في خطابه الأخير الأحد 16 حزيران بمناسبة تخريج فوج عسكري في جامعة مؤتة جنوبي البلاد تناول العاهل الأردني عددا من الملفات الساخنة والقضايا الاقليمية والداخلية. وحظي هذا الخطاب اهتمام الصحافة والاعلام العربي والدولي مؤكدا دور الأردن المحوري في المنطقة كعنصر استقرار وملجأ للهاربين من الصراعات الدموية التي تشتعل في المنطقة.

الملف السوري والحل السياسي:

بما يتعلق بالأزمة السورية شدد العاهل الأردني الملك عبدلله الثاني على أن الأزمة السورية فرضت أعباء خاصة على بلاده معتبرا أن المسئولية تجاه الشعب السوري أخلاقية بالرغم من التضحيات.

ورغم التطورات الأخيرة الناتجة عن التدخل الايراني السافر ومشاركة حزب الله في الحرب ضد الشعب السوري وموافقة اوباما المترددة والخجولة والمتأخرة في تقديم السماعدة للمعارضة رغم كل ذلك لا يزال العاهل الأردني يعتقد أن الحل الأمثل هو الحل السياسي وعلى هذا الصعيد قال: quot;أن المملكة على الصعيد السياسي تعمل بكل طاقتها بالتعاون والتنسيق مع الأشقاء العرب، والمجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، وروسيا، والدول الأوروبية من أجل إيجاد حل سياسي يحافظ على وحدة سوريا واستقرارها، ويضمن عمل مؤسسات الدولة السورية في رعاية مواطنيها، لتشجيع الإخوة اللاجئين السوريين، ليس في الأردن فقط بل في جميع دول الجوار، على العودة إلى بلدهم. ومن جهة ثانية، العمل من أجل توفيـر الدعم المالي الدولي لتكاليف استضافة هؤلاء اللاجئين.quot;

وقال: quot;إذا لم يتحرك العالم، ويساعدنا في هذا الموضوع كما يجب، أو إذا أصبح هذا الموضوع يشكل خطراً على بلدنا، فنحن قادرون في أية لحظة على اتخاذ الإجراءات التي تحمي بلدنا ومصالح شعبناquot;.


الملف الفلسطيني ورفض الصيغ البديلة لحل الدولتين:

أما فيما يتعلق بالملف الفلسطيني شدد الملك على الدعم الأردني الغير محدود للشعب الفلسطيني حيث يبقى هذا الملف في أقصى أولويات الممكلة الأردنية الهاشمية. حيث رفض العاهل الأردني الحديث عن مشاريع كونفدرالية قبل الدولة الفلسطينية المستقلة.

وقال أنه حديث في غير مكانه ولا زمانه ولن يكون هذا الموضوع مطروحاً للنقاش، إلا بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة تماماً، وبإرادة الشعبين والدولتين، وأي حديث في هذا الموضوع قبل ذلك، فهو ليس في مصلحة الفلسطينيين ولا الأردنيين.

وأضاف: quot;أمّا الحديث عن الوطن البديل أو التوطين أو الخيار الأردني، والذي تحدثنا عنه أكثر من مرة، فهو مجرد أوهام، والأردن لن يقبل، تحت أي ظرف من الظروف، بأي حل للقضية الفلسطينية على حساب الأردن، وهذا من ثوابت الدولة الأردنية، التي لن تتغير. ويا إخوان، نريد أن نتخلص من هذه الإشاعات، وإن شاء الله، هذه آخر مرة أتحدث فيها في هذا الموضوعquot;.


أما على الصعيد الداخلي مشروع الاصلاح:

حذر الملك من بعض المحاولات من قبل بعض الاطراف التي تشكك بمشروع الإصلاح الداخلي جراء ما قال انه عدم إستيعاب وسوء تفسير وقلق وجدال ومناكفات بين مختلف التيارات. وفي هذا السياق قال quot; المهم هنا هو أن نواصل هذه العملية ونبني عليها، بدون خوف ولا تردد، فإرادة التغيير الإيجابي موجودة وراسخة، وعندنا المؤسسات الوطنية القادرة على ترجمة هذا التغيير على أرض الواقع، وفق خارطة الطريق الواضحة المعالم، وعلى أساس تكامـل الأدوار بين جميع مكونـات نظامنا السياسيquot;.

وكرر الملك مذكرا الحضور بخارطة الاصلاح والتي وردت تفاصيلها في الأوراق الملكية الأربعة التي طرحت للنقاش خلال الشهور الماضية وأهم عناصر هذه الخارطة quot;هي إنجاز الـمحطات الديمقراطية والإصلاحية الضرورية للوصول إلى حالة متقدمة من الحكومات البرلمانية، على مدى الدورات البرلمانية القادمة، والقائمة على أغلبية نيابية حزبية وبرامجية، يوازيها أقلية نيابية تشكل معارضة بناءة، وتعمل بمفهوم حكومة الظل في مجلس النواب، وتطرح برامج وسياسات بديلة، بحيث يترسخ دور مجلس النواب في بلورة السياسات وصناعة القرار، بالإضافة إلى الرقابة والتشريعquot;.

quot;والوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة يتطلب المزيد من النضوج السياسي، ومأسسة العمل الحزبي، وتطوير آليات العمل النيابي، وبما يزيد من مؤسسية عمل الكتل النيابية، ومن خلال الاستمرار في تطوير قوانين الأحزاب والانتخاب مع كل دورة انتخابية، بما يجعلها أكثر تمثيلاً وتمكيناً للحكومات البرلمانية، وكل هذا في إطار نظامنا النيابي الملكي الوراثي ووفق الدستورquot;.

وعن دور المؤسسة الملكية:

وقال الملك أن هذا الدور quot;سيتطور بالتوازي مع إنجاز هذه المحطات الإصلاحية، وستركِّز على حماية قيم الديموقراطية، والتعددية، والـمشاركة السياسية، وحماية وحدة النسيج الاجتماعي، وتمكين المؤسسات الوطنية من تولي مسؤوليات صناعة القرار، ونحن مستمرون في تعميق هذا النهج، وسأبقى الضامن لمسيرة الإصلاحquot;.

وعن ظاهرة العنف المجتمعي:

وأضاف جلالته: quot;ليس هذا هو المجتمع الأردني، ولا هذه هي الدولة الأردنية. لا يمكن أن نقبل أن يكون مستقبل شبابنا رهينة لظاهرة العنف، لأن مستقبل الشباب هو مستقبل الأردن. والسؤال يا إخوان: هل هذه حالات فردية معزولة، أم هي ظاهرة لها أسباب وجذور أعمق بكثير؟ وما هي الأسباب التي تؤدي إلى العنف، وأحياناً الانغلاق على هويات فرعية، أو جهوية، أو عائلية؟.quot;

وشدد العاهل على أن الشعور بغياب العدالة، وعدم تكافؤ الفرص يؤدي إلى الإحباط والشعور بالظلم، وبالتالي يؤدي إلى العنف ومن جهة أخرى، التهاون في تطبيق القانون والنظام العام على الجميع، أو غياب العدالة والمساواة في تطبيق القانون، تؤدي إلى انعدام ثقة المواطن بمؤسسات الدولة، واللجوء إلى العنف حتى يأخذ المواطن حقه بيده، أو للتطاول على حقوق الآخرين. والحل ليس بمعالجة هذه الأحداث ومعاقبة الذين قاموا بها وحسب، الـحل في معالجة الظاهرة من جذورهاquot;.

العشائرية لا علاقة لها بالعنف والفوضى:

ورفض الملك الربط بين البنية العشائرية والعنف وقال: quot;ثقافتنا وبنيتنا العشائرية الأصيلة لا تقبل العنف، ونحن كلنا أبناء عشائر من كل المنابت والأصول، سواءً كنا في البادية، أو في القرية، أو المدينة، أو المخيم، وهذا مصدر قوتنا ووحدتنا الوطنية، وأحد أهم أسباب الأمن والاستقرار في مجتمعنا. ولم تكن العشيرة أو العائلة، في أي يوم من الأيام، سبباً للفوضى أو العنف أو الخروج على القانون، كما يظن من لا يعرفون المعنى الحقيقي للعشيرة أو طبيعة المجتمع العشائريquot;.

وتحدث الملك الأردني عن فئه قليلة quot;حاولت الصيد في الماء العكر، وإشاعة الفوضى واستغلال أجواء الانفتاح والحرية، تعتقد أن المرونة والحكمة والصبر، الذي تعاملت به بعض مؤسسات الدولة في المرحلة الماضية، هو نوع من الضعف. لا يا إخوان، الأردن قوي وقادر على حماية أرواح وممتلكات أبنائه، وقادر في أي لحظة على فرض سيادة القانون، ولا يوجد أحد أقوى من الدولة. لكن، نحن دولة حضارية قائمة على مبدأ العدالة وسيادة القانون، واحترام حرية وكرامة الإنسانquot;.

في هذا الخطاب سجل العاهل الأردني رؤيته الاصلاحية التي بدأت قبل اندلاع ثورات الربيع العربي بأعوام ورسخ موقف الأردن الداعم للقضية الفلسطينية وحل الدولتين رافضا الحلول والبدائل والكونفدراليات قبل حصول الشعب الفلسطيني على دولته المستقلة. كما تحدث الملك عن مساعي الأردن لانهاء الصراع في سوريا والتوصل الى حل سلمي مؤكدا استعداد الأردن على اتخاذ الاجراءات المناسبة في الدفاع عن مصالحه. وعلى الصعيد الداخلي انتقد ظاهرة العنف ورفض الربط بين البنية العشائرية ومشاكل المجتمع مشددا ان ثقافتنا وبنيتنا العشائرية هي مصدر قوة واستقرار للمجتمع الأردني.