كثيرآ ما سمعنا ونسمع من المثقفين والسياسيين العرب المعجبين بالنظام التركي، بأن تركيا دولة ديمقراطية، ويتهمون حركة التحرر الوطني الكردستانية بالإرهاب، ويدعون بأن الكرد حصلوا في تركيا على جميع حقوقهم، وللأسف هناك من بين هؤلاء مثقفين وكتاب ومفكرين وسياسيين فلسطينيين!&

ونفس هذا الكلام كنا نسمعه ومازلنا نسمعه عن إسرئيل، على لسان المثقفين والكتاب والقادة الأوربيين المدافعين عن إسرائيل بحق أو دون حق، وإتهموا حركة التحرر الوطني الفلسطينية بالإرهاب لسنيين طويلة ورفضوا التعامل معها، إلى أن وقع الإخوة الفلسطنيين إتفاقية اوسلو مع إسرائيل عام 1993.

لن أدخل في تعريف الديمقراطية ولا في مضمونها ولا أشكالها، لأنني أفترض إن جميع البشر يدركون ما معنى الديمقراطية والنظام الديمقراطي، ومن منكم قد نسي فليرجع إلى أحد المراجع المعروفة للإطلاع عليها، أو البحث عنها في محرك البحث (غوغل)، لإنعاش ذاكراته. ولكنني سأطرح بدلآ عنها، عدة تسؤلات والمحاولة للإجابة عنها، من خلال مقالتي هذه. وقبل طرح التساؤلات، علي أن أخبركم لماذا، إخترت هذين الكيانين بالذات. السبب يعود إلى إدعاء كل الكيانيين بأنهما ديمقراطيين، وثانيآ للتشابه التاريخي لنشأتهما، ومحاولة كل منهما طمس هوية شعب أخر، بنوا على أرضه كيانهم الغاصب، والتساؤلات هي:

التساؤل الأول:هل يتماشى مفهوم الديمقراطية مع الإحتلال والإستيطان؟

التساؤل الثاني:هل يتفق مبدأ الديمقراطية مع سلب حرية شعب بأكمله وحرمانه من حقوقه القومية وحق تقرير المصير؟

التساؤل الثالث:هل تلتقي الديمقراطية وتهجير الناس من ديارهم وحرق قراهم وهدم منازلهم؟

التساؤل الرابع:هل إنكار وجود إمة بأكملها ومحاولة صهر بالقوة، لها علاقة بمفهوم الديمقراطية؟

التساؤل الخامس:هل منع الناس من تعلم لغتهم وممارسة عباداتهم والإحتفال بأعيادهم وطقوسهم يتفق مع الديمقراطية؟

التساؤل السادس: هل القمع والحرمان والقتل والإضطهاد والتميز العنصري، يتوافق مع مبادئ الديمقراطية؟

التساؤل السابع: هل تتطابق قواعد الديمقراطية، مع إلغاء نتائج إنتخابات لأن الفائز فيها هو حزب أو حركة مناهضة لسياسة الإستعمار والإنكار والعدوان؟

جميعنا نعلم بأن بنو عثمان هم ليسوا من أبناء المنطقة، بل هم مجموعة مهاجرة من قفقاص إلى هذه المنطقة على شكل محتلين وغاصبين، وإستغلوا الدين الإسلامي لبناء إمبراطوري لهم على حساب شعوب المنطقة، كالشعب الكردي واليوناني والسرياني والأرمني. وتاريخ قدوم العثمانيين إلى هذه المنطقة يعود إلى حولي 600 عام خلت.

الفارق بينهم وبين الإسرائليين، هو أن الإسرائليين لهم جذور في المنطقة ولو قديمة، وثانيآ الإحتلال العثماني أقدم من الإحتلال الإسرائيلي بحوالي 500 عام، وثالثآ الإحتلال الإسرائيلي هو إحتلال إقتلاعي إستيطاني، بخلاف الإحتلال العربي والعثماني لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. إذآ كلا الكيانيين مصطنعين محتلين وغاصبين لأراضي شعوب إخرى، فكيف يمكن للبعض الحديث عنهما والقول بأنهما كيانان ديمقراطيين؟

ثانيآ، كيف يمكن لكيان ما كالكيان التركي أو الإسرائيلي، الإدعاء بأنه كيانٌ ديمقراطي، وهو يصادر حرية شعب بأكمله، كالشعب الكردي والشعب الفلسطيني، ويحرمه من حقوقه القومية والسياسية والإقتصادية والثقافية، وقبل ذلك حق تقرير المصير؟ إن الديمقراطية تتنافى كليآ مع قمع الشعوب وحرمانهم من حقوهم، وإنكار وجودهم. وهل من المعقول الحديث عن شيئ إسمه نظام ديمقراطي، وهو يقوم بتهجير الناس من ديارهم، وحرق قراهم وهدم منازلهم، والإستيلاء على أملاكهم، وطمس معالمهم التاريخية، كما تفعل تركيا مع مدينة حسكيف الأثرية، أو تهويد المدن الفلسطينية على يد إسرائيل؟

ثالثآ، هل يجوز الحديث عن نظام ديمقراطي في ظل عمليات التتريك والتهويد التي تقوم بها كل من تركيا وإسرائيل بها بحق الشعبين الكردي والفلسطيني؟ بالتأكيد لا، لأن ذلك مخالف لكافة الشرائع السماوية والأرضية، وقوانيين الإمم المتحدة وحقوق الإنسان.

رابعآ، لا يمكن الجمع بين الديمقراطية ومنع شعبآ بأكمله من التعلم بلغته والتحدث بها وممارسة عاداته وتقاليده وطقوسه الدينية، والإحتفال بأعياده القومية كعيد نوروز. هذا ما تفعله بالضبط الدولة التركية منذ نشأتها 1923 وإلى الأن، ومن ثم تتحدث عن الديمقراطية فكيف يتساوى ذلك!!!

خامسآ، لا يمكن ربط سياسة التميز العنصري والطائفي والإقصاء،التي تمارسها تركيا وإسرائيل بالديمقراطية بأي شكل من الأشكال، لأن الديمقراطية تعني ضمن ما تعني، المساواة بين البشر، بغض النظر عن جنسهم وديانتهم وأعراقهم ومعتقداتهم ولونهم. إن الممارسات التركية بحق الكرد وممارسات إسرئيل بحق الفلسطينيين، سياسة إجرامية وإسمها الحقيقي، سياسة الفصل العنصري.

سادسآ، كيف يمكن أن يستوي إلغاء نتائج الإنتخابات الفلسطينية، التي فاز فيها حركة حماس الفلسطينية عام 1996، من قبل إسرائيل وسجن أعضاء المجلس التشريعي عن هذه الحركة، مع قواعد الديمقراطية التي يتحدث عنها الإسرائليين؟ أو إعلان الحرب الهمجية على الشعب الكردي من قبل الحكومة التركية، بمجرد أن فاز حزب الشعوب الديمقراطي في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة في تركيا هذا العام؟؟

الخلاصة، إن الديمقراطية لا يمكن لها أن تجتمع مع الإحتلال وإرهاب الدولة، وسياسية الإنكار والإلغاء، والتهجير وحرق القرى، وهدم المنازل وبناء جدران الفصل العنصري وسجن البرلمانيين، ومنع الناس من تعلم لغتهم والتحدث بها.

ومن هنا على أولئك الذين يكيلون المديح للكيانيين الإحتلاليين تركيا وإسرائيل، أن يخجلوا من أنفسهم قليلآ، والتوقف عن هذه الترهات والخزعبلات. وأن يدركوا بأن للأخرين عقولآ تفكر بها وتحلل. وشخصيآ لا أفهم كيف يمكن لكاتب أو مثقف يحترم نفسه يدعم كيان محتل وغاصب إجرامي، يفتك بشعب أخر بريء، إلا إذا قد باع ذمته، مقابل حفنة من النقود، أو ينطلق من خلفياتات مذهبية وعنصرية معينة.&

&