bull; حقاً إن الحياة السياسية المعاصرة في العالم الغربي قد ضيعت علينا نحن المنهمكين في معاينة الظواهر والبحث عن الأحداث وتحليل الوقائع من الذين يُطلق عليهم صفة (الكُتاب والإعلاميين)، فرصة التمييز بين المعقول واللامعقول، والثابت والمتغير، والخاص والعام في السياسات اليومية لقادة هذه الدول.. بدليل تصريحاتهم منذ انطلاقة الثورة السورية، ثم سكوتهم بعد مضي أكثر من سنتين على هذه الثورة، الى أن تغيرت الى عكس ما كانوا قد صرحوا به تماماً!!.. والتبدلات التي طرأت على السياسة البريطانية بعد التصويت بعدم المشاركة، وكذلك الرقص على الحبال السياسية الذي مارسه الرئيس الأمريكي أوباما!!
bull;
bull; فالتصريحات تتضارب كل لحظة، بل كل دقيقة وثانية، والمواقف إما أن تتطابق بشكل عام، أو أنها تصاب بردة عكسية تؤدي إلى إنقسامات شديدة في داخل مؤسسات الدولة نفسها، حتى تصل إلى درجة الاستقالات المفاجئة، أو الحرب الإعلامية المكشوفة!!.. نحن نفهم هذه الظواهر على أنها إحدى ثمار النظام الديموقراطي، التعددي، وإحدى ثمار المجتمع المدني.. ولكن هناك قضية هامة أصبحت شبه سائدة في عالم الديموقراطيات الغربية، ألا وهي quot; الفضيحة quot;.. فلو تمعنا في دراسة تاريخ الإنقلابات والثورات المدنية في العالم الغربي منذ إنعطافته في القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين، لرأينا أن هذه المجتمعات قد مرّت بسلسلة لم تنتهي بعد من حرب الفضائح، بحيث أصبحت quot; الفضيحة quot; وسيلة إنقلابية حاسمة، إستُبدلت فيها فيالق الجيوش بفيالق الإعلاميين الذين في كل مرة تنشب بينهم quot; حرب الفضائحquot;، يدخلون معترك المعركة بعدتهم وعتادهم ويخرجون دون أن يسقط منهم قتيل أو جريح واحد، وإنما يسقط في هذه المعركة مسؤول أو شخصية مهمة في الدولة كضحية حرب الفضائح.. وأستثني من ذلك فضائح الحكام العرب ndash; على كثرتها ndash; فهي لا تظهر إلا بعد سقوطهم!!.. وما أظهره ويكليكس، والآخر الذي طلب اللجوء الى روسيا لأنه كشف فضائح حكومته الأمريكية وهي تتجسس على حلفائها!!..
ومعلوم أن الطابع العلني لحرب الفضائح في الدول الغربية يتسم في الدفاع عن الأخلاق والمثل الصحيحة والسلوك غير الشائن، ولكن جوهرها الحقيقي هو جوهر سياسي أو إقتصادي بحت!!.. والفضيحة هنا ndash; أيضاً ndash; قضية نسبية - فالرئيس الفرنسي كان يعيش مع امرأة بعلاقة غير شرعية وقد أنجب منها عدداً من الأولاد، وعشيقته تلك كانت قد ترشحت هي الأخرى للرئاسة ولم تفز، وهو يعيش الآن مع عشيقة له بالرغم من رئاسته لفرنسا!!.. حالة كهذه لا تحدث في بريطانيا مثلاً!!.. فلو حدث ذلك لأُطيح بالحكومة برمتها!!..
* * *
bull; فبالأمس كان الصراع الإجتماعي في الغرب قد نشأ على أساس الصراع بين الطبقات المنتناحرة.. أما اليوم فإن الثورة العلمية التكنولوجية قد قضت وبشكلٍ واضح على الطابع التناحري بين طبقات المجتمع بفعل إنتشار quot; المعلومات quot;.
quot; فالمعلومة quot; أصبحت سلعة ينتجها تشغيل الآلة المتطورة، وهي تباع في السوق كما يباع أي نوع من أنواع السلع الأخرى.. والفرق بين هذا الصنف والصنوف التقليدية، هو أن علم المعلومات قد وفر للرأسمالية أرباحاً خيالية لم تكن تحلم بها من قبل، وفي الوقت ذاته مكَّنت المشتغلين بالصنوف الأخرى من الإنتقال إلى مرحلة تقدمية أكثر عطاءاً مادياً لهم، وبذلك إنتفت شروط الصراع التناحري.. ولكن لم ينتهي جوهر الصراع العام، حيث تغير الإسلوب وتغيرت الملامح وتغيرت الطرق والوسائل!!..
إن محور الصراع الطبقي هو الربح، لذلك فإن الحروب والمعارك والإحتلالات وكل أشكال الصراع التناحري، ليس مقتصراً على طبقتين أو فئتين مختلفتين في نظرتهما للعلاقات الإجتماعية، وإنما يشمل الطبقات المتجانسة أيضاً، لذلك فإن هذه الدول المتصارعة في حقيقة الأمر تحكمها شرائح إجتماعية من أصل طبقي واحد ومن إنحدار إجتماعي سياسي واحد، ولكن المصالح الإقتصادية والسياسية قد تباينت فيما بينها وإن تسمت بأسماءٍ أخرى كالاشتراكية، مثلما يحدث في فرنسا واسبانيا واليونان وغيرها!!..
إذن.. من كل ذلك نستطيع أن نستنتج : هل عهد الفضائح سينتهي بنهاية الحكومات القائمة على أساس الإنقسام الطبقي وحسب؟!.. وهل ستخلد البشرية في يوم ما إلى الراحة والإستقرار والعيش الرغيد كما تريد، دون أن تكون هنالك حروب فضائحية ومنغصات ومعاصي وآثام وإجرام وتدمير؟!..
* * *
bull; ونحن كعرب نرتقب بقلوب واجفة ما سوف يحدث في منطقتنا التي تقف على كف عفريت.. الدماء التي تسيل هنا وهناك منذ نشوء اسرائيل في الوطن العربي جعلت الواحد منا لا يدري كيف يحلل الأمور، إذ أن كافة التحليلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لم يتمكن الباحثون أن يأكدوا على مصداقيتها بكل بحوثهم وتنظيراتهم وكتاباتهم بل وحتى في ظهرورهم الاعلامي عبر الفضائيات، في الأمس انتهى مؤتمر بطرسبرغ الذي ضم العشرون الأغنى فوق هذا الكوكب، ولم يخرجوا بنتيجة من الممكن أن تُدخل السلام الى نفوس الناس الهلعين ممن يُقتلون في منطقة الشرق الأوسط!!.. وعلى الأغلب فإن مصالحهم المشتركة هي التي كانت سيدة الموقف في كل مباحثاتهم.. ولا أزعم أن ما ستقرأون في السطور القادمة يحتوي على تحليل عما يسود من مشاعر جياشة مفعمة بالقلق، ولكنها خواطر متناثرة لملمتها من هنا وهناك من تجاويف الذاكرة لتنتهي الى هذا المقال.
bull;
* * *
bull; إن علماء الاجتماع من كافة المدارس يؤكدون أن وجود هذه الظواهر سوف تقل كثيراً ولكنها لا تختفي أبداً!!
أرجو المعذرة من قراء إيلاف، فهذه المقالة ضرب من ضروب الكسل الذهني الذي ينتابني في بعض الأحيان!!..
* * *
bull; ما دمنا قد جئنا على ذكر (الفضائح)، فأتوقع أن باراك أوباما سيتعرض الى فضيحة كبرى إذا لم ينفذ ما هو مطلوب منه؟!..