إصرار هاشمي رفسنجاني على ترشيح نفسه لمنصب رئاسة الجمهورية و تجاوزه و تخطيه لکل تحذيرات و تنبيهات الولي الفقيه، يمهد لبداية مرحلة بالغة الحساسية قد تکون مصيرية لنظام ولاية الفقيه برمته و تحسم الکثير من الامور على صعيد الملف الايراني.

رفسنجاني الذي ربطته علاقة قوية بخامنئي قبل و بعد الثورة الايرانية، يمکن إعتباره مهندس عملية تنصيب خامنئي في منصب الولي الفقيه و هو الذي لعب أيضا قبل ذلك دورا أساسيا لايمکن نسيانهquot;بنفس الاتجاه و لنفس الغرضquot; فيما يتعلق بإقصاء الشخصية الدينية البارزة آية الله المنتظري من خلافة الخميني، بل واننا لو قمنا بعملية مقارنة بين شخصيتي رفسنجاني و خامنئي ولاسيما بعد نجاح الثورة و تنصيب الخميني بصفة الولي الفقيه، لوجدنا أن رفسنجاني کان دائما و طوال فترة بروز الخميني و حتى وفاته الشخصية الثانية في هرم النظام، وان الدور الذي لعبه خلال تلك الفترة وخصوصا في الحرب العراقية الايرانية و مرحلة تثبيت و ترسيخ دعائم نظام ولاية الفقيه، دور يتجاوز بفراسخ الدور الذي قام به خامنئي على نفس الاصعدة بل وحتى يمکن إعتبار خامنئي مجرد ظل قياسا الى رفسنجاني.

خامنئي الذي يرکز في وصيته التي کتبها في 8/10/2009، على دور رفسنجاني في حياته و يذکر أفضاله عليه، رغم ان الفضل الاکبر و الاعظم لرفسنجاني على خامنئي هو دوره الکبير جدا في تنصيبه مرشدا للنظام، وجعله الشخصية الاولى في النظام، لکن يبدو أن خامنئي لم يقدر هذه الافضال حقد قدرها خصوصا بعد أن جمع تحت عبائته الکثير من الوجوه المعادية و المعارضة لرفسنجاني، وهو مادفع بهquot;أي بخامنئيquot;في نهاية المطاف الى الانضمام رويدا رويدا للتيار المخالف لرفسنجاني و إطلاق تصريحاتquot;ضمنيةquot; شديدة اللهجة ضده، وفي مقابل ذلك، يظهر أن رفسنجاني أيضا قد ضاق ذرعا بquot;ذلك الخراساني النکرةquot;الذي نصبه مرشدا للنظام و عوتبquot;کما ذکر رفسنجاني في مجالسه الخاصةquot;کثيرا على عمله هذا، ويريد أن يعيد خامنئي الى حجمه الحقيقي وان عملية ترشيح نفسه للمنصب على الرغم من التحذيرات النارية التي أطلقت من جانب خامنئي و تياره، يعتبر بمثابة صفعة سياسية قوية للمرشد و تياره و سبق هذا الموقف موقف سياسي آخر بالغ الخطورة ضد خامنئي، إذ أن الاخير کان قد ذکر بأن هذا العام کان عامquot;الملحمة السياسية و الاقتصاديةquot;، لکن رفسنجاني رد عليه بأن قرضا قدره 950 مليارد تومان بذمة الدولة من جانب المواطنين و المصارف و المؤسسات الداخلية، وهو مايمکن إعتباره بمثابة مؤشر خطير جدا على وخامة الوضع الاقتصادي للنظام رغم ان هذا الرقم يمکن إعتباره قبل ذلك بمثابة تکذيب و دحض و تفنيد لما يزعمه خامنئي بشأنquot;ملحمة سياسية و إقتصاديةquot;.

الجديد المهم بعد إعلان رفسنجاني لترشيح نفسه، هو أن تأکيدات قوية قد أطلقت من جانب واحد من أهم مستشاريه وهوquot;صادق زيبا کلامquot;، بشأن تغيير سياسة إيران تجاه سوريا و يتوقف الدعم اللامحدود الذي يتلقاه نظام بشار الاسد من إيران، في الوقت الذي دعا فيه غلام علي حداد أحد أبرز المرشحين المحسوبين على تيار خامنئي الىquot;توحيد الصفوف بغية التصدي لتيار هاشمي رفسنجانيquot;، وقطعا اننا لو راجعا مواقف خامنئي تجاه النظام السوري و تأکيداته على ضرورة بقاء الدعم و المساندة الى مالانهاية و إعتباره هذا الموقف خطا احمرا، فإننا نجد تضاربا غير عاديا في المواقف منذ اللحظة الاولى، وان موقف حداد بشأن توحيد الصفوف ضد رفسنجاني، يعني أن المواجهة بين قطبي النظام الاساسيين من الممکن أن يصل الى مرحلة بالغة الخطورة قد تتجاوز البعد النظري و الاعلامي.

رفسنجاني الذي يعتبر ثعلبا سياسيا بالمعنى الحرفي للکلمة، يدرك تماما بأن النظام ليس في خطر وانما يکاد أن يصل الى حافة الهاوية مالم يتم تدارکه بفعل او موقف سياسي عملي، ومثلما نعلم جميعا بأنه کان وراء إقناع الخميني بالموافقة على قرار وقف إطلاق النار في الحرب العراقية الايرانية، فإنه من المنتظر جدا أن يبادر الى موقف سياسي فريد من نوعه قد يکون بمستوى سحب البساط من تحت أقدام الولي الفقيه و تجريده من نفوذه و صلاحياته ولعلهquot;أي رفسنجانيquot;، يعرف کيف يفعل ذلك خصوصا وانه الذي قام برفعه شخصيا الى هذا المنصب الذي کان في الحقيقة و الواقع أکبر منه بکثير بل و حتى ان العديد من الاوساط الايرانية تؤکد بأنه لو کان المنتظري مکان خامنئي لما کانت الامور تصل الى هذه الدرجة من الوخامة، وفي نفس الوقت فإن خامنئي و تياره يعدان العدة من أجل مواجهة مرحلة سيئة جدا سقطت فيها هيبة الولي الفقيه منذ إنتفاضة 2009، لکن المشکلة الکبيرة التي تواجههم هي ان رفسنجاني ليس خاتمي ولا حتى أحمدي نجاد، بل هوquot;الصندوق الاسودquot;للنظام حيث يحتفظ بکم هائل جدا من أخطر الاسرار و أکثرها حساسية و يعرف کل صغيرة و کبيرة و شاردة و واردة تتعلق بالنظام، ومن هنا فإن تهشيم عظام رفسنجاني أمر محال، وازاء ذلك فإن اقصاء خامنئي او تهميشه و تحديد دوره و حجمهquot;وهو المطلوب دولياquot;، ليس بذلك الامر السهل بل هو بالغ الصعوبة أيضا، لکن الممکن جدا من وراء هذه المواجهة تعرية الطرفين لبعضهما البعض و کشف النظام على حقيقته و تجريده من ثوب المثالية الفضفاض الذي کان يترديه طوال أکثر من ثلاثة عقود.

تأزم الاوضاع في إيران و وصول النظام الى حافة الصراع و المواجهة المکشوفة بين أجنحته المضادة ولاسيما بين جناحي قطبي النظام، تؤکد بأن النظام في طريق سريع الانحدار ليس بإمکان إصلاحات رفسنجاني او غيره إنقاذه وان سيناريو 2009، من الممکن جدا أن يعاد ولکنه هذه المرة ان بدأ فلن ينتهي إلا بإسقاط النظام کليا، ذلك أن هناك ثمة طرف مهم قد دخل المعادلة وهو جيش التحرير الوطني الذي تم إعادة تشکيل وحداته في سائر أرجاء إيران وان إندلاع الانتفاضة بوجه النظامquot;وهو أمر وارد جدا و يدرکه النظام قبل الجميعquot; سيفقد النظام توازنه لأنه زمام المبادرة ستفلت من بين يديه مما سيهيأ أجواء فلتان أمني غير مسبوق بين قوى و أجهزة النظام التي تعيش حاليا حالة من الذعر و التوجس من مستقبل يکتنفه الغموض کليا!