حق الشعوب في تقرير مصيرها، هو مبداء مقر من الشرعية الدولية او المجتمع الدولي، اي نعم كل مبداء يتم تفسيره حسب المصالح الذاتية للدول الكبرى، ونتيجة للصراع بين الدول على تطبيق المبداء يتم تنفيذه بمديات مختلفة. والشعب الكوردي كبقية شعوب العالم لا يمكن ان يتم حرمانه قانونيا واخلاقيا من مبداء مقر من المجتمع الدولي. قد نختلق مع بعض القيادات الكوردية في التصرف والاداء والقول وحتى في التجريم، ولكن لا يمكن باي حال من الاحوال ان نختلف مع الشعب الكوردي في توقه لحق اصيل من حقوقه. وبقدر اتفاقنا مع حق الشعب الكوردي فاننا نود ان نؤكد ان توق الشعب الكوردي لهذا الحق يجب ان لايكون على حساب الحق الاصيل والمماثل لبقية الشعوب المتعايشة على نفس البقعة مثل الشعب الكلداني السرياني الاشوري والا فان الشعب الكوردي يقر بعدم استحاقه لحقه. هذا من الناحية المبدأية، والتي باعتقادي من الصعوبة مناقشتها او تفنيدها. ولكن نحن هنا نتناقش عن الواقع الحالي والمنظور.

لماذ تتوق الشعوب لحكم نفسها بنفسها، قد يكون لاشباع الرغبة في التساوي مع الاخرين، وقد يكون بسبب الشعور بالظلم والاضطهاد والتماييز. اذا باعتقادنا ان هذا التوق في غير الحالتين سيكون مرضا اكثر مما هو نضال لتحقيق طموح مشروع، والاحتمال الاول ايضا لا يجب ان يقدم له كل هذه التضحيات لاجل تحقيق مساواة في الشكل وليس في المضمون اي مساواة في الحقوق التي يجب ان يتمتع بها الانسان (المواطن).

تتميز الحركة الكوردية، بانها ثرية في المطالبة بالانصاف والعدالة، فهذه التحركات يرقي عهدها الى منتصف القرن التاسع عشر، رغم ان بعض التحركات الكوردية اتسمت بالطابع والتعصب الديني، عانى منه جيرانهم والاقدم منهم على الارض الاشوريين بمختلف تسمياتهم المذهبية والمناطقية، ولعل ما حدث في تحركات بدرخان بك ومحمد كور الراوندوزي وما حدث ابان المذبحة الكبرى والمعروفة بالسيفو ضد الارمن والاشوريين (السيف) خير دليل لاستغلال الدين في محاربة الجار الواقع تحت ظلم اكبر (ديني وقومي) وليس لتحقيق الاماني القومية للشعب الكوردي اولشعوب كوردستان.

في القرن العشرين نضجت الحركات الكوردية، وصارت تطالب بمطالب قومية ووطنية، ووصل الامر احيانا ببعض المثقفين للمشاركة في اقامة تحالف كوردي اشوري لتحقيق الطموحات القومية المشتركة. ولكن بعد تاسيس ما سمي بالدول الوطنية، العراق وتركيا وايران وسوريا صار المطالب القومية تؤطر ضمن اقليم الدولة بحد ذاتها، اي كمثال صار مطلب الكورد (اللامركزية بداية ثورة ايلول 1961، ومن ثم الحكم الذاتي في نهايتها، والحكم الذاتي الحقيقي في ثورة كولان 1975، والفدرالية بعد اسقاط النظام الصدامي) ولكن كل هذه المطالب صيغت ضمن العراق الواحد او الموحد، ولم يتم طرح ما يفيد بتقسيم العراق، رغم ان المطالب الكوردية ارتبطت بالاعتراف بحق الشعب الكوردي في تقرير مصيره. الذي هو اعتراف بحق الكورد بالاستقلال التام ولكن المؤجل من قبل كل القوى العراقية.

رغم من حالة الضعف التي تنتاب اغلب الدول التي تضم كوردستان (العراق وايران وتركيا وسوريا) وهو ضعف يشاهد بشكل واضح في العراق وسوريا، ولكن تركيا وايران ايضا تعانيان من ضعف في بنيتها ووحدتها الوطنية واستقرار مجتمعها يكاد يؤدي بهما الى التهلهل وضعف المركز لصالح الاقاليم والتوجهات القومية والمناطقية. كما ان الدولتين وباعتبارهما كيانين ضمن منظومة الدول التي تريد ان تبقى على وجودها واستمرارية هذا الوجود، تدركان ان عليهما ان يقدمان تنازلات مؤلمة (قانونية وتنظيمية) لكي تضمن هذا الاستمرار، ولكن تخافان من اي خطوة خاطئة قد تقودهما الى ما لاتحمد عقباه وهو الحرب الداخلية والانقسام.

ليس خافيا على احد ان نشؤ الدول على اساس قومي قد يكون احد اسباب الحروب المستمرة، فمطالبها وحقوقها الدائمة والمقدسة لا تنتهي. مما يعني استمرار الاضطرابات والحروب. ولكن هذا لا يعني ان تكون الامم والاقوام غير متساوية او بعضها يتسلط على الاخرى ابدا، بل يعني امكانية التعايش في الدول القائمة ولكن بان يكون لكل الامم كامل حقوقها وتضمن مساواتها ومساوات ابناءها مع بقية المواطنين وبلا اي تفرقة، مساواة في الحقوق والواجبات.

ان اعادة تشكيل الشرق الاوسط، قد لا يتطلب فقط سنوات طويلة اخرى لكي تهئ اذهان الناس على تقبل المخطط المطلوب، ولكنه بالتاكيد يتطلب انهارا من دماء ابناء المنطقة، ودمارا فوق ماهي مدمرة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية. ولذا فان الوصول بالشعوب الى حالة يكون الانقسام والتقسيم وديا وبلا اي ضغائن يمر بمرحلة طويلة من حالة الدول المتعددة الاقوام والتي تعيش بمساواة تامة مع بعضها البعض. ولكن الاحتمال الاكبر ان هذه الشعوب ان عاشت بمساواة تامة وغير منقوصة وتشارك في صنع خيارات وطنها، تدريجيا سترفض الاحزاب القومية وتتحول الى الاحزاب المطلبية، مما يخلق انقسام جدي عابر للقوميات والاديان داخل الوطن الواحد. انقسام مبني على المصالح الاقتصادية وفقط الاقتصادية وزيادة مساحة الحريات ليس الا.

ولتقريب الصورة سنضع مثالا (لو تمتع الكورد كمثال في العراق وايران وتركيا وسوريا، بكل الحقوق التي يطالبون بها، وهي التعليم والتعلم بلغتهم، واعتبارها لغة رسمية، وتمتعوا لحقوق المواطنية وكل المناصب مفتوحة لهم ولغيرهم، وكانوا مشاركين حقا كافراد او جماعات في وضع سياسية بلدهم وصياغتها بما يضمن مصالح ابناء الوطن، وكانت القوانين تعبر عن طموحاتهم وطموحات كل المواطنين وليست لخدمة ايديولوجية معينة) فهل من الضروري ان يقدموا تضحيات كبيرة لتحقيق الاستقلال اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان وضعا اعلاه سيخلق تواصل مفتوح مع بقية الكورد المتواجدين في ايران او تركيا او سوريا، كما ان وسائل الاتصال الحالية تعبر الحدود بدون استئذان، تجعل من الكثير من مهام الدولة متحققة دون ان يتعايش الانسان في دولة واحدة.

ان التجارب التي مرت بها الحركة الكوردية، وبالاخص حالات الاقتتال الداخلي، والمجتمع الذي لم يعبر من المجتمع العشائري الى المجتمع المدني، سواء برغبة القيادات السياسية او بفعل عدم الاستقرار وضغط المحيط الخارجي، تؤكدان ان هنالك صعوبات داخلية جمة في تحقيق حلم الدولة كردستان الكبرى، فليس بخافي على الجميع ان منطقة بحجم كوردستان العراق والتي تشكل حاليا ثلاثة محافظات فقط، لديها صعوبات كبيرة في الانصهار والتأقلم للعيش في كيان يدار من مركز واحد. فالصراع الحزبي والذي ان تحول الى صراع سلمي في غالبه، يكاد يخرج من قمقمه ليتحول الى صراع عسكري قوي، وهنا الطامة الكبرى في لجوء كل طرف الى اطراف خارجية معتبرا نفسه في حرب من اجل الوجود والبقاء امام عدو، لا يريد هزيمته بل ازالته.

ان واقعية حلم كوردستان تتمثل في ايجاد مخارج غير تقليدية، بمعنى ان التهديد احيانا باللجوء لاعلان الدولة ومن ثم اقامة كوردستان الكبرى، امر محفوف بالمخاطر ليس على القيادات الحالية فقط، بل بالمخاطر على الشعب الكوردي وكل الشعوب المتعايشة معا في هذه البقعة. ان منطقة كوردستان العراق والتي قد تكون المرشحة اكثر من غيرها لاعلان ذاتها نواة الدولة الحلم، محاطة من كل الاطراف بجيران لا يرغبون في وجودها اصلا، اي نعم قد يستفادون من هذا الوجود كما في الحالة الراهنة، ولكن ان تتحول لمنطقة استقطاب لبقية الاجزاء، يعني سلخ مناطق واسعة من هذه البلدان وضمها الي الدولة الوليدة، ليس هذا بل مناطق غنية بالمواد الاولية. ستستعمل مستقبلا كاحد ناصر القوة في السياسة الخارجية مثل المياه.

والمخرج او المخرجان المتوفران حاليا امام اقليم كوردستان هما اما القودة الى ما صرح به في منتصف الثمانينات احد قادة الاتحاد الوطني الكوردستاني، من انه لا مانع من انظمام كوردستان العراق الى تركيا، لا نه يقرب وحدة الشعب الكوردي، وهو مخرج قد ترحب به تركيا على الاقل حاليا، في ظل وضعها مسألة الدخول الى الاتحاد الاوربي على الرف، ولكنه سيجد معارضة دولية واقليمية (ايرانية، سورية قبل العراقية). مما يعني ان تحقيقه محفوف بالمخاطر الكثيرة. والمخرج الاهم والاكثر قدرة على الاستمرارية والترحيب الدولي، باعتقادي ان تقوم القيادات الكوردية، وضمن خطة دولية متناسقة، بحملة دولية اقليمية غايتها، انشاء منطقة اقليمية سياسية واقتصادية مفتوحة، تظم العراق وايران وتركيا وسوريا وقد تضم مستقبلا لبنان واسرائيل، تلتزم القوانين الدولية وحرية التبادل التجاري وازالة الحدود البرية وحرية التنقل والاستثمار. ان جل دول المنطقة وخصوصا العراق وايران وتركيا وسوريا بحاجة لتحرك جديد وكل لاسبابه الخاصة، ليخرج من حالة الجمود الحالية، الى حالة منفتحة وسلسلة وبدون عمليات التدمير القائمة. ان قيادة مثل هذه الدعوة سيعني انفتاح الكورد على بعضهم البعض وسهولة التنقل والانتقال وسهولة تبادل الخبرات لتطوير مناطقهم وتنميتها. قد يتطلب امر كهذا وقتا ولكنه وقت مهم لهظم كل التطورات التي تصاحب انشاء واقرار هذه الخطوة.

ان امرا كهذا ان تحقق، سيفرض على ايران الخروج من حالة الجمود والانغلاق الايديولجي ولكن ليس كخاسر بل كمشارك لتاسي الافضل، اي انه سيفرض على المشاركين الالتزام بقيم معينة ومنها الحريات الفردية والالتزام بالاتفاقيات الدولية والبحث في السياسية ليس عن انتصارات ايديولودجية، بل عن الفوائد الاقتصادية. وسيجعل حل مشكلة سوريا اسيهل ايضا، لانه سيطرح ضمن حل دولي لكي الاقليم، وسيكون تنازل الطرف الحكومي مع القضاء على الارهاب والتعصب، اسهل بكثير من ترك الامور لتقرر القوة المجردة مجريات الامور. ان مثل هذا الحل سيخرج المنطقة من الاحتقان الطائفي لانه سيشكل من اعدادى متساوية تقريبا من كلا الطائفتين الكبيرتين وهي السنة والشيعة وطوائف اخرى مثل العلوية. اضافة الى المسيحيين والازيدية والزارداشتية وغيرهم.

نطرح هذا المقترح ونحن نرى انغلاق اقليم كوردستان العراق على ذاته، رغبة او دفعا، وقيام الحكومة المركزية بالتهديد والوعيد وكانها لم تستفد من كل تجارب الماضي المأساوية، ورغم كل وعودها بالحل الفدرالي وحق تقرير المصير.

&ان وجود قيادة اقليمية واسعة الافق ومنفتحة على العالم والتطورات الجارية فيه، وتدرك قيمة حقوق الانسان والجماعات، لقيادة الاقليم المقترح، وبالاخص رسم السياسة الخارجية والاقتصادية واسلوب لحل المشاكل الداخلية، سيكون باعتقادنا افضل وسيلة للخروج من عنق الزجاجة الدائمي الذي نعيشه فيه منذ امد طويل.&

[email protected]