراهية، والغريب ان تتم هذه الممارسة بإسم الله والقيم الأخلاقية وبدوافع قد تبدو طيبة أوهمها التعصب ان عملها هذا هو من أجل الله والفضيلة !

في زحمة التعصب الديني والصراع بين الأطراف المختلفة.. تتشوه القيم الأخلاقية وتذهب ضحية الطائفة أو الدين الذي دمجها في عقائده واصطبغت به وأصبحت جزءا منه، لاحظ على سبيل المثال كيف أن جميع الأديان تتحدث عن مقولات سقراط الأخلاقية من دون حساسية، بينما نادرا ماتتطرق الى وصايا بوذا التي هي من حيث العمق والأهمية أكثر فائدة للناس، لكن بسبب إرتباطها بالمعتقد البوذي ورغم انه ليس دينا سماويا ومع هذا تم تأطير وصايا بوذا الرائعة ضمن إطار ضيق من قبل أصحاب المعتقدات الأخرى.

بينما في التبشير الأخلاقي المحض لاوجود للأديان والأيديولوجيات والإقصاء وإدعاء إحتكار الحقيقة، فالدعوة الأخلاقية تتوجه الى روح وضمير الإنسان بغض النظر عن معتقداته، وهي مشروع تنمية نفسية روحية وتقوية لإرادة الخير والمحبة لدى كل الناس المتدينين واللادينيين والملحدين لاتستثني أحدا.

والدعوة الى القيم الأخلاقية.. تجمع شمل الناس ولاتفرقهم، لأنها دعوة إنسانية بريئة ومن يروج لها هو رسول محبة يمارس عملا نبيلا لذاته بعيدا عن الثواب والعقاب والجنة والنار، وهي صرخة الخير بوجه الشر للإرتقاء الى مرتبة الإنسان المستخدم لعقله وعواطفه أفضل إستخدام من خلال مقياس يقوم على إحترام الذات وبالتالي سيؤدي هذا الإحترام الى إختيار الأفضل دوما.

[email protected]