حتى العملية الارهابية في باريس ضد المجلة الفرنسية الاسبوعية الساخرة شارلي ايبدو لم تهرب من نظرية المؤامرة. فسرها البعض بمؤامرة فرنسية لتأنيب الشعب ضد الاسلام والمسلمين. وغالبية المروجون لنظرية المؤامرة هم من الاعتذاريين لداعش والقاعدة جرائم نظام بشار الأسد.

وقد شاءت الظروف ان اجلس مع عدد من الأشخاص في مقهى تابع لأحد الفنادق في لندن في بداية عام 2015. وتناول الحديث مواضيع شتى شملت كيف قضى كل منهم عطلة أعياد الميلاد وليلة رأس السنة ثم انتقل الحديث لأبرز الأزمات لعام 2014. اقترح أحدهم وهو ديبلوماسي ان الايبولا حسب ما قرأ وسمع مجرد "مؤامرة اميركية لكي تستعيد أميركا نفوذها في غرب افريقيا وتنافس التوسع الاستثماري الصيني" داعما ذلك بالاستشهاد بما قالته هذه الجريدة العربية او تلك الفضائية. بينما تدخل آخر وهو صحفي وله خلفية في الاعلام الفضائي ليثني على تحليل الديبلوماسي بأسلوب تملّقي ليضيف بأن داعش صناعة صهيونية فبركتها السي آي ايه والموساد لتشويه صورة الاسلام والعرب في العالم. غضب الاعلامي عندما رد احدهم بالقول: " اذا فداعش واتباعها عملاء للصهيونية والامبريالية وليسوا مجاهدين او ثوار". ثم تدخل أكاديمي ليؤكد ان كل ما يحدث في المنطقة مخطط له من سنوات وسرد قصة مشروع انبوب غاز من قطر الى اوروبا عبر سوريا واعتبره السبب الرئيس في تدمير سوريا.

واستمر الحديث في هذا المجال حتى نهاية جلسة العشاء في احد مطاعم نفس الفندق وبرعاية احد المؤسسات المتخصصة بشؤون الشرق الأوسط.

واتساءل اذا كان أشخاص بهذا المستوى لا يزالوا يؤمنون بنظريات المؤامرة لتفسير كل ظاهرة وكل وباء، فما بالك برجل الشارع العادي؟ أليس المفروض ان يكون الديبلوماسي والاعلامي و الأكاديمي أكثر معرفة واضطلاع من غيرهم؟

قبل سنوات سمعنا ان احداث 11 ايلول في نيويورك ارتكبها الصرب حسب ذمة كبار محللين ومنظرين العصر على فضائية مشهورة. وثمة محلل آخر حاول اقناع قراء صحيفة يكتب بها أن الموساد قامت بتجنيد مسلمين لتنفيذ العملية رغم ان القاعدة والناطقين باسمها اعتبروها انجازا هاما وعملية مباركة معتبرين المنفذين للعملية شهداء في سبيل الله وتم نشر اسماءهم وصورهم في الصحف العربية والعالمية.

&

&الأيدز والقذافي:

وفي عام 2006 لجأ العقيد معمر القذافي لتلفيق تهمة لممرضات بلغاريات بنشر فيروس الأيدز في ليبيا مؤكدا ان فريق الممرضات كان يعمل لحساب السي آي ايه والموساد الاسرائيلي.

وتبين فيما بعد ان الفريق الطبي المتهم تعرض للمعاملة السيئة من قبل الأمن الليبي وللتعذيب الجسدي وهذا فسر الاعترافات المفبركة التي استعملتها السطات لادانة الفريق الطبي.

&وحسب تقرير من منظمة محامون بلا حدود (Avocats Sans Frontieres) قام لوك مونتانيير وهو عالم فرنسي متخصص بالفيروسات بدراسة عينات من الفيروس الذي اصاب الاطفال واستنتج ان العدوى اصابت الاطفال قبل وصول الممرضات الى ليبيا بفترة طويلة ووجد أيضا ان الاطفال يعانوا من التهاب الكبد بي اند سي (hepatitis B and C ) الذي ينتج عن تدهور في مستوى النظافة وممارسات لا تراعي الاهتمام بالصحة والنظافة كاستعمال ادوات غير معقمة واهمال عام في المستشفيات وانتشار البكتيريا والتلوث في المستشفيات.&

&

&وأيد هذا الاستنتاج خبير ايطالي يتخصص في امراض الأيدز الدكتور فيتوريو كوليزي&

Vittorio Colizzi (HIV Exper)&

وبعد دراسات وفحوص عينات توصل كوليزي الى نفس الاستنتاج الذي يؤيد ويدعم استنتاجات لوك مونتانيير Luc Montagnier خبير الفيروسات الفرنسي. وتناسى العقيد سبب آخر في انتشار الأيدز في ليبيا في ذلك الوقت هو تدفق العمالة الافريقية من الجنسين من دول جنوب الصحراء. وقيام علاقات جنسية غير مشروعة مع مواطنين ليبيين.

&

&أما عصابات داعش المأجورة:

ظهرت في الشهور الأخيرة أدلة قاطعة ان داعش صناعة اقليمية اسلامية بحتة ولا علاقة لها من قريب او بعيد في السي آي ايه والموساد. ربما وجودها على الساحة يفيد اسرائيل ويفيد كل من يعادي الاسلام. ولكن المستفيد الأكبر من وجود داعش على الساحة هو نظام بشار ألأسد وداعميه الاقليميين وروسيا. لأن الهدف النهائي من وجود داعش على الساحة هو اظهار بشار ألأسد كمكافح للارهاب. وداعش تقوم بدور الارهابي على أفضل وجه. داعش هي احد مشتقات تنظيم القاعدة الارهابية ونمت وترعرعت واصبحت قوة لها وجود على الساحة بتواطؤ اقليمي يتعاطف مع نظام بشار الأسد. وحسب مصادر استخباراتية غربية يمكن وصف داعش باختصار شديد "كمشروع سوري اقليمي هدفه الأساسي تشويه واحباط الثورة السورية الحقيقية وخلط الأوراق في المنطقة وحماية نظام بشار الأسد". وقد نجح هذا المشروع حتى الآن في تحقيق هذه الأهداف.&

الايبولا وباء يجتاح غرب افريقيا وسيتم القضاء عليه بجهود دولية وداعش وباء يجتاح الشرق الأوسط وسبب صمود داعش وبقاءها حتى الآن هو التواطؤ الاقليمي ويجب القضاء على داعش بجهود عربية واسلامية.

&

خلاصة الكلام:&

هناك من يعتقد ان الإسلام السياسي رسَّخ فكرة المؤامرة الغربية ضد العرب والمسلمين، مما أكسب الجماعات الدينية المتطرفة تأييدا وتعاطفا في الشارع. وتبنى الكثيرون نظرية المؤامرة وعلى رأسهم بعض الطغاة العرب من أمثال عمر البشير مررورا بالقذافي وبشار الأسد واستخدموها كشماعة للتهرب من المسؤولية ولوضع اللوم على الآخرين. وأصبحت المؤامرة تبريرا لمجازر عمر البشير في دارفور ومجازر الأسد في سوريا وللاخفاقات السياسية والاقتصادية التي نعاني منها في العالم العربي.

&

لندن

&