إن تسألوني – وإلا بلاش! – عمّا إذا كان هناك من انجازات تستحق أن تُذكر للحكام العرب خلال القرنين الماضي (ولغرض الموضوعية هنا إبدأ في البحث عن انجازات خلال القرن العشرين فيما بعد فترة الاستعمار الأجنبي!، يعني من أول دولة عربية نالت استقلالها وهي مصر – وإن كان هناك خلاف حول أنها الأولى – وحتى آخر دولة وهي جيبوتي!) والحالي، ويمكن أن نصفها بالانجازات "الذهبية"؟

الجواب، ولا حتى "حديدية"! – باستثناء القبضة الحديدية! -، وممكن هنا للأمانة التاريخية تصريف "ذهبية"، لما رواه "الذهبي" في سير النبلاء، أو كون أحد رؤساء الحكومات العربية حمل لقب "الذهبي"!

رغم ذلك وباعتبار أن "لكل قاعدة استثناء"، فإنني استثني حاكماً عربياً واحداً، وهو صاحب أعظم مبادرة نهضوية عربية – حتى الآن! - بل وعالمية في القرن الحادي والعشرين – والعشرين والتاسع العشر والثامن عشر.. -، والأجمل في هذه المبادرة أنها قد تُرجمت بالفعل وفي وقت قريب إلى انجاز ملموس!، وأي انجاز!.. انجاز كان هو "الربيع العربي" المنشود.. ولكن.. ولندع "لكن" هذه الآن..، فمن هو هذا الحاكم؟ وما هو هذا الانجاز الذهبي الذي تحقق على يديه؟

هو الحاكم صاحب المقولة، "متعة الحياة أن تعمل عملاً لم يسبقه إليك أحد، ولم يتوقعه الآخرون". سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم إمارة دبي ونائب رئيس دولة الامارات العربية المتحدة. أما انجازه العظيم (ولكل من ظنّ أني سأتحدث عن انجازه "دبي".. فهذا انجاز لم يكتمل بعد كونه لم يزل يبحث في كل لحظة عن انجاز للانجاز!) فهو عندما بادر وأعلن في عام 2007، خلال كلمته في المؤتمر الاقتصادي العالمي "دافوس"، الذي أُقيم في الأردن، عن إنشاء مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم كوقفٍ علمي ومعرفي بميزانية وقدرها 10 مليارات دولار. وكان من ضمن أهم مشروعات هذا الوقف تخصيص بعثات جامعية للدراسات العليا للطلاب العرب المتميزين من المحيط إلى الخليج، وذلك لاستكمال دراسة درجة الماجستير في أرقى جامعات العالم، وتم ذلك عبر برنامجين، الأول، ويُدعى "بعثات"، وفيه اختارت المؤسسة التعاقد مع أعرق الجامعات العالمية كهارفارد وأكسفورد وييل وكامبردج... وغيرها، وقد رُوعي انتقاء تخصصات متميزة للطالب من ناحية المضمون العلمي والقيمة المضافة التي ستنعكس على الطالب وبلده بعد نهاية الدراسة. أما البرنامج الثاني ويُدعى "رواد"، فهو لا يختلف عن سالف الذكر سوى في أن البعثات خُصِصت للدراسة في أرقى الجامعات العربية كالجامعة الأمريكية بالقاهرة وبيروت، وجامعة الأخوين بالمغرب... وغيرها. وتضمنت شروط التقدم لهذه البعثات على أن يكون المتقدم لها عربياً، وأن يكون متفرغاً للدراسة، وأن يكون حاصلاً على رسالة قبول من إحدى الجامعات - وفي إحدى التخصصات - المذكورة في الموقع الالكتروني للمؤسسة، وأن يتعهد بعدها –في العقد الموقّع بين المؤسسة والطالب – أن يرجع إلى بلده – ويستقر فيه لمدة سنتين على الأقل – ليُساهم في التنمية هناك. هذا وقد تكفلت المؤسسة بجميع مصاريف الطالب الدراسية والمعيشية – يعني من وإلى – طوال فترة دراسته.&

لا أظنني ومنذ تدشين الموقع الالكتروني لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للبعثات – منذ عام 2008 - قمت بتفويت يومٍ دونما الولوج إلى الموقع وامتاع ناظري بما أرى من انجاز غير مسبوق دَعُوتُ لأجله للشيخ محمد بن راشد كما أدعو لوالديَ، وهو الذي آثر – غير مرغم – أن يصبح في مقام الأب لكل شابٍ عربي طموح ومتميز يسعى لنهضة وطنه وبالتالي أمته العربية عبر أهم مقومات هذه النهضة وهي.. العلم، وبالعلم فقط تنهض العقول والأوطان.

كعادتي - كما أسلفت –، وقبل أعوامٍ قليلة قمت بالدخول إلى الموقع الالكتروني للمؤسسة لأُصدم بفقرة مكتوبة بالأحمر احتلت صدر الصفحة الرئيسية - وهنا أصل إلى "لكن" التي أرجأتُها! -، وقد جاء في هذه الفقرة ما اتذكر صيغته، "أنه نظراً لمراجعة المؤسسة لبرامجها بغية تحسينها فإن المؤسسة تعتذر عن استقبال أية طلبات في الوقت الحالي على أن تعاود استقبال الطلبات في المستقبل القريب". انتابني حزن حينها شابه الفرح نفسه عندما أُعلِن عن هذه المبادرة، وأنا لست مستفيداً مباشرة منها، ولكن حزناً على شباب عربي أعلم أنه متميز إذا ما تمت رعاية طموحه وآماله. ومع ذلك تفاءلت بهذا "المستقبل القريب"، وكنت بعدها إذا دخلت للموقع أغمضت عيني قبل أن تستقر "الصفحة الرئيسية" كاملة أمامي وأدعو الله قبل أن افتحهما أن تكون هذه "السحابة الحمراء" قد انقشعت عنها معلنةً عن عودة "الربيع العربي".. ولكنني كنت أراها مجدداً!، وبالأمس القريب وعند دخولي للموقع وجدت "الفقرة الحمراء" قد اختفت من الصفحة الرئيسية، واختفى معها أيضاً برنامج البعثات بشِقّيه دون رجعة أو أمل "مستقبل قريب" هذه المرة!

وبعيداً عن عاطفة – عاصفة - الحزن التي انتابتني – وغيري قطعاً - وما زالت على صرحٍ "كان من واقعٍ فهوى"!، فإنني استطيع أن اتفهم تماماً الظروف التي ربما قد تكون من أسباب توقف هذا المشروع العربي التنموي الكبير، ولعل أهمها تقاطع الأزمة المالية العالمية حينها مع إنشاء هذه المؤسسة، وتأثر إمارة دبي المباشر بتداعيات هذه الأزمة وبما قد ترتب عليه بعدها من توقف هذا المشروع الذي أنا على يقين بأن الشيخ النبيل الكريم، محمد بن راشد، عمل على استدامته.&

ختاماً، أتقدم عبر هذا المنبر بمقترح ورسالة وبيتي شعر، أما المقترح فأتوجه به إلى القائمين على مؤسسة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مناشداً إحياء مشروع "البعثات" مجدداً، ولكن على أن تسعى المؤسسة هذه المرة إلى استقطاب رعاة عرب لهذا المشروع سواءً أكانوا حكومات أو هيئات أو أثرياء - وما أكثر المال العربي الذي لم يصل لمستحقيه بعد! –، وليتحقق للمشروع بذلك أهم بعدين، أولهما في ضمان استمراريته، والثاني، في إضفاء الطابع التضامني العربي المنشود، والذي سيعبّر فعلاً عن ما عجزت التعبير عنه مثل جعجعة "قومية عبد الناصر"!&

وأما الرسالة فإني اختص بها شاغلي قائمة "فوربس" للأثرياء العرب، وعلى رأسهم الأمير الوليد بن طلال، وأخاطبهم هنا بلغة استثمارية يفهمونها بأن هناك "رأس مال معرفي" عربي ينتظركم أن تستثمروا فيه، وثقوا تماماً بأن العوائد مُجزية في الدارين!

أما بيتي الشعر فقد استحقّهما مني – نعم أنا شاعر أحياناً! – سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم:

&

خُلِقتَ من صُلبِ "راشدٍ" فذاً

أنتَ بين الأنامِ حبيبُ

بُدِّلت "النون" فيكَ "باءً"

فالناسُ طينٌ وأنت طيبُ

&

يُقال بأن الكريم إذا مدحه شاعر استحقّ عطاءه..، وعطائي يا سمو الشيخ الكريم في أن نرى كريم مبادرتك واقعاً ينعم فيه مجدداً كل شاب عربي طموح ومتميز.&

&

&

[email protected]