لو كنت مسئولا عن تحرير جريدة الحياة اللندنية لقمت بإعادة نشر مقال الكاتب السعودي quot;داود الشريانquot;.. وأجريت نقاشا عقلانيا جادا حول الأسئلة المهمة - المتجددة التي طرحها بوعي استباقي دقيق.. قبل عامين تقريبا (30 نوفمبر عام 2011) في نفس الجريدة.

الشريان كان يتحدث عن أهم كتاب (عبر) عن السياسة الأمريكية في العقود الأخيرة وهو: quot;نصر بلا حربquot; للرئيس الأمريكي السابق quot;ريتشارد نيكسونquot; عام 1988. أهم ما قاله نيكسون، وقد تحققت نبوءاته بالفعل حول انهيار الاتحاد السوفياتي وصعود الصين وأشياء أخري، هو أنه يجب علي أمريكا وروسيا تناسي خلافاتهما والتحالف معا quot;لضربquot; الإسلام!
الإسلام والغرب ndash; حسب نيكسون ndash; عالمان لا يلتقيان أبدا، لأن الإسلام يعادي كل من لا يؤمن به، وعلي الغرب ان يعمل دوما لمواجهته إذ ان الإسلام سيصبح قوة متعصبة ينمو بنمو سكانه وحيازته علي مصادر الثروة والمال والموقع الجغرافي. لذا ينصح نيكسون صناع السياسة ndash; كما جاء في المقال ndash; quot; بالمناورة داخل وكر أفعي، من سم النزاعات الأيديولوجية والصراعات الوطنيةquot;.
ترحيب الإدارة الأمريكية بصعود الإسلام السياسي في دول (ما يعرف) بالربيع العربي كان يعبر عن ثلاثة أشياء عند quot; الشريان quot;، الذي طرح هذه الأسئلة : quot; هل فرطت الإدارة الأمريكية برأي نيكسون الذي اعتبر ان التيارات الإسلامية quot;حلت محل الشيوعية كأداة أساسية للتعبير العنيفquot;؟
أم أنها تريد وصول الإسلاميين إلي السلطة لإيمانها بـquot;عدم قدرتهم علي الاتيان بصيغة سياسية جاهزة quot; واطمئنانها إلي ان هذا الصعود لن يدوم طويلا؟ أم هي تريد من يحرضها علي ابقاء حالة الاستنفار والعسكرة تجاه المنطقة؟quot;.
السؤال المهم ndash; كما يقول الشريان ndash; هو : هل تحقق التيارات الإسلامية في العالم العربي التوقعات بالفشل، أو باللجوء إلي التصعيد والعنف، أم انها ستنجح وتصبح مثل أحزاب اليسار المسيحي في الغرب، ترفع شعارات ثورية وتصافح بأيد من حرير؟
أتصور أن أسئلة الشريان المهمة قد تحققت بالفعل بعد 30 يونيو 2013 (بإسنثناء السؤال الأخير الذي لم (ولن) يطرح أبدا) فيما نشهده وسوف نشاهده من تصاعد للعنف المنظم والعمليات الإرهابية (الفردية) في الأيام القادمة، ليس في مصر وحدها وإنما في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا!.
أما النقاش العقلاني الذي ينبغي أن يثار الآن (وبجدية شديدة) بين المثقفين وأصحاب الرأي والساسة وجمهور القراء ndash; ومنطلقه مقال الشريان ndash; فهو لأن الخنادق ق(توشك) أن تتحدد بالفعل في الألفية الثالثة، بين المجتمع العالمي المفتوح الذي يهتدي بحقوق عالمية للإنسان ويحمي حريات الفرد ويعززها، والمجتمعات المغلقة مصدر الشرور والأمراض والأزمات في العالم، التي يشعر أفرادها بالتشابه ويعيشون في حالة quot; عداء مستحكم مع الآخرين، إما أن يقتلوا أو يقتلوا!
للأسف الشديد، لا يدري الكثيرون في عالمنا العربي الإسلامي (المغيب) أن السياسة في العالم المتحضر يحركها quot;الفكر الفلسفيquot; والمصالح وليست الأهواء والميول والعواطف أو اللا منطق، وكما قال quot;ألتوسيرquot;: quot;فإن كل المعارك الفكرية هي معارك سياسية داخل الفكرquot;، لذلك لا يظهر عندهم quot;قذافيquot; أو quot;بشيرquot; أو quot;صدامquot; أو حتي quot;مباركquot;! .. وعندما ظهر بينهم quot;هتلرquot; أو quot;موسولينيquot; أو غيره، دفعوا الثمن غاليا لإسقاطه وابتكروا من النظم والقوانين والقواعد ما يمنع ظهور هذه النماذج الديكتاتورية quot;السيئةquot; مرة أخري.
علي سبيل المثال، ترد فكرة quot;المجتمع المفتوحquot; للفيلسوف quot;هنري برجسونquot; في كتابه (مصدرا الدين والأخلاق)، وطور quot; كارل بوبرquot; هذه الفكرة عام 1944 في كتابه (المجتمع المفتوح وأعداؤه) الذي أكد علي أن: العدو الأول للمجتمع المفتوح أو (الغرب)، الإيديولوجيات الشمولية التي تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة مثل quot;الشيوعيةquot; وquot;الفاشيةquot;... وquot;الإسلامquot;.
ومصدر الخطر الأساسي أن الإدعاء بإمتلاك الحقيقة المطلقة هو إدعاء (زائف) وغير صحيح أو حقيقي.. وبالتالي لا يمكن أن يفرض علي (الغرب) ndash; أو الآخرين عموما - إلا بالقوة العنيفة والقهر والقمع والإرغام والإرهاب، بينما المجتمع العالمي المفتوح ndash; علي العكس تماما ndash; يقبل بالتعددية والاختلاف والنقد والتساؤل والشك، ويقوم علي دولة المؤسسات والقانون التي تسمح للجميع (علي اختلاف رؤاهم وأديانهم وأجناسهم وأنواعهم) بالحياة معا في سلام.
لن نخترع العجلة أو الكهرباء من جديد، الفرصة اليوم لاتزال مطروحة قبل أن تتسع الهوة العميقة بينا وبين المجتمع العالمي المفتوح، ولن يجدي quot;الترقيعquot; أوquot;الموائمةquot; أو quot;التلفيقquot; تحت زعم التوفيق، أو الالتفاف والتهرب من المسئولية الأخلاقية الجماعية تجاه حقوق الإنسان الفردية في العالم الجديد بإدعاء الخصوصية، لأن البديل الأصعب قد لا نملك ترف (تخيله) ... الطوفان قادم لا محالة!