لا أحفل أبدا بردود أفعال أعوان السلطة وأذنابها حول المقالات والمواقف التي أسجلها من خلال كتاباتي، ولا ألتفت الى تعليقاتهم المرسلة. وهناك سببان لعدم إهتمامي بتلك التعليقات رغم أنني أرحب بتفاعل القراء مع الكتاب لأن في ذلك ثراء فكري للكاتب والمتلقي أيضا.

&السبب الأول هو أن معظم من يردون على مقالاتي أو يهددوني بالقتل وقطع العنق أو الرزق، إنما هم بالأصل إما مستشارو السوء حول زعماء السلطة الذين من صلب وظيفتهم محاربة معارضي الزعيم وتخوينهم وليس إبداء المشورة الصالحة لذلك الزعيم، وجل هؤلاء يتخفون وراء أسماء مستعارة لكتابة مقالات ترد على الإقلام الحرة أو يكتبون تعليقاتهم على مقالات كتاب المعارضة بأنفسهم وبأسماء مستعارة..

&والسبب الثاني هو أن معظم الذين يردون على المقالات التي تتحدث عن سلبيات السلطة إنما هم مجموعة من المرتزقة الذين يأكلون السحت الحرام وظيفتهم الأساس هو الدفاع عن السلطة وتجميل صورتها، بدليل أنهم أيضا يتخفون وراء أسماء مستعارة يكثر تردادها في خانة التعليقات ولا يجرئون على كشف أسمائهم الحقيقية،في حين أننا كتاب المعارضة نكتب بأسمائنا الصريحة ونتحدى السلطة جهارا نهارا، ولكنهم حتى وهم يدافعون عن أولياء نعمتهم أو أسيادهم يخافون من كشف أسمائهم أو تعزيز مقالاتهم وردودهم بصورهم الشخصية، وكأن الأمر فيه عيب أو عار، وهو كذلك وإلا فلماذا يخافون من كشف أسمائهم الحقيقية وهم يقبضون رواتبهم ومكافئاتهم من السلطة من أجل تلك الوظيفة وهي تجميل صورة الدكتاتور والحزب القائد.

هناك بضعة أقلام شريفة وحرة تصطف الى جانب الشعب للدفاع عن حقوقه وللمناداة بتحقيق العدالة الإجتماعية والقضاء على الفساد، في حين هناك جيش عرمرم من مرتزقة السلطة يدافعون عنها ظالما أومظلوما،ونقول لهؤلاء لكم دينكم ولنا ديننا، فدعوا الحوار الحضاري حكما بيننا وليس التخوين والعمالة والقتل والسجن.

لاحظت بأن بعض القراء يتصورون بأنني أقيم في بلد أوروبي أو في المنفى لكي أتجرأ على كتابة مقالاتي الإنتقادية ضد السلطة بكردستان، ولا يدركون بأنني ما غادرت مدينتي أربيل عاصمة الإقليم إلا خلال سنوات مشاركتي بالثورتين الكرديتين منذ أواسط السبعينات ثم منتصف الثمانيات ولحد اليوم، لذلك أشعر بالمعاناة اليومية التي يعيشها مواطني في كردستان.

منذ إثنين وعشرين سنة يحكم الإقليم حزبان ويفوزان بجميع الإنتخابات بالأغلبية ويشكلون حكومات تلو الأخرى، ولكن مشكلة الكهرباء التي بدأت بتحرير كردستان من قبضة الدكتاتورية هي كما هي اليوم، يقضي معظم سكان كردستان لياليهم في ظلام دامس، وفي النهار تتوقف الحياة تماما في البيوت والأسواق بسبب إنقطاع الكهرباء.والحكومات المتعاقبة تسلمت مليارات الدولارات من بغداد خلال السنوات العشر الماضيبة، لكنها لم تنجح بمعالجة هذه الأزمة المستفحلة، بل أن هناك مصدرا في وزارة الكهرباء أطلق تصريحا لم نسمعه حتى في كتاب كليلة ودمنة ولا في بدايات ونهايات إبن كثير، حين أعلن بصراحة أن وزارة الكهرباء لاتستطيع أن تجهز المواطنين بالطاقة في حال تدنت درجات الحرارة أو إرتفعت، والسؤال ما فائدة الكهرباء إذا لم تدفيء منزلا، أو تبرده؟.ويستطرد المصدر بقوله" أن المشكلة ألأساسية هي امتناع وزارة الموارد الطبيعية عن تجهيز محطات تشغيل الكهرباء بالوقود، والسؤال المكرر هنا هو، كيف يجوز أن تتبجح تلك الوزارة بقدرتها على تصدير نصف مليون برميل من النفط وبيعها بأبخس الأثمان في وقت الشعب يحتاج الى نعمة الحياة وهي الكهرباء؟. وكيف يجوز لوزارة حكومية أن لا تتعاون مع الوزارة الأخرى لمجرد أن وزيرها من غير حزب السلطة؟. ثم هل هناك حكومة بالعالم كله تعتمد بتجهيز الطاقة على المولدات الأهلية الصغيرة؟.

مع حدوث الأزمة المالية بكردستان أصدرت الحكومة قرارا برفع أسعار الوقود بنسبة مائة بالمائة، وأصبح سعر اللتر 900 دينار بعد أن كان 450 دينارا، وتذرعت الحكومة بأنها تحتاج الى أموال لدفع رواتب الموظفين،واليوم بدأت مرة أخرى الأموال تتدفق من بغداد بعد إتفاق الحكومتين المركزية والإقليمية، لكن حكومة الإقليم ترفض وبإصرار إعادة سعر البنزين الى ما كان عليه، رغم أن إنخفاض أسعار النفط العالمية أدى بجميع الدول المستلهلكة الى تخفيض أسعار الوقود ونحن دولة منتجة وليست مستهلكة.

تقدم قبل يومين رئيس دائرة الإدعاء العام بالسليمانية بإستقالته موضحا أن سبب الإستقالة يعود الى عدم تجاوب وأهتمام السلطة بملفات الفساد، مؤكدا أن دائرته قدمت مئات الدعاوى الى المحاكم بشأن الفاسدين دون إتخاذ أية إجراءات قانونية بحقهم.

الأسواق محتكرة من قبل أعوان السلطة، التجارة اصبحت بيد قيادات سياسية، من تجارة الأدوية الى تجارة المواد الغذائية والكماليات وكل شيء.

عشرات الألوف من خريجي الجامعات الشباب لايجدون وظائف تستوعبهم،وهناك عشرات الآلاف من أعوان السلطة يقبضون رواتب شهرية بالملايين دون أن يداوموا يوما واحدا بدوائر الحكومة.

الغالبية العظمى من أبناء هذا الشعب يعيشون قرب خط الفقر، ومئات من أعوان السلطة يمتلكون المليارات..

كل هذه المشاكل والأزمات اليومية يشعر بها المواطن الكردي بإقليمه،وهي أكبر من أن يتستر عليها أعوان السلطة ومرتزقته،لأن قيادات كردستان بضمنها رئيس الإقليم ورئيس الحكومة يعترفان بوجود هذه الأزمات والمشاكل في حين يحاول أذناب السلطة ومرتزقتها إبقائها طي الكتمان، ويطالبوننا نحن الكتاب بعدم نشر الغسيل القذر تحت حجة أن ظروف كردستان الحالية لا تسمح بإبداء الإنتقادات أو الإنتقاص من السلطة.

منذ أكثر من عشرين سنة تعمل السلطة بكردستان على خلق أعداء وهميين لكي تقنع الشعب بالسكوت ومراعاة ظروف كردستان.خلق الأعداء الوهميين أصبح شيمة الأحزاب والسلطات الدكتاتورية، فصدام حسين قالها منذ توليه الحكم بأنه يحارب الإمبريالية الأميركية والصهيونية العالمية، لكن الوثائق أظهرت بأن أميركا كانت من أهم الدول التي ساعدته بحربه ضد إيران.

بشار الأسد قال منذ إندلاع الثورة السورية بأنه يتعرض لمؤامرة كونية، وأن هناك سكان الفضاء من المريخ والمشتري وعطارد نزلوا بأرض سوريا بمركباتهم الفضائية يقصفون قصره الجمهوري.

والسلطة الكردية لم تكن مختلفة عن تلك الأنظمة في اللجوء الى زرع الأوهام بقلوب المواطنين لكي تضمن لنفسها البقاء في السلطة. فبعد سقوط النظام السابق وسن الدستور الذي شاركت القيادة الكردية بصياغته، قالوا بأن هناك العديد من المطالب الدستورية التي يجب أن نواصل النضال من أجل تطبيقها، أشغلونا سنوات بهذه الحجة ولكن أيا من تلك الحقوق لم يتمكنوا من الحصول عليها طوال السنوات الـ11 الماضية.

جاء الدور على تخويف الناس بالمادة 140، وقالوا بأنها قنبلة موقوتة ستنفجر بأية لحظة وستضيع منا كركوك إذا لم يتعاون معنا المواطنون ويتكاتفون مع قيادتهم، ولكن القنبلة لم تنفجر وأصبحت المادة 140 في عداد الأموات دون أن يجني الكرد أي شيء منها.

الدور إنتقل هذه المرة الى تخويف الشعب الكردي بقيادة عمليات دجلة، وإتهموا نوري المالكي بأنه يهدف الى غزو كردستان وتكرار عمليات الأنفال، ولكن بعد فترة وجيزة فرش البساط الأحمر للمالكي بمطار أربيل الدولي وأستقبل إستقبال الأشقاء المخلصين.

اليوم هناك تهديدات داعش، وهذه التهديدات حقيقية تماما، فداعش منظمة إرهابية تعمل على محاربة الكرد وإذا أمكن إبادتهم، لكن السؤال من ورط الشعب الكردي بتلك الحرب اللعينة، ماذا جنينا من ورائها غير السبي والقتل وهتك الأعراض، السؤال هو لماذا إستطاع مقاتلو كوباني من الصمود أمام داعش منذ أربعة أشهر، ولم تستطع قوات البيشمركة من الصمود في سنجار ولو لأربعة أيام؟.

ما دفعني لكتابة هذا المقال هو قول بعضهم بأن الظروف الحالية لكردستان لاتسمح بأن يكتب الكاتب أية مقالات إنتقادية ضد الفساد وكشف الحقائق، وكأن وظيفة الكاتب كما يفهمون هو فقط تبجيل السلطة وكتابة قصائد المدح والثناء للقائد الهمام ولجيشه الميامين الأبطال، وتصوير الهزائم بأنها إنتصارات كما يفعلون،وخداع الجماهير بإخفاء الحقائق عنهم.

إذا بحثت في صحف ووسائل الإعلام الكردية لن تجد إلا نفرا قليلا من أصحاب الأقلام الشريفة الحريصة على نصرة شعبها، فيما تمتلك السلطة جيوشا جرارة من المرتزقة والمنتفعين والطبالين والزمارين، فليتركوا مهمة النقد لاؤلئك الكتاب الشرفاء، وليجندوا مرتزقتهم للطبل والزمر ويرمون لهم من فتات موائدهم ما يشبع بطونهم..

لقد سكتنا كثيرا وآن لنا أن نضع النقاط على الحروف، فما يجري هو جريمة كبرى بحق الشعب.

والساكت عن الحق هو شيطان أخرس.

في الختام أقول لكل أولئك المدافعين عن السلطة الذين يخافون من المواجهة وديدنهم التهديد بالسجن والقتل، بأنني لا أدعو الى العنف بأي شكل من أشكاله، وأن دعوتي هي الإحتجاج بأساليب حضارية ومدنية خالصة لنصرة شعب مظلوم قدم تضحيات غالية من أجل حريته، وآن له أن يجني ثمار ثوراته المتتالية، ومن لا يريد ذلك فحسبي قوله تعالى شأنه:

" لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين، إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين".

&

[email protected]