لو قارنا الوضع في منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد الوضع في الدول من ايران الى المغرب، فاننا لن نجد وضعا افضل مما كان سائدا قبل الحرب العالمية الأولى مع اخذ المتغييرات بنظر الاعتبار. ففي ذلك الوقت كانت الفكرة الأساسية هي حق تحقيق المصير للشعوب الخاضعة للسلطنة العثمانية، كونها غير راضية عن حكم السلطنة والذي امتد لما يقارب من اربعمائة سنة من القهر والسلب والقتل والحروب الداخلية والخارجية التي لا تنتهي. ان فكرة منح الشعوب حق تقرير المصير حينذاك أصابها الكثير من التشويه، وذلك لكون بعض الدول والشعوب تم اصطناعها، من دون روابط حقيقية تربط بعضها بالبعض. وبعض الشعوب تم سحقها وتناسي مطالبها المشروعة مثل شعبنا الاشوري والكوردي والارمني.

هل نحن في وضع إعادة تصحيح الأخطاء؟ قد يكون الاستنتاج الاولي بهذه الصورة، وكل دولة من دول المنطقة تحاول ان تحمي رأسها، من مقص المخطط، ولكن اليس من المعقول والمنطقي انها عملية ممتدة، وكما خطط لها جورج بوش واعلنها، حينما قال ان الحرب على الإرهاب طويلة وتتطلب سنوات عديدة. لان هناك ادراك واسع ان الإرهاب ليس لاسباب سياسية، فلو كان كذلك لوجدنا اكبر الشعوب تنتج ارهابين من الاشوريين والكورد. بل كان واضحا ان للارهاب دوافع دينية أيديولوجية والارهابي لا يدفعه الفقر نحو الأفعال الارهابية، لانه لو كان كذلك لانتجت الهند ودول افريقيا جنوب الصحراء اكبر عدد من الإرهابيين. ان الإرهاب نتيجة تربية متزمتة ترى في دين وعقيدة معينة فقط الحقيقة ولابناء هذا الدين او العقيدة فقط الحق في الحياة. اما الاخرين فما هم الا كفرة يحق قتلهم ومحوهم من الوجود.

باعتقادي ان روسيا شمت رائحة تغييرات ستطال المنطقة، تغييرات جوسياسية، ودفعها ما شممته من مسارعة بريطانيا وفرنسا الإعلان عن المشاركة في تنفيذ ضربات جوية ضد داعش، روسيا تقول للجميع انا أيضا هنا ولي مصالح يجب ان يتم حمايتها. ولكن هل من مصالح روسيا بقاء السيد بشار الأسد؟ قطعا روسيا لا تنظر للامور بهذه السذاجة، فمصالح روسيا التي يجب ان توضع على المائدة، تمتد من الشرق الأوسط والذي يقع على مرمي حجر منها، الى القرم المعلن ضمها وشرق أوكرانيا. ان بوادر انسحاب روسيا من شرق أوكرانيا وتحت ضغط العقوبات الاوربية والأمريكية، تم من ناحية تغطيته بالضربات في سوريا، وعلى امل التعويض في ما سوف يحدث جراء انهيار دول قائمة وظهور دول جديدة. فالصراخ الروسي يتبعه في الغالب تنازلات مهمة لسياسة سيدة العالم الولايات المتحدة الامريكية، وهذا حدث مرات عديدة منذ اعلان سقوط الحرب الباردة وسياسة حافة الهاوية.

ان المهللين للدور الروسي والذين يحاولون تصورير السيد بوتين وكانه سوبرمان عصره، يخطاؤن القياس، انهم يقيسون على مقاييس المنطقة وليس على مقاييس العالم الأول. حيث للمصالح القومية الكلمة الأعلى وليس للانتصارات اللفظية. التي ولعنا بها منذ أيام جمال عبد الناصر ولحد الان، لحد انها صارت جزء من ثقافتنا اليومية. فالسيد بوتين والذي رأى الاقتصاد الروسي وهو يتراجع بواتائر سريعة، فيما تمكن الاقتصاد الغربي من هضم قضية العقوبات على روسيا، ولم يتاثر بفعل عوامل متعددة ومنها انهيار أسعار النفط، يريد التراجع عن ما يحدث في أوكرانيا مقابل حفظ ماء الوجه ومنحه دور ما في المنطقة يغطي على تراجعه. وبالناكيد ان روسيا ليست أي دولة أخرى انها تبقى تلك الدولة النووية والقادرة والواسعة والتي لشعبها تاثيير حضاري، فمنح الفرصة مع تعرضه للنقد المستمر أي لسعات ضرورية يمكن تقبلها. اذا كل ما أعلنته روسيا من الدفاع عن النظام السوري ومحاربة الإرهاب شيء قابل للنسيان والانخراط في لعبة المصالح، ولان قدرة روسيا على المطاوعة والاستمرار في تقديم خسائر، ضعيفة، فانها بلا شك ستعود الى بيت الطاعة الأوربي في أوكرانيا سريعا.

اللعبة اكبر من كل ما يظهر في الصورة، سحب صواريخ الباتريوت الأطلسية والأمريكية من الأراضي التركية، والاتفاق والتعاون الروسي الإسرائيلي لعدم وقوع المحضور أي للحد من الاخطار في حالة أي مواجهة او خطاء بين القوات الروسية والإسرائيلية، يعطي ابعاد جديدة للتدخل الروسي والظاهر بموافقة ضمنية من الأطلسي، وعلى الرغم من الانتقادات التي توجه لروسيا بعد قيام طائرات تابعة لها باختراق المجال الجوي التركي، الا انه من الواضح ان تركيا ومستقبلها ليسا ببعيدين عن المخطط المشار اليه أعلاه، وخصوصا ان تركيا لم تقدم أي حل لمشاكلها الداخلية وخصوصا مع الكورد. ان وجود روسيا على الحدود الجنوبية لتركيا سيمنح الدعم والدافع لكورد تركيا لاعلان التمرد والبدء بانتفاضة او حركة شعبية، ان لم ينتج عنها تقسيم الدولة، فانه وبلا شك سينجم عنها تغيير في هيكليتها.&

اذا، مع وجود احتمالات كبيرة نحو احداث تغييرات جيوسياسية في المنطقة، فان المصالح والحفاظ عليها سيبقى الهم الأكبر للدول الكبرى بما فيها روسيا. ان المهللين لبطولة السيد بوتين سيجدونه شخصا اخر، شخصا حاله كحال السياسيين الغربيين همه مصالح بلده، وحسب قدراتها وامكانياتها، وليس الدون كيشوت الذي سيحارب العالم كله لاجل تحقيق أحلام المهللين.